باريس ـ «القدس العربي»: ينتظم الناخبون الموريتانيون المليون ونصف المليون، اليوم السبت، طوابير أمام أربعة آلاف مكتب تصويت موزعة على ثلاث وخمسين مقاطعة، لاختيار رئيس جديد للبلاد بين ستة مترشحين ضمن أهم انتخابات رئاسية تشهدها موريتانيا في تاريخها الحديث، لكونها أول انتخابات تنظم بعد انتهاء مأموريتين دستوريتين للرئيس القائم، كما أنها تجري في مشهد سياسي متشكل على أسس جديدة.
ولم يبتعد الرئيس المنصرف محمد ولد عبد العزيز عن هذه الانتخابات، كما كان كثيرون يحبذون، بل رمى بثقله السياسي كله كرئيس للدولة ما زال حاكماً، إلى جانب رفيق سلاحه محمد ولد الغزواني، وهو ما جعل موظفي الدولة ورؤساء القبائل وضباط الجيش يتزاحمون على مساندة ولد الغزواني ودعمه بشتى الطرق.
وبهذا الاصطفاف والاستقطاب الذي نجم عن موقف الرئيس عزيز، تحولت الانتخابات الرئاسية المنظمة اليوم من انتخابات يتنافس فيها ستة مترشحين ببرامجهم وكفاءاتهم إلى انتخابات بين موالاة الرئيس المنصرف المتجسدة في مرشحه محمد الغزواني وبين معارضته التي يمثلها أربعة من المرشحين الآخرين. وهكذا سيتنافس اليوم في هذه الانتخابات اتجاهان رئيسيان، أحدهما يقوده محمد ولد الغزواني ويسعى لاستمرارية سياسات النظام المنصرف، والآخر يسعى للتغيير التام ويقوده من مواقع مختلفة، كل من سيدي محمد ولد ببكر المدعوم من الإسلاميين، ومحمد ولد مولود المدعوم من المعارضة التقليدية، وبيرام الداه المدعوم من بعثيي موريتانيا وتيار من تيارات أرقائها السابقين، وكان حاميدو بابا المدعوم من الأحزاب الزنجية الموريتانية.
وتتنوع القوى الداعمة للمرشحين الخمسة الأساسيين في هذه الانتخابات، حيث يتمتع ولد غزواني بدعم الرئيس الحالي وحزبه الحاكم الذي يسيطر على غالبية البرلمان والمجالس المحلية، وبقية أحزاب الأغلبية الداعمة للرئيس، كما يحظى بدعم المنظومة الحاكمة بما فيها الأجهزة العسكرية والأمنية، إضافة لما حصل عليه من دعم كتلة أحزاب المعارضة المحاورة، ومساندة أحزاب وشخصيات وازنة من المعارضة.
ويحظى ولد بوبكر بدعم حزب «تواصل» (محسوب على الإخوان) الذي يحتل المكانة الثانية بين الأحزاب الممثلة في البرلمان بعد الحزب الحاكم، وبمساندة كل من حزب التغيير الموريتاني وحزب المستقبل، وهما حزبان غير ممثلين في البرلمان لكن لهما حضورهما الإعلامي الكبير؛ ويحظى ولد ببكر بدعم رجل الأعمال القوي والمعارض الشرس للنظام الحالي محمد ولد بوعماتو، إضافة إلى دعم ومساندة عدد معتبر من رجال الإدارة السابقين من وزراء ومديري مؤسسات، غالبيتهم ممن عملوا معه في الحكومات التي قادها من قبل.
أما المترشح المهم الآخر بيرام ولد الداه فتقف خلفه قوى سياسية وشعبية تتقدمها حركة «إيرا» وهي الحركة الحقوقية التي أسسها الرجل ودخلت في الميدان السياسي، وهي حركة لها زخم قوي وشعبية لا بأس بها رغم أنها غير مرخصة، وحزب الصواب وهو حزب بعثي عروبي نخبوي لا قواعد له في الساحة. ويحظى المترشح محمد ولد مولود بدعم حزبه، حزب اتحاد قوى التقدم الذي يرأسه، وهو حزب يمثل في البرلمان بثلاثة نواب، ولكن مكانته السياسية أقوى من مكانته الانتخابية، وحزب تكتل القوى الديمقراطية الذي يرأسه أحمد ولد داده الزعيم المعارض التاريخي والمرشح التقليدي للرئاسة قبل تجازوه سن الترشح، وحزب التناوب الديمقراطي، وهو حزب صغير غير ممثل في البرلمان، كما يحظى المرشح ولد مولود بدعم قطاع لا بأس به من الشباب المعارض غير المصنف.
ويحظى المترشح كان حاميدو بمساندة تنحصر في الأحزاب الزنجية، إذ لا يدعمه من غيرها إلا حزب الجبهة الشعبية وهو حزب صغير جداً.
وحسب توقعات المتابعين لهذا الاقتراع، فإن التنافس سينحصر بين مرشحين، هما: محمد ولد الغزواني مرشح النظام المنصرف، وسيدي محمد ولد ببكر وهو مرشح كشكول القوى المعارضة الساعية للتغيير المدني.
ويتمتع ولد غزواني بعناصر قوة جمعها المركز الموريتاني للدراسات والبحوث الاستراتيجية في نقاط، منها: «ترشيحه من قبل النظام القائم، وكونه يمثل فرصة للتجديد، وانتماؤه السابق للمؤسسة العسكري، وانتماؤه للمناطق الشرقية من البلاد ذات الكثافة الديموغرافية التي يطمح أهلها لحكم البلاد لأول مرة بشكل مستقر منذ استقلالها». وجمع المركز عناصر ضعف ولد الغزواني في خلفيته العسكرية التي تضعف حظوظه لدى القوى الباحثة عن رئيس مدني بعد 40 عاماً من سيطرة العسكر على مقاليد الحكم، ومنها التخوف من أن يكون حكمه مجرد امتداد لحكم الرئيس المنصرف، ما يفرغ مطلب التناوب من مضمونه».
أما منافسه الأساسي، سيدي محمد ولد بوبكر، فيرى المركز أن نقاط قوته تتمثل في جمعه بين دعم قطاع قوي من المعارضة وبين عدم تخوف قطاعات من النظام منه، ومنها انتماؤه لوسط البلاد المحايد في الحساسيات الجهوية، ما يعطيه فرصة الاستفادة من الاستقطاب الجهوي الانتخابي، ومنها تجربته الإدارية الطويلة، بينما تتمثل نقاط ضعفه-حسب تحليلات المركز- في عدم انتمائه لقبيلة ذات وزن ديمغرافي أو مالي مؤثر، وارتباطه في أذهان قطاع قوي من المعارضة بنظام ولد الطائع، وعدم معارضته.
وفي تقرير له عن هذه الانتخابات وظروفها ومآلاتها، أكد المركز الموريتاني للدراسات والبحوث الاستراتيجية «أن الاحتمال الأول هو الحسم في الشوط الأول، ويتفق مجمل المراقبين وحتى المواطنين العاديين على أن المرشح الوحيد الذي يستطيع الحسم في الشوط الأول هو مرشح الأغلبية؛ محمد ولد الغزواني، بغض النظر عن الاختلاف حول سبب ذلك هل هو قوة شعبيته أم دعم الدولة له».
«أما الاحتمال الثاني، يضيف المركز، فهو وقوع شوط ثان، في حالة لم تتوفر العوامل السابقة التي ستؤدي إلى الحسم في الشوط الأول؛ وفي حالة وقوع هذا الشوط سينفتح الباب لسؤال كبير: هل ستستطيع المعارضة إسقاط مرشح الأغلبية، وبالطبع تحتاج المعارضة لتحقيق ذلك إلى الاتفاق على دعم المرشح الذي ينافس مرشح الأغلبية، ويتوقف ذلك أيضاً على طبيعة المرشح المعارض الذي يصل للشوط الثاني».
«فإذا لم تتفق المعارضة ضد مرشح الأغلبية، حسب المركز، فمن الصعب احتمال تغلبها عليه، أما إذا اتفقت ضده فيبقى الاحتمال وارداً، خاصة إذا كانت نتيجته في الشوط الأول غير قوية».
وتوصل المركز في خلاصة تقريره إلى أنه «لا توجد حتى الآن مؤشرات واضحة تؤكد، أو تنفي، وقوع شوط ثان فيها، لكن إذا وقع شوط ثان فسيكون له تأثير كبير، إلى درجة أنه يمكن القول إن حظوظ مرشح الأغلبية في النجاح من الشوط الأول غير متباعدة مع حظوظه في النجاح في الشوط الثاني إذا اتحدت المعارضة عليه».
وأوضح المركز «أن نتائج هذه الانتخابات ستفتح من الأسئلة أكثر مما تقدم من الأجوبة، مثل التساؤلات عن العلاقة بين مرشح الحزب الحاكم والرئيس المنصرف في حالة نجاحه؟ والتساؤلات عن موقف السلطة من نجاح أحد مرشحي المعارضة؟ والتساؤلات عن علاقة قطبي المعارضة والأغلبية الحاليتين في حالة نجاح أي منهما، فضلاً عن التساؤلات الأكبر عن تأثير هذه الانتخابات على مسألة التعايش الوطني».