أربيل-“القدس العربي”: تتجه الأوضاع في كردستان العراق نحو مزيد من التأزم والتعقيدات، في أعقاب تداعيات تفرد الحزب الديمقراطي بفرض مرشحه نيجرفان بارزاني لرئاسة الإقليم رغم مقاطعة الأحزاب الكردية الأساسية الأخرى، إضافة إلى احتمال إيقاف بغداد تزويد الإقليم بحصتها من الميزانية الاتحادية نتيجة الخلاف حول تسليم نفط الإقليم.
وخلال مؤتمره الصحافي الأسبوعي الأخير، كشف رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، أن حكومة إقليم كردستان لم تلتزم بالاتفاقية النفطية ولم تسلم الحكومة الاتحادية برميل نفط واحد.
وأوضح أن “حكومة بغداد تدفع فقط الرواتب والمستحقات لإقليم كردستان بموجب الموازنة الاتحادية لعام 2019 ولا تدفع الجزء الباقي لأن قانون الموازنة ألزمها بخصم ما يقابل المبالغ التي تمثلها قيمة 250 ألف برميل من النفط يوميا، وإذا لم يسلم الإقليم هذه الحصة فسيستقطع من حصته ما يوازيه”.
وكان وزير النفط العراقي ثامر الغضبان، أعلن في نيسان/ابريل الماضي في مؤتمر صحافي إن “حكومة الإقليم لم تسلم لغاية الآن ما أقر في موازنة عام 2019 والقاضي بتسليم 250 ألف برميل يوميا لشركة تسويق النفط العراقي (سومو) لبيعه وتوجيه العائدات للموازنة الاتحادية”.
وأضاف أن “هناك اتصالا قريبا سيكون مع الإقليم لتنفيذ ما تم اقراره في الموازنة” مؤكدا “أننا ملتزمون بالقانون وليس هناك شيء نتفاوض حوله معهم وانما سنلتزم بالقانون وما جاء به”.
حكم العائلتين
وفجر برلمان إقليم كردستان، أزمة سياسية جديدة بين الحزبين الرئيسيين الحاكمين في الإقليم (الحزب الديمقراطي بقيادة مسعود بارزاني والاتحاد الوطني بقيادة عائلة جلال طالباني) بعد اختياره نيجرفان بارزاني رئيس الحكومة الحالي، رئيسا للإقليم بمقاطعة نواب الاتحاد الوطني وأحزاب المعارضة مثل الاتحاد الإسلامي والجماعة الإسلامية والجيل الجديد، لينهي فترة شغور لهذا المنصب استمرت سنوات. وحصل نيجرفان بارزاني على 68 صوتا من أصوات البرلمان البالغة 111 نائبا، حيث استغل الحزب الديمقراطي الأكثرية التي يتمتع بها في البرلمان لفرض مرشحه لرئاسة الإقليم. وبعد انتخاب رئيس الإقليم، رشح الحزب الديمقراطي مسرور بارزاني، نجل مسعود بارزاني، لشغل رئاسة الحكومة، وليرسخ بذلك حكم العائلتين في إقليم كردستان العراق السائد منذ سنوات، رغم تصاعد المعارضة التي ترفض استمرار هيمنة الحزبين على السلطة وتفشي الفساد في الإقليم منذ سنوات.
وفي أعقاب مسرحية انتخاب بارزاني، عقد الحزبان الرئيسيان، اجتماعات عديدة لتدارس مواجهة التدهور في علاقاتهما والهجمات الإعلامية المتبادلة رغم الإعلان عن عقد اتفاقات سابقة، ما سيترك أثرا على تشكيل الحكومة المقبلة والشارع الكردي.
وعن سبب مقاطعة الاتحاد الوطني جلسة انتخاب نيجرفان بارزاني، أكد المتحدث باسم الاتحاد الوطني لطيف شيخ عمر، عدم وجود اتفاق مع الديمقراطي الكردستاني بشأن انتخاب رئيس إقليم كردستان، محمّلا الحزب الديمقراطي بقيادة مسعود بارزاني “تأخير عملية تشكيل الحكومة الجديدة في الإقليم جراء السياسة التي يتبعها باستخدامه الأغلبية البرلمانية لتهميش القوى الأخرى وفرض الذات والتفرد وعدم اعارة الاهتمام للآخرين”.
