نواكشوط- «القدس العربي» أدخل الموقف الذي أعلن عنه صمبا تيام رئيس حركة قوات التحرير الإفريقية في موريتانيا خلال المؤتمر الأول للحركة الذي افتتح قبل يومين، والذي دعا فيه لاستقلال ذاتي للجنوب الموريتاني ، أدخل هذا الموقف أمس الساحة السياسية الموريتانية في جدل كبير غير مسبوق، كما أيقظ النعرات القومية من جديد بعد خمودها لسنوات.
وكان صمبا تيام قد أعلن أن «حركته تختار للخروج من مأزق التعايش بين المكونات العرقية للمجتمع الموريتاني، تطبيق الحكم الذاتي الذي هو محل جدل كبير»، حسب قوله.
وأمام الزلزال الذي أحدثه هذا الموقف، انقسمت الساحة السياسية والإعلامية حول هذا الموضوع بين داع لحل المشاكل بين المكونة العربية للمجتمع والأقليات الزنجية عبر الحوار السلمي وبالتفاهم، وبين من يدعو «للضرب بيد من حديد على التطرف الزنجي، والإجهاز على الفرخ قبل أن ينتفض خارج بيضته».
الضرب بيد من فولاذ
وفيما شجب حزب اتحاد قوى التقدم وهو حزب يقدم نفسه على أنه الإطار السياسي الجامع قرار عدم الترخيص لمؤتمر حركة «أفلام»، مؤكدا «أنه يشكل خرقا سافرا للحريات العمومية التي يعترف بها ويضمنها الدستور والقوانين المعمول بها في البلد، وخاصة حق التجمع والتعبير»، دعا حزب الرفاه (ذي الخلفية العروبية)، الحكومة الموريتانية «إلى تحمل مسؤولياتها كاملة والضرب بيد من حديد على كل مجموعة أو جهة جاهرت بدعوات عنصرية أو انفصالية مهما كانت جهتها وانتماؤها».
وأكد حزب الرفاه على خطورة «انعقاد مؤتمر ما يسمى بحركة قوات تحرير الزنوج الموريتانيين العنصرية الانفصالية وتحت شعارات انفصالية وعلم غير وطني، في تحد سافر لقدسية الوحدة الوطنية الموريتانية وتاريخ البلد ولحمته الاجتماعية».
وأضاف الحزب في بيانه أن» رئيس هذه الحركة الانفصالية العنصرية رفض قبل البارحة في مقابلة مع قناة الوطنية إدانته المقال المسيء للرسول مؤكدا بوقاحة نادرة أن الأمر لا يعنيهم في شيء ولا يتعلق بالحركة وكأنه يعيش في كوكب آخر وينتمي لوطن آخر وأمة أخرى غير أمة الاسلام».
وسرعان ما انضم كتاب المقالات ورواد التدوين للحلبة الساخنة، ولم يفوت محمد فال ولد بلال وزير الخارجية الأسبق والسياسي المخضرم الفرصة فتدخل ليؤكد « أن الجميع كان يتوقع مع الاستقلال أنّ رفع العلم الوطني، وتحية النشيد، و بناء مؤسسات الدولة، سيفتح الآفاق أمامنا لنفكر في أنفسنا كمواطنين موريتانيين».
صوت الشرائحية
«ولكن الأمور، يضيف ولد بلال، سارت وتسيرُ على عكس ما كنا نتوقع لها…لم يظهر ذلك المواطن الموريتاني المتجاوز لذاته الخاصة الذي ينسى فئته وشريحته وعشيرته…ويحتضن الوطن بأسره، بل بدأ صوت الفئوية والشرائحية وضجيج الخصوصيات يتصاعد من كل جهة و مكان».
ثم طرح الوزير تساؤلات قائلا»..لماذا نعلن غير ما نخفي ، ونخفي غير ما نعلن ؟ وما الضير في أن نقول بصراحة إن الحراطين والصنّاع فئات عربية كبيرة عاشت معظم حياتها مهمشة ومعزولة عن المجرى الرئيسي للثقافة العامة والتنمية ؟ وما الضيرُ في أنْ نقول بصراحة إنّ الزنوج أقليّة قومية موريتانية لها هويتها وشخصيتها الثقافية المميّزة، ولها الحق في الاختلاف والتعبير عن وجودها الذّاتي بالطرق السلمية وفي إطار وطن جامع يتسع للجميع؟».
الحوار لا صب الزيت
ونبه لمحاذير يتعيّن الانتباه إليها، حسب رأيه، بينها «إدراك الفرق الكبير بين المطالبة بحقوق مشروعة للأقليات أو الفئات المظلومة وبين تفكيك المجتمع وزرع الفتنة والانشقاق.. هنا يكمن دور النخبة الواعية التي يمكنها عبر الحوار والنقاش تطويق الحركات المطلبية وتهذيبها ودرء مخاطرها و شرورها عن الوحدة الوطنية…بالتي هي أحسن ،،، بعيدا عن التحريض، والغوغاء، وصبّ الزيت».
وأكد الكاتب الصحفي الكبير حنفي دهاه في مقالة افتتاحية لصحيفة «تقدمي»، «أن إقامة الدنيا وعدم إقعادها لمجرد أن سياسيين حضروا مؤتمرا لحركة وطنية، مهما كان الموقف من آرائها، و أن يتبرأ حزب يصف نفسه بـ”الديمقراطي” من تلبية دعوة حركة سياسية، لا ينتجع معها ذات النُّجعة الفكرية.. هو ضيق أفق، وقصر نظر».
وأضاف «..لا شك أن دعوة افلام للانفصال موقف بالغ الخطورة، ليس على الوحدويين غير رفضه ومواجهته، و لكن مساعينا للوحدة الوطنية، والتعايش العرقي، في بلد تتعدد فيه الأعراق والشرائح، لا يتطلب منا عمىً ولا صمما عن مطالب المُخالفين.. خصوصا إذا كانوا إخوانا في الوطن، تجرعوا منا على مر الأيام عنصرية و غمط حقوق».
العنصرية موقف سياسي وتابع حنفي دهاه «..العنصرية.. حتى العنصرية موقف سياسي، يتطلب النقاش والحوار، وليس التعامل بعنف فكري ولا بثقافة تسلط، ثم، إنه من الإنصاف حين نستنكر عنصرية الآخرين، أن لا نغفل عنصريتنا “القاتلة”.
الإقصاء يفضي لليأس
«إنه حين نصم آذاننا عن الآراء والمواقف والمطالب المخالفة، يضيف الكاتب، ونعامل أصحابها بمزيد من الإقصاء و“الشيطنة”، سندفعهم لأن يسلكوا طريق اليائسين، الذي لا يفضي لغير الدم والدمار، فمن لم يستنكر الحوار مع إرهابيين سفحوا الدماء، وأزهقوا الأرواح، لا ينبغي أن يُكبر على سياسي حضور اجتماع لحركة سياسية، مهما تطرفت مواقفها».
وخلص حنفي دهاه للقول «الحكمة في أن نتصارح لنتصالح.. وأن نتكلم لغة العدالة ولا نصيخ لثرثرة العواطف..فبهذا تأمن بلادنا هُوجَ العواصف..!».
التحاور لا النبذ
وفي التوجه الداعي للحوار مع الزنوج كتب المدون الكبير أبو العباس ابرهام مؤكدا أنه «إذا كانت حركة «أفلام» حركة ضالة، وهذا