آن لموضوع مكانة ودور وحدود مسؤوليات المؤسسة العسكرية في بلاد العرب أن يصل إلى نقطة الحسم المعقول والمقبول من شعوبها ومجتمعاتها. عندما حدثت الانقلابات العسكرية في منتصف القرن الماضي، في مختلف الأقطار العربية، وبتتابع سريع، رحب الكثيرون بقادتها وشعاراتها الوطنية والقومية الداعية إلى الاستقلال الوطني والقومي، والقضاء على النظام الإقطاعي الجائر، والتوزيع العادل للثروة الوطنية، وبناء دولة الرعاية الاجتماعية، والرفض الكامل للوجود الصهيوني في فلسطين العربية المحتلة، وكانت تلك الشعارات كافية لاقتناع الشعوب بتأجيل الانتقال الديمقراطي إلى حين.
وعلى الرغم من المقاومة والمؤامرات من قبل القوى الاستعمارية وقوى الداخل الرجعية الفاسدة، نجحت بعض الانقلابات العسكرية في تحقيق بعض تلك الأهداف، بينما تاه بعضها الآخر وأصبح عبئا على الوطن والأمة، بسبب فداحة الأخطاء التي ارتكبها بعض قادتها، وفشل الأحزاب السائرة في ركابها، ودخول بعض المؤسسات العسكرية في ألعاب انتهازية الغنائم والنفوذ والامتيازات.
سبعون سنة مرت والمؤسسة العسكرية في بلاد العرب في حيص بيص، والناس في هرج ومرج بشأن مكانتها وأدوارها وما تفعله وما لا تفعله، بل ازداد الموضوع تعقيدا وخطرا، بعد أن دخلت المؤسسات الأمنية القمعية والاستخباراتية في اللعبة ذاتها، وبعد أن أصبحت المؤسسات الاستخباراتية الأجنبية الإقليمية والدولية متواجدة في كل الساحات السياسية والأمنية العربية، تخطيطا وتدريبا وتمويلا وتنسيقا وإملاء.
سبعون سنة طويلة انقلبت فيها المؤسسة العسكرية ـ الأمنية إلى طبقة حاكمة تمارس السياسة، وتملك جزءا كبيرا من ثروات الاقتصاد والمال، وتلعب دورا حاسما في قمع المجتمعات المدنية المعارضة، وتتراكم امتيازاتها المادية والمعنوية. وقد سهل ذلك التحول انتهازية بعض القوى السياسية المدنية والحزبية، التي أرادت أن تستعمل قدرات ومكانة المؤسسة العسكرية ـ الأمنية لتحقيق أهدافها وترجيح كفتها في ساحتي السياسة والحكم. فكانت النتيجة أن انقلب السحر على الساحر، وأصبحت المؤسسة العسكرية ـ الأمنية هي التي تستعمل شعارات ورجالات ونضالات الأحزاب والنقابات، وكثيرا من مؤسسات المجتمع المدني لصالحها وترسيخ سلطاتها واستمرارية وجودها عبر السنين.
وشيئا فشيئا أقنعت الشبكات الإعلامية وجهات العلاقات العامة التابعة لتلك المؤسسة، المواطنين بأنها وحدها، دون غيرها، وبدون حاجة لغيرها، القادرة على حماية الأوطان من السقوط في الفوضى والصراعات المضرة، وعلى اجتذاب الاستثمارات، وعلى بناء السلم الأهلي، وعلى محاربة الفساد، وهي قادرة على فعل كل ذلك لأنها الأكثر تماسكا وتنظيما وكفاءة والتزاما وطنيا وقوميا. ظلت تلك الصورة مهيمنة، بصورة علنية أحيانا، وغير علنية أحيانا أخرى، حتى انفجرت الأرض العربية بحراكات وثورات الربيع العربي، وظن الناس أن تلك الصورة ستتغير، وأن المؤسسة العسكرية ـ الأمنية ستراجع سبعين سنة من الإشكالات والإملاءات والتدخلات في كل صغيرة وكبيرة من الحياة السياسية العربية، وبالتالي ستعود إلى ممارسة مهماتها الأساسية في حماية الأوطان من أخطار الخارج، وفي المساهمة في حماية الأمن القومي العربي، وفي حماية الأمن الداخلي، كجزء من منظومة حكم مدني ديمقراطي خاضع لدستور وقوانين ومؤسسات منتخبة.
