كانت الصين على مدى عقود تحظى بمنزلة الدولة ذات الحظوة الاقتصادية في الاستراتيجية الأمريكية. وكانت الولايات المتحدة تتعامل مع الصين كتابع اقتصادي يحظى بعين العطف الأمريكي. وقد اجتاحت المنتوجات الصينية بموجب هذه الرعاية الأمريكية على مدى عقود الأسواق الأمريكية، بحيث وصلت السلع الصينية الرخيصة إلى كل البيوت الأمريكية، مما جعل الكاتب الصحافي الأمريكي الشهير توماس فريدمان يعلق ساخراً في مقاله في صحيفة «نيو يورك تايمز» قائلاً: «هل تعلم أن العلم الأمريكي الذي يرفرف فوق البيت الأبيض صناعة صينية؟» لقد اجتاحت السلع الصينية أمريكا بقدر ما اجتاحت البلدان الأخرى في العالم لرخص ثمنها وتنوعها وغزارتها. لكن الوضع بدأ يتغير منذ عشر سنوات وأكثر. لم تعد الصين مجرد منتج للسلع الرخيصة، خاصة وأنها قفزت قفزة نوعية هائلة على صعيد إجمالي الناتج القومي.
قبل أكثر من عقد من الزمان بقليل كانت الصين تقبع فيما يعرف بالـ «جي دي بي»، أو إجمالي ما تنتجه محلياً، كانت تقبع وراء أضعف الدول الأوروبية كإيطاليا من حيث الناتج المحلي. ونتذكر أن إجمالي ما كانت تنتجه الصين لم يزد عما قيمته ترليون دولار أو أكثر من ذلك بقليل. لكن بينما مازال إجمالي الناتج المحلي أو القومي للبلدان الأوروبية كبريطانيا وألمانيا وفرنسا يراوح مكانه أو زاد بنسب بسيطة لا ترتفع عن ترليوني دولار، نرى أن إجمالي الناتج المحلي الصيني قد قفز فوق العشرة ترليونات دولار خلال أقل من عقد من الزمان، وهو يتقدم بخطى رهيبة بحيث بات الاقتصاد الصيني ثاني أقوى اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة خلال فترة وجيزة جداً، فما بالك خلال العقود المقبلة إذا ظلت نسبة النمو على هذا الحال. لا ننسى أنه بينما ترتفع نسبة النمو في أمريكا وأوروبا اثنين أو ثلاثة في المئة على أبعد تقدير نرى أن نسبة النمو السنوي وصلت في الصين في أحد الأعوام إلى أكثر من ثلاثة عشر في المئة. وهذا يعني أن الصين بدأت تنافس كقطب عالمي هائل على الصعيد الاقتصادي في انتظار تطوير أذرعها الأخرى السياسية والثقافية.
اجتاحت السلع الصينية أمريكا بقدر ما اجتاحت البلدان الأخرى في العالم وذلك لرخص ثمنها وتنوعها وغزارتها
على ضوء هذا التقدم الصيني العظيم لم تعد أمريكا وتوابعها الغربية تنظر إلى الصين على أنها في الجيب الغربي، بل صارت تشكل خطراً لا بد من مواجهته بشكل سريع وجاد قبل أن يبدأ بتهديد التكنولوجيا الغربية ومكانتها، وبالتالي مكانة تلك الدول سياسياً واستراتيجياً. وقد بدأت في الآن ذاته تظهر توجهات الصين العولمية أو الامبريالية من خلال ما يسمى بطريق الحرير الذي ستغزو الصين من خلاله الكثير من البلدان عن طريق التبادل التجاري. وقد سبقت جامعة شنغهاي الصينية طريق الحرير قبل سنوات عندما عقدت مؤتمراً كبيراً ناقشت فيه الدور الرسالي العالمي الجديد للصين. بعبارة أخرى أن الصين بدأت منذ زمن تفكر في تصدير فائض قوتها إلى الخارج كما فعلت كل الدول العظمى عبر التاريخ. ولو شاهدنا التغلغل الصيني في افريقيا وبنائها منشآت حول كل مناطق النفط في العالم لتأكدنا أن الصين بدأت فعلاً تنافس بقوة كقطب عاملي هائل.
في الآن ذاته تعمل أمريكا منذ سنوات على عرقلة طرق النفط من وإلى الصين حسبما يرى الكاتب الأسترالي الشهير جون بلجر. ولا ندري إذا كان تفجير ناقلات النفط في الخليج يستهدف الصين قبل غيرها؟ ولا ننسى أن أبعد قاعدة أمريكية عن حدود الصين لا تبعد أكثر من خمسة وأربعين كيلومتراً، مما يدل على أن أمريكا تحاول خنق الصين بكل الطرق لكن بدون جدوى.