وفي المقابل هدد رئيس كتلة الديمقراطي الكردستاني في برلمان الإقليم اوميد خوشناو، في مؤتمر صحافي بأنهم سيردون رسميا على موقف الاتحاد الوطني الكردستاني ازاء انتخاب نيجيرفان بارزاني رئيسا للإقليم. وذكر “لم نكن نريد أن يصبح الوضع على هذا الشكل وسنرد رسميا على التهديدات” موضحا “قلنا في السابق للاتحاد الوطني بان هذا الموضوع ستكون له ردود أفعال على جميع اتفاقياتنا الأخرى”.
أما الاتحاد الوطني الكردستاني، فقد وضع عدة شروط أمام الحزب الديمقراطي الكردستاني والأحزاب الكردية الأخرى لإنهاء مقاطعته جلسات برلمان الإقليم والمشاركة في حكومة كردستان الجديدة، أبرزها إعطائه منصب محافظ كركوك ووزارة العدل في الحكومة الاتحادية” مبينا أن “الاتحاد لن يشارك في أي حكومة تشكل ما لم يتم تحقيق جميع شروطه المطروحة”.
ووصل الأمر بالقيادي في الاتحاد الوطني غياث السورجي أن يحذر من أن “سيناريو تقسيم إدارة الإقليم بين الحزبين خلال التسعينيات، قد يعاد مجددا بعد انتخاب نيجرفان بارزاني وإذا استمر التهميش” مبينا ان عدم اتفاق الحزبين سينعكس سلبا على الشارع الكردي. وذكر بان “أي حكومة لا تحصل على تأييد الحزبين الرئيسيين ستكون ذات جغرافية محددة”.
بغداد والإقليم
وكانت إدارة الإقليم بعد عام 1991 منقسمة بين الحزب الديمقراطي الذي يدير أربيل ودهوك، والاتحاد الوطني الذي يدير السليمانية.
ولم يكن الاتحاد الوطني، الوحيد الذي قاطع انتخاب رئيس الإقليم، إذ رفضت كتل الاتحاد الإسلامي والجماعة الإسلامية وحركة الجيل الجديد في برلمان الإقليم، المشاركة في جلسة انتخاب رئيس إقليم كردستان.
وقال شيركو جودت رئيس كتلة الاتحاد الإسلامي في البرلمان الكردستاني في تصريحات صحافية إن مسألة تفعيل رئاسة إقليم كردستان تمت بالتوافقات الحزبية، وليس لأجل مصلحة المواطنين، مضيفا أن كتلته لن تصوت لأي مرشح لمنصب رئيس الإقليم.
بينما حذر عضو مجلس النواب عن كتلة الجيل الجديد، سركوت شمس الدين، من سوء العلاقات بين بغداد والإقليم عقب اختيار نيجرفان بارزاني لمنصب رئيس كردستان.
وقال شمس الدين، في بيان إن “اختيار نيجرفان بارزاني سيؤثر بشكل سلبي على عدد من القضايا وأبرزها كركوك واختيار وزير العدل في الحكومة الاتحادية” مؤكدا أن “اختيار بارزاني لمنصب ما يسمى رئيس الإقليم في مشهد تمثيلي مخجل اعترى الجلسة البرلمانية لبرلمان الإقليم، سيؤدي إلى سيطرة مطلقة لأزلام الحزب الديمقراطي على المؤسسات هناك” مشيرا إلى أن “العلاقات مع بغداد ستكون في أسوأ حالاتها وتتسم بالعدوانية، كون هذا الحزب يحمل نزعة عنصرية ودكتاتورية” حسب قوله.
ويذكر ان برلمان كردستان قد أنهى عام 2017 فترة تجميد استمرت نحو سنتين منذ 12/10/2015 بسبب خلافات بين البرلمان ورئيس الإقليم السابق مسعود بارزاني الذي قضى فترتين وسعى للتمديد خلافا للقانون. وقد اضطر بارزاني إلى تقديم الاستقالة وتم تحويل صلاحياته إلى البرلمان والحكومة منذ 29/10/2017.
خلافات تتواصل
وقد تواصلت الخلافات بين الحزبين الرئيسيين حول تقاسم المناصب العليا في الإقليم، رغم عقد عدة لقاءات في أربيل والسليمانية، ورغم الوساطات الدولية، من دون ان تفلح في التوصل إلى اتفاق بينهما، في وقت عارضت فيه العديد من الأحزاب الكردية الأخرى، هيمنة الحزبين على مقاليد السلطة لوحدهما وتهميش الآخرين وعدم إجراء الإصلاحات المطلوبة.
وتصاعدت في السنوات الأخيرة مظاهر رفض استمرار الفساد ونهب ثروات الإقليم من قبل الحزبين الرئيسيين المتسلطين عليه.
فقد طالب القيادي في كتلة الجيل الجديد، سوركت شمس الدين، رئيس الوزراء والمجلس الأعلى لمكافحة الفساد بإحالة ملفات القيادات الكردية من من تسلموا مناصب داخل الإقليم إلى المجلس للتحقيق بالفساد وهدر المال العام.
وقال إن “عددا من قيادات الأحزاب الحاكمة في كردستان منذ عام 2003 ولغاية الآن قد عبثوا بأموال الشعب الكردي لصالح أحزابهم وعوائلهم” وإن “هناك ملفات كبيرة وخطيرة تخص الفساد معطلة بسبب هيمنة الأحزاب الحاكمة وعوائلهم في إقليم كردستان”.
وضمن السياق، وجهت زوجة وزير الثروات الطبيعية في الإقليم اشتي هورامي قبل أيام، رسالة إلى مسعود بارزاني ورئيس حكومة الإقليم نيجرفان بارزاني والمواطنين والمنظمات الحقوقية الدولية، كشفت خلالها عن ما وصفته أسرار “عصابة وسرقات” زوجها.
وقالت جيراخان رفيق عمر، في رسالتها الطويلة “أرى من واجبي الكشف عن بعض المظالم التي تتعرضون لها طيلة سنوات عبر نهب ثرواتكم فوق وتحت الأرض لصالح عصابات حاكمة عديمة الضمير” مؤكدة أن “وزير الثروات الطبيعية وعصابته استولوا على مئات الملايين من الدولارات وهربوها إلى الخارج في وقت يحتاج سكان المنطقة إلى وجبة غذاء لهم ولأطفالهم”.
وعقب الرسالة تعرضت جيراخان رفيق، إلى حادث مروري مروع، نقلت على إثره إلى إحدى المستشفيات وهي في حالة خطيرة.
ومن جانبه كشف عضو برلمان كردستان عن الجماعة الإسلامية سوران عمر عن صرف نحو 50 مليار دولار خارج السياقات القانونية في إقليم كردستان، دون رقابة البرلمان وأجهزة النزاهة والرقابة المالية والادعاء العام. وأضاف عمر في تصريح صحافي، ان الأموال الهائلة التي صرفتها حكومة الإقليم البالغة 50 مليار دولار خلال السنوات الخمس المنصرمة، لم تخضع لأي نوع من الرقابة، أو المراجعة أو تقديم حسابات بأبواب الصرف، موضحا “أن جميع الايرادات المستحصلة من بيع النفط والغاز والجمارك والرسوم والتجارة، تخضع لسيطرة الأحزاب المتنفذة”.
وهكذا يبدو ان أزمات إقليم كردستان آخذة في التصاعد سواء العلاقة مع بغداد، أو تداعيات ما بعد اختيار رئيس الإقليم ورئيس حكومتها من عائلة بارزاني مجددا، الذي تعده أحزاب المعارضة، ترسيخا لحكم العائلات في الإقليم منذ عام 1991 وانهاء لأي آمال بحصول إصلاحات وتغيير في أوضاع الإقليم، وهي نسخة مكررة من واقع أحزاب السلطة في بغداد المشغولة بخلافاتها وصراعاتها السياسية، ليس على مصلحة الوطن والشعب، ولكن لتقاسم السلطة والغنائم.