ما زالت المؤسسة العسكرية تشكك في قدرة القيادات المدنية على نقل المجتمعات إلى بر الأمان، والخروج من الجحيم الذي يعيشه الوطن العربي كله
لكن أحداث ما جرى في العديد من الأقطار العربية إبان العشر سنوات الماضية، وفي اللحظة الحالية التي نعيشها، أوضحت أن تلك المراجعة لم تتم، حتى لو جرت محاولات متواضعة هنا وهناك. فتلك المؤسسة ما زالت غير مقتنعة بأن الشعوب العربية قادرة على حكم نفسها بنفسها. ما زالت تلك المؤسسة تشكك في قدرة القيادات المدنية على نقل المجتمعات إلى بر الأمان، والخروج من الجحيم الذي يعيشه الوطن العربي كله، وإن بنسب متفاوتة.
ويشعر الإنسان بالأسى والخجل وهو يرى ما جرى في العديد من المجتمعات الإفريقية، حيث اقتنع العديد من المؤسسات العسكرية ـ الأمنية بتسليم السلطة إلى القوى المدنية، استجابة لصوت الملايين من الجماهير المطالب بالانتقال إلى الديمقراطية. هذا بينما تتجاهل بعض المؤسسات العسكرية ـ الأمنية في العديد من الأقطار العربية هدير أصوات الملايين من المواطنين، من رافعي شعارات الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية، بعد أن يئسوا من إمكانية أن يتم ذلك عن طريق المؤسسة العسكرية ـ الأمنية.
وحتى عندما تدعي بعض تلك المؤسسات بأنها ستنحاز لمطالب الجماهير، وستبتعد عن أنظمة الحكم السابقة الاستبدادية الفاسدة الظالمة، تظل شهرا بعد شهر وسنة بعد سنة تراوغ وتلعب بعامل الوقت، وتتقدم خطوة لتتراجع خطوتين، وذلك من أجل أن يتعب الناس ويصابوا بالملل والقنوط ويقبلوا باستمرار الدولة العميقة السابقة، وقوى نظام حكمها الفاسد الناهب للخيرات.
هذا الليل الحالك الذي وصل إلى مرحلة الشيخوخة المريضة الضعيفة، آن له أن ينتهي ويتوارى، ليحل محله نهار جماهير المواطنين، بحقهم في الحصول على الفرص والتجارب والنجاحات، وحتى إمكانية الإخفاقات، تماما مثل ما فعل الأخرون، بدون وصاية أبوية أنانية مريضة لا تريد أن تتخلى عن هيمنتها وامتيازاتها وهلوساتها.
كاتب بحريني
حكم العسكر بالتعريف ضد المنطق مثل حكم العضلات على العقل. و منذ ان شارك العسكر في السلطة صاروا فوق المسائلة و التوجيه و اهملوا و تراخوا في واجباتهم الاساسية وهي الجاهزية لاداء الواجب في حماية الوطن وردع العدو و انصرفوا الى الاهتمام بالسياسة و الاقتصاد فاخلوا بالجيش و الحياة المدنية.
وقد تكرر انكشاف ضعف التدريب و التجهيز و القيادة لهذه الجيوش عند كل مواجهة حتى مع مليشيات صغيرة على الرغم من ضخامة الانفاق عليها. و لا استثني احدا
المصيبة ان الانفاق على هذه الجيوش الفاشلة لانها فوق الرقابة يتم على حساب التعليم و الصحة و التنمية عموما اي انها حلقة شيطانية تغذي بعضها بعضا. و للمقارنة انظر ماهي نسبة انفاق الدول العربية (و المتخلفة عموما) على الجيوش مقارنة بالتعليم و الصحة و قارنها مع الدول الديموقراطية (المتقدمة عموما) تجد العجب العجاب
وهل الأمر بحال أفضل في دول الممالك؟ وضوحاً لا… الاستبداد والتخلف والقصور هي القواسم المشتركة
يجب هيكلة الجيوش والعروش ليعيش الناس في حرية وكرامة، وتقوم الجيوش المحترفة بواجباتها في حماية الحدود ومواجهةالأعداء، وتكون العروش مكانا لتبادل السلطة سلميا بين المدنيين، وينتهي عصر العساكر الأغبياء!
موضوع رائع جدا، المشكلة شيطنة الحركات المدنية حتى ينفر كثير من أبناء الشعب البسطاء ويسلموا أمرهم للعسكر.