لقد أصبح اللعب الأمريكي مع الصين على المكشوف بعد أزمة موبايل هواوي. لاحظوا كيف تكاتفت الدول الغربية حول أمريكا لمواجهة الخطر الصيني المتصاعد. وكلنا شاهد حملة الضرائب الهائلة التي تفرضها أمريكا على البضائع الصينية بحيث بات العالم في مواجهة حرب تجارية كبرى قد تهدد الاقتصاد العالمي برمته. وحتى الآن لم تستخدم الصين كل وسائلها لمواجهة الحملة الأمريكية، خاصة وأن الصين تمتلك الكثير من سندات الخزينة الأمريكية، ناهيك عن أن الصين إذا منعت بيع موبايل آبل في الصين فقط، فإن الشركة الأمريكية العملاقة قد تخسر أكثر من خمسة وثلاثين في المئة من مدخولها لأن الصين تشكل سوقاً لا مثيل له في العالم أمام السلع الغربية.
ماذا تفعل أمريكا لمواجهة التنين الصيني؟ لاحظنا كيف وقفت الشركات الأمريكية صفاً واحداً وراء الإدارة الأمريكية لمواجهة خطر موبايل هواوي الذي بات ينافس أبل وغيرها. شاهدنا كيف توقف غوغل عن تزويد شركة هواوي بنظام التشغيل أندرويد. وقد لحق به فيسبوك بمنع تحميل تطبيق فيسبوك العالمي على موبايلات هواوي. وكانت كندا من قبل قد رفعت دعاوى ضد مسؤولي الشركة الصينية العملاقة. كل ذلك لخنق الموبايل الصيني الرهيب. والمقبل أعظم.
في المقابل شاهدنا كيف زار الرئيس الصيني روسيا على عجل على إثر أزمة هواوي مع أمريكا. ومما زاد الطين بلة أن الصين نجحت فوراً في توقيع اتفاقية عالمية لتزويد روسيا بتقنية الجيل الخامس للاتصالات. وقد عرضت روسيا بدورها على الصين تزويد شركة هواوي بنظام تشغيل روسي بدل أندرويد الذي حجبته شركة غوغل عن الشركة الصينية. صحيح أن الصين قادرة فوراً على وضع نظام تشغيل صيني لموبايل هواوي، لكن العرض الروسي له رمزية خاصة تشير إلى أن العالم بدأ فعلاً ينقسم إلى أقطاب، وأن نظام القطب الأمريكي الأوحد قد بدأ يتلاشى فعلاً على ضوء الصراع الاقتصادي والتجاري والتكنولوجي مع الصين.
هل يمكن القول إذاً إن أزمة موبايل هواوي الصيني مع أمريكا تشير فعلاً إلى ظهور نظام عالمي جديد؟ هل يكون هذا الموبايل الخارق نقطة تحول كبرى في تاريخ العالم؟
كاتب واعلامي سوري
[email protected]
لقد نسي السيد الكاتب ان اكثر من ثلاثة ارباع مكونات هواوي هي تكنولوجيا مسروقة وغير مبدعة صينيا، ثم ان جارة الصين – كوريا الجنوبية- التي بالكاد تبلغ عشر الصين مساحة و عدد سكان تنتج موبايل سامسونغ بتقنيات محلية بالمجمل وغير مسروقة ومع ذلك هي ليست دولة عظمى ولا تطمح ان تكون مع انها ند تكنولوجي للغرب. إذن مقياس السيد الكاتب غير صحيح البتة و يحتاج للكثير من التعيير . الدول الغربية كانت تنظر للصين كمصنع للرفاهية والآن مجرد مساهم في الاستثمار والتمويل ليس الا ولكن عندما تتجرا عليهم فوجب كبحها وعلى رأي الشاعر،
اعلمه الرماية كل يوم
ولما اشتد ساعده رماني
الاخ الكريم Passerby معلوماتك عن الصين قديمة ب20سنة لما كان الغرب يسمي الصين بمعمل العالم. الصين تنتج وتطور التكنلوجا واكبر ذليل على ذلك محاولة امريكا كبح وعرقلة شركة هواوي الرائدة عالميا في الذكاء الاصطناعي وتقنية الاتصالات الجيل الخامس. امريكا ترتعد هذه البداية فقط. نحن نشاهد تطور مذهل في 40سنة. الدخل الوطني الخام للصين كان يعادل 300مليار دولار، الان تجاوز 24الف مليار دولار هذا تحول مذهل.
يبدو أنك لم تلاحظ أن هناك اختراعا أهم وأخطرمن هواوي،وتعرفه أميركا وروسيا وأوربة ويسكتون عليه. أتعرف ما هو ؟ إنه البراميل المتفجرة التي سبق بها بشار الأسد كل بلاد العالم!
ربما هي من بوادر انهيار أمبراطورية الولايات المتحدة الأمريكية ،فالتنين الصيني الذي يشكل قارة كبيرة وثورة بشرية كبيرة قد تصل للمليارين فإن تطوره التكنولوجي الذي يتمثل في موبايل الهواوي ليس سوى البداية وناقوس خطر يتهدد المجتمع الغربي برمته.
اتفق مع المحنك فيصل قاسم فهوا رجل ذكي وممتع ولك الشكر…
مقال عظيم وضحت الصورة
العالم في وقتنا الحاضر دخل في مرحلة جديدة من الصراع، حيث المواجهة ليست تقليدية بالجيش والعتاد الحربي لكن بالذكاء الاصطناعي، فالذي يمتلك السلطة الرقمية اقوي من يمتلك اعتى الأسلحة لذلك بدأت أمريكا حربها ضد الصين.