الصراع علي الإسلام بين الفقيه السلفي والفقيه الحداثي
محمد كنيشيالصراع علي الإسلام بين الفقيه السلفي والفقيه الحداثيلا يختلف اثنان في أن ماضي هذه الأمة كان مشرقا لامعا محجته بيضاء الليل فيها كالنهار. ولا يزيغ المرء وهو يطل من نافذة الحاضر علي ذلك الماضي عن حقيقة أن العرب كانوا علي جاهلية فجاءهم الفتح المبين علي يد رجل أمي كان لا يجيد القراءة ولا الكتابة وليس معه شهادة من أرقي الجامعات اللهم شهادة قومه له بالأمانة والصدق وعلة الكعب في الأخلاق والخصال، حيث حول مجتمع الجاهلية إلي حضارة الأعلام، ودك التماثيل ليبني قواعد المجد وصرح منارة الإسلام والمسلمين.وإن المرء في عملية إطلالته علي الجيل الأول لا يريد بذلك مجرد التثقيف والاطلاع أو الاستكثار من هذا الجيل الفريد لمجرد الثقافة أو ليضيف إلي حصيلته من قضايا التشريع والفقه زادا يملأ به جعبته إنما عليه أن يؤسس نظرته الخاصة إلي هذا الماضي الحافل بالبطولات والفتوحات المادية والمعنوية لربط حاضر الأمة السقيم بتاريخ الأجداد وحضارتهم التي بلغ خبرها عنان السماوات في محاولة لإصلاح ما أفسده المفسدون وترميم أسوار الحضارة الخالدة وترقيع ثوب الحداثة، وكذا للرد علي هذه الدعوات التي تطالب بشكل صريح بضرورة قطع الأوتار بين إسلام الوحي وإسلام التاريخ كما يطيب للبعض التفريق بين الأسس والأساس وهي دعوات تريد أن تشرعن لوجودها من باب كون إسلام التاريخ يحول بين المرء واستعمال عقله والانكباب علي إسلام الوحي علي خصوصه عكوفا مطلقا، ولكنه عكوف ينظر إلي النص بشقيه كمادة شعرية بيتها الكل زائر ومقيم دون مراعاة للضوابط والشروط التي سطرها الشارع الحكيم، فما دامت الغاية من هؤلاء إطلاق العنان لخاصة العقل وكسر نمطيته التي أصبغت لها حركية العلماء حسب قولهم، فإنه يتم فتح الباب لأي مشروع حداثي ـ دون التفصيل في مرجعيته ـ لتفسير نصوص القرآن والحديث الشريف، ومن تم كسر الطابوهات التي أحاطت الفقيه كهالة تحتكر الحق في ملكية النص ملكية مطلقة كما يري أي فقيه محسوب علي التيار الحداثي.وهكذا يجد المرء نفسه أمام موقفين متناقضين إلي حد النافر فبينما يسعي الفقيه السلفي إلي أسلمة التطور ومن خلاله الحاضر يسعي الفقيه الحداثي إلي إلباس الإسلام جبة التطور وما قد نسميه لباس الموضة، فكان أن أدخلت الأمة بكل أفكارها أتون الفتنة التي هي أشد من القتل، واجتمعت شرائحها علي الفرقة وهي تتهيأ للوحدة فباتت عاجزة عن الفعل والحركة المفضية إلي ترجمة الواقع بل باتت عاجزة عن نفخ الروح في مناهجها ومبادئها وتراثها الذي وصلها علي أكتاف رجال شرب بعضهم البول وهم في رحال طلب العلم. هذه أمور ليست هينة وتحتاج منا الكثير من الاجتهاد والتأمــــــل والشجاعة حتي نكون في مستوي التحديات الحضارية التي تواجهها الأمة الإسلامية.وإنه لمن المخجل نوعا ما نعت جيل القنطرة ـ ذلك الماضي المشرق ـ بعهد الظلامية وأن يعتلي هذا الجيل الجديد المنابر ليحذر الأمة بل الإنسانية من مغبة الرجوع الي تاريخ ذلك الجيل الفريد ونقصد جيل الصحابة الكرام.أعتقد أن الحركة السلفية العلمية والمسؤولة مشروع يحيلنا علي طريق تدين أهل السلف، مع ضرورة التفريق بين الدين والتدين. فالسلفية إذن هي منهجية تصبو إلي تجديد الماضي عن طريق إعادة تشكيل وتأثيث الحاضر الديني بما عاشه جيل الأمة الأول الذي نهل من المنابع الصفية وأخذ عن النبي عليه الصلاة والسلام، ولذلك لما سئلت أم المؤمنين عائشة عن أخلاق النبي أجابت أنه كان قرآنا يمشي علي رجلين شأنه في ذلك شأن صحابته أو لنقل جيله لأنها أعم وأشمل.كان هؤلاء الرجال يقرأون القرآن بشعور التلقي الباعث علي التنفيذ ففتح الله لهم بهذا الشعور آفاقا من العلم والمعرفة ما كانت لتفتح لهم لو أنهم نصبوا العقل مشرعا في وجود نصوص جاهزة تستوجب الانقياد والتسليم. تلك إذن أزمتنا مع العقل وإعادة صياغة وظيفة جديدة له خارج مناطات التمييز والبحث والدراسة والاطلاع من داخل النصوص لا بعيدا عنها، بدعوي أن هذا التراث أضحي يشكل قشرة سميكة نسجها الجيل الأول حول النص التأسيسي مما سبب وساهم في رفض أي محاولة وإقصاء أي مجهود ونتاج فكري يشذ عن بروتوكول القراءة والتفسير الذي وضعه الرعيل الأول لهذه الأمة حسب تعبير العديد من الباحثين. وإنه لأمر عجيب أن تتهم هذه الحركة العلمية بالجمود وإعدام العقل وينعت إسلامها بإسلام التاريخ والجغرافيا وأنها باتت المسؤولة عن تجزيء الأمة وتشرذمها علي المستوي الفكري، والواقع أن هذه الدعوات تسعي إلي إشباع غرائز الأمة بروح الوحدة والتآلف والأخوة، ولا نحتاج إلا أن نشمر عن السواعد لاستئصال شأفتها لأنها تحمل بين حشاياها ما سيتكفل بذلك مصداقا للآية الكريمة فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض . والزمن كفيل من خلال صيرورته بتمييز الحق عن الباطل والنافع من الزبد كما كان مصير العقل الاعتزالي والفرق الكلامية.إن الاهتمام بسيرة عمر بن الخطاب مثلا هو تأريخ لعنصر العدل في أبهي صوره في التاريخ الإنساني وليس التاريخ الإسلامي وحسب. إن للحركة العلمية ما المعطيات التاريخية ما يبرر العودة والنهل من تراث الأسلاف، وعلي الأقل لا يري المرء عيبا في العودة إلي تاريخ الأعلام يوم كانت حضارة الإسلام تجبي لها الجزية وتعطي لها عن يد صاغرة، وهي نفس اليد التي تعبث في جغرافية المسلمين وتزور التاريخ لتصول وتجول في شوارع المدنية الحديثة التي أسس أسوارها رجال يدينون لله بألوهية السماء.ہ كاتب من المغرب8