دمشق – «القدس العربي» : وسّع النظامان السوري والروسي دائرة المناطق المستهدفة، شمال غربي سوريا، كدلالة على تعثر فرص اتفاق تركي – روسي، حيث هاجمت مقاتلات التحالف الروسي – السوري على مركز مدينة إدلب، والارياف المحيطة بها، بعشرات الغارات، وسط قلق كبير من الأمم المتحدة ازاء تصاعد حدة القتال في آخر بقعة جغرافية يسيطر عليها معارضو النظام السوري والتي تؤوي أكثر من ملايين مدني، اذ ناشد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ضامني مسار أستانة، خاصة تركيا وروسيا، من اجل العمل على استقرار الوضع في إدلب بدون إبطاء. وأعرب غوتيريش، الثلاثاء، عن قلقه الحاد من تصاعد حدة القتال شمال غربي سوريا.
وقال الأمين العام في تصريح للصحافيين بمقر المنظمة في نيويورك: «إنني قلق للغاية إزاء تصاعد حدة القتال في إدلب، فالموقف جد خطير مع ازدياد عدد اللاعبين هناك، والمدنيون هم الذين يدفعون الثمن»، معتبراً أن مكافحة الإرهاب يجب أن تتوافق مع القانون الإنساني الدولي. وفي إدلب، قالت مصادر ميدانية لـ»القدس العربي»، ان قصفاً جوياً وبرياً عنيفاً استهدف ارياف إدلب وحماة، كما تركز القصف على وسط مدينة ادلب، لأول مرة منذ شهور، ما اسفر عن مقتل 3 مدنيين هم طفلة ووالدتها وجدتها، وأكثر من 17 جريحاً، بينهم أطفال.
مشروع تمزيقي
من جانبه وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان «استشهاد 3 مواطنين الأربعاء، جراء قصف جوي وبري استهدف الريف الإدلبي ضمن منطقة «خفض التصعيد»، جراء قصف طائرات النظام الحربية على قرية كنصفرة في جبل الزاوية، ومواطن جراء قصف قوات النظام على أماكن في بلدة ترملا بريف إدلب الجنوبي» لافتاً إلى ان عدد القتلى مرشح للارتفاع لوجود جرحى بعضهم في حالات خطرة.
مقتل وإصابة العشرات بغارات وقصف روسي – سوري على شمال غربي سوريا
وارتفع عدد الغارات التي نفذتها مقاتلات النظام صباح الأربعاء إلى أكثر من 40، استهدفت مناطق في أطراف مدينة إدلب، ومدينة خان شيخون وكفرسجنة وحيش والشيخ مصطفى ومعرة حرمة وحاس وأطرافها. الباحث والمستشار السياسي د.باسل الحاج جاسم، اعرب عن ثقته بأن الاتفاق الروسي – التركي على المنطقة «متعثر في كثير من مراحله»، ويبدو أن الأمر في تلك المنطقة الواسعة الممتدة على محافظات عدة ومكتظة بملايين المدنيين حسب ما لخص الخبير السياسي «لا يتعلق بتركيا لوحدها فقط، فلا تركيا ولا أوروبا ترغب بموجة جديدة من اللاجئين». موضحاً لـ»القدس العربي»، أن جميع الدول لا ترغب بدورها تسرب او عودة المقاتلين الأجانب المنخرطين في مجموعات مصنفة على قوائم الإرهاب الدولي والموجودة اليوم في تلك المنطقة. وبرأي الحاج الجاسم، فإنه في حال استمرت المعارك في تلك المنطقة، من دون التوصل لتسوية سريعة أو العودة للعمل بالاتفاقيات السابقة، فإنه قد تعود طهران للعب دور ما هناك عبر ميليشياتها، بعد أن تم استبعادها من كل التفاهمات السابقة حول تلك المنطقة.
ما يجري على الأرض سببه عدم استكمال ما سبق وتم الاتفاق عليه، حسب المستشار السياسي، «فالأمريكي تعجبه هذه الفوضى لإلهاء الجميع عن مشروعه التمزيقي، وواشنطن لو أرادت دعم المعارضة لما تخلت عنها علنا في الجنوب و هي كانت طرفا ضامنا لها هناك، وفي الشمال بالتأكيد لن تفعل شيئاً يصب في مصلحة تركيا أو يعزز موقفها، قد يكون ما تريده إشعال أي توتر جديد بين أنقرة وموسكو عبر إيهام الكل بأنها تساند المعارضة هناك على غرار ما حصل عند إسقاط تركيا الطائرة الروسية قبل سنوات، والجميع يعرف تداعيات ما حصل لاحقاً لتركيا والمعارضة وبعض المناطق هناك». وكانت تركيا قد حمّلت الأحد على لسان وزير خارجيتها مولود تشاووش أوغلو، موسكو وطهران مسؤولية لجم النظام السوري، فيما اعتبر مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري، أن «النظام التركي لم يحترم حسن الجوار»، قائلاً إنه «لو كان للنظام التركي حكمة سياسية لنظر إلى المستقبل».
موقف مشبوه
وقال الجعفري، خلال جلسة لمجلس الأمن حول الوضع في إدلب، يوم الثلاثاء: «نحن وهم (تركيا) باقون وموجودون في هذه المنطقة بحكم الجغرافيا والتاريخ»، وذلك حسب وكالة الأنباء السورية «سانا». وأشار إلى أن «جميع أعضاء مجلس الأمن يدركون أن هناك مشكلة في إدلب ينبغي التعامل معها لكنهم يتجاهلون سبب هذه المشكلة، زاعماً أن سببها «استمرار النظام التركي وشركائه بتقديم شتى أشكال الدعم للمجموعات الإرهابية والتملص من التزاماته بموجب اتفاق خفض التصعيد وتفاهمات أستانة وسوتشي».
القيادي في الجيش الوطني والمقرب من أنقرة مصطفى سيجري اعتبر ان المؤشرات الأخيرة دليل واضح على الرغبة في «إخراج تركيا من خلال إطلاق يد روسيا التي ستنقلب وفق مصالحها لا مصالحهم، وفي أول صفقة مع الأتراك، هذا ما على الأشقاء في السعودية أن يفهموه جيداً». وقارن سيجري في حديث مع «القدس العربي» بين محاولات بعض الدول وعلى رأسها السعودية في إيقاف التسليح عن فصائل المعارضة، ومحاولتها وأد الثورة ومع ما تقدم من تدفق السلاح إلى الميليشيات الانفصالية شمال شرقي سوريا».
وقال «إن السعودية اليوم تتخذ موقفًا غير مفهوم على الصعيد الإنساني والأخلاقي تجاه القضية السورية في هذه المرحلة، والحقيقة لا يمكن فهم قرار إيقاف كامل الدعم عن الجيش السوري الحر وفي أحلك الظروف، والشمال السوري يتعرض لإبادة جماعية الا انه محاولة لوأد الكفاح السوري وسحق العرب السنة في سوريا». وأضاف «في الوقت ذاته نشاهد تدفق الدعم للمجموعات الانفصالية صاحبة التاريخ القذر في عمليات التهجير والتغيير الديمغرافي بحق العرب السوريين في مناطق شمال شرق سوريا». معتبرا أنَّ كلَّ «ما يحدث لا يمكن أن يقرأ إلا في «سياق التضحية بسوريا وشعبها بهدف إزعاج تركيا، وبحركات صبيانية، سندفع ثمنها جميعًا، مع العلم أنَّ غياب ملف إدلب عن قمة مكة الأخيرة، أيضًا هو أمر «لا يُمكن فهمه إلا في سياق الموافقة الضمنية إن لم نقل بأنَّ التحركات الروسية الإجرامية في إدلب جاءت بتنسيق مع بعض الدول العربية».
وقال سيجري الحقيقة الواضحة «يريدون إخراج تركيا»، ومن خلال إطلاق يد روسيا التي ستنقلب عليهم وفق مصالحها لا مصالحهم، وفي أول صفقة مع الأتراك، هذا ما على القيادة السعودية أن تعرفه جيداً، وعليه اليوم نكرر إنّنا لم نساوم يومًا على عمقنا العربي، وعلى القيادة السعودية ان تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية تجاه ما وصل إليه الحال في سوريا وعلى مدار عقود، لان الحل يبدأ بدعم الشعب السوري ومساعدة المكون العربي السني لأخذ دوره الطبيعي، وليس معاقبته نكاية بتركيا».
السبهان… والانفصال
وكانت المنطقة الشرقية من سوريا قد شهدت قبل أيام، اجتماعاً مفاجئاً لوزير الدولة السعودي ثامر السبهان، ونائب وزير الخارجية الأمريكي جويل رابيون، والسفير الأمريكي ويليام روباك، مع عدد من شيوخ العشائر العربية وقيادات ميليشيا «قسد» في القاعدة الأمريكية داخل حقل العمر في ريف دير الزور. وقدمت السعودية نفسها خلال الاجتماع على انها الداعم القوي لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) على جميع الأصعدة بعد القضاء على تنظيم الدولة، لمواجهة التوسع الإيراني في المنطقة، مقدمة حسب سيجري «السلاح إلى الميليشيات الانفصالية». ولفت المتحدث إلى ضرورة الكشف ان «المملكة أوقفت الدعم منذ عام 2016 عن الجيش الحر وبدون أي مقدمات، وشعبنا لليوم مازال يتعرض لإبادة جماعية في محاولة لوأد أي فرصة من شأنها الحفاظ على بقعة جغرافية يكون فيها للعرب السنة كلمة، بعد تقاسم الطائفيين والانفصاليين الوطن وبدعم خارجي».
وفي تصريح خاص من ابراهيم الحبش مدير شبكة الخابور المختصة بأخبار المنطقة الشرقية فقد وصل السبهان إلى القاعدة الامريكية في حقل العمر بحضور نائب وزير الخارجية والمستشار الامريكي وعدد من ضباط التحالف الامريكي اضافة إلى عدد من قيادات «قسد» بينهم كوادر من حزب قنديل وعقد اجتماعات عدة. الاجتماع الأول ضم قيادات تابعين لقوات سوريا الديمقراطية غسان اليوسف وليلى الحسن الرئيسين المشتركين لمجلس ديرالزور المدني.
أما الاجتماع الثاني فضم لقاءاً خاصاً بشيوخ العشائر العربية في دير الزور ممثلة بالشيخ جميل رشيد الهفل شيخ العكيدات وحاجم أحمد البشير شيخ البكارة حيث تحدث السبهان عن ضرورة مشاركة العشائر العربية في مشروع قوات سوريا الديمقراطية ومبادرة العنصر العربي إلى تسلم زمام الامور وخاصة في ديرالزور وان التظاهرات لن تجلب نتيجة لذلك وجب الالتفات إلى الحوار من خلال قناتين الأولى مجلس ديرالزور المدني والثانية شيوخ العشائر حيث وعد بدعم لا محدود للمنطقة والعشائر العربية بشرط دعم قوات سوريا الديمقراطية والانضمام لمشروعها في كل جوانبه.