السوق السوداء ملاذ الجزائريين ورجال الأعمال لشراء العملات الأجنبية

حجم الخط
0

الجزائر – «القدس العربي»: تشرف البنوك المركزية في معظم دول العالم بشكل أساسي على مهمة تحديد سعر صرف العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية وتزويد مواطنيها ومستثمريها بحاجتهم منها، إلا في الجزائر التي تعد دون غيرها تقريبا الإستثناء، حيث «يتحكم نحو 30 إلى 40 شخصا في تحديد قيمة صرف الدينار الجزائري» على حد وصف وزير الداخلية السابق دحو ولد قابلية الذي أكد أن «الشعب يجد ضالته في هذه الأسواق، إذ لا توجد مكاتب رسمية لصرف العملة، ولا أظن أن الدولة تريد أن تفتح المجال لهذا النشاط».
ويعتبر الإعتراف الرسمي من مسؤول بحجم وزير الداخلية، بعجز الدولة عن تأطير وتقويم الاقتصاد المحلي وفق المعايير الدولية، مؤشرا خطيرا يكشف حد التراجع الذي تسجله البلاد في تسيير بعض القطاعات، حيث أن حجم الاقتصاد الموازي يتجاوز 4 مليارات دولار،
في بلد يعتمد اقتصاده أساسا على ريع المحروقات، مثلما يؤكد بعض المراقبين. وينتشر في أغلب المدن الجزائرية الكبرى عدد من تجار العملة الصعبة أو «الدوفيز» مثلما يسمون باللهجة المحلية، يقفون على قارعة الطريق، وأمام مرأى رجال الأمن وفي أغلب الشوارع الرئيسية يحملون بين أيديهم أوراقا من العملات الأجنبية، ويلوحون بها لأي قادم يرغب في شراء أو بيع العملة، وهم الممول الحقيقي للجزائريين المسافرين إلى الخارج، أو للمستوردين وأصحاب الشركات في ظل عدم وجود بدائل أخرى. ويحدد البنك المركزي في الجزائر سعر صرف يورو واحد مقابل نحو مئة دينار، بينما يصل هذا المبلغ في السوق السوداء الى نحو 150 دينارا مقابل اليورو الواحد، أي بزيادة تقدر بـ50 ٪ تقريبا، ويعد هذا السقف هو المحدد الرئيسي لسعر العملة المحلية وهو مبني على ضوابط السوق من عرض وطلب.
وبالرغم من مرور ربع قرن منذ اعتماد الجزائر قانون النقد والقرض لسنة 1990 الذي ينقل البلاد نحو اعتماد نظام اقتصاد السوق بعد عقود من التسيير الاشتراكي، لا تزال الدولة ترفض الترخيص لمكاتب صرف العملة الصعبة لمزاولة نشاطها بشكل طبيعي، رافضة ايضا لتنفيذ الإجراءات التطبيقية التي أقرها القانون السالف مما خلق هذه الوضعية المعقدة. ويؤكد الخبير الاقتصادي الدكتور كمال رزيق في تصريح لـ«القدس العربي» أن الإصلاحات الاقتصادية، والمالية، وحتى السياسية التي باشرتها الجزائر منذ إلغاء النظام الاشتراكي بداية التسعينيات من القرن الماضي، توقفت في الطريق ولم تكمل كل مسارها، ومن بينها ورشة إصلاح سعر صرف الدينار الجزائري مقابل العملات الأخرى، وهو ما ولد وضعا سيئا ساهم في ظهور سوقين موازيتين للعملة، أحداهما رسمية محددة من طرف البنك المركزي، والبنوك التجارية، وهي شبه إدارية يتم تحدد سعر الصرف بأساليب بعيدة كل البعد عن سوق العرض والطلب للعملات. أما السوق الأخرى فهي القطاع الموازي التي يتم فيها تحديد سعر الصرف حسب العرض والطلب، مما جعلها سوقا حقيقية مع فروق بين السوقين تصل إلى حوالي 50٪ من قيمة الدينار، وهو ما يؤثر سلبا على الاقتصاد الوطني.
وفي تحليله للأسباب التي ساهمت في هذا الوضع، يؤكد أستاذ الاقتصاد في جامعة البليدة، أن «غياب الإرادة السياسية يحول دون إصلاح الوضع، فالبنوك التجارية ليست لها الحرية في شراء وبيع العملة، مما شجع ويشجع فئة محددة في إحتكار مجال المتاجرة في العملة الأجنبية، لتحقيق أرباح طائلة بالرغم من أنها تلحق خسائر معتبرة بالاقتصاد الوطني الذي تتحكم فيه هذه المافيا السياسية والمالية، بالرغم من عدم وجود عذر مقنع لتسمح الدولة بوجود مكاتب خاصة لصرف العملة بعد 24 عاما منذ صدور قانون يقر باعتمادها». وفي رؤيته للحلول الواجب على الدولة الجزائرية اعتمادها بشكل سريع لحل الإشكال يرى الخبير الاقتصادي أنه لابد في مرحلة أولى من اعتماد مكاتب حكومية للصرف عبر فروع مختلف البنوك العمومية، على أن يسمح لاحقا للبنوك الخاصة في فتح هذه المكاتب، وفي مرحلة أخيرة يسمح للمؤسسات الخاصة في القيام بهذا النشاط.
ويواجه أصحاب شركات الاستيراد التي يقدر عددها بأكثر من 20 ألف شركة، صعوبات عدة في صرف العملة الأجنبية لتحويلها لمورديهم في الخارج وتسديد مستحقات مشترياتهم، في وقت يواجهون عراقيل لتموين احتياجاتهم من البنوك، مما يضطرهم إلى شراء مبالغ معتبرة يقدرها بعض الخبراء بنحو 4 مليارات دولار من السوق السوداء، بشكل مخالف للقانون وهو ما يعرضهم لعقوبات وغرامات مالية. ويعاني المواطنون إلى جانب أصحاب الشركات، في الحصول على احتياجاتهم من العملات الأجنبية بسبب تدني المنحة التي تسمح بها الدولة للبنوك لمنحها لكل من يسافر إلى الخارج سنويا، وتقدر بـ 130 دولارا، وهو ما يضطرهم لأن يكونوا زبائن أوفياء لتجار السوق السوداء.
وتشير أحدث التقديرات لخبراء الاقتصاد إلى أن حجم الاقتصاد الموازي أو السوق السوداء في الجزائر تجاوز العام الماضي 40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يكبد الخزينة العمومية خسائر معتبرة سنويا، في دولة إيراداتها السنوية من العملة الصعبة تقدر بنحو 70 مليار دولار، و98 ٪ من إيراداتها من قطاع المحروقات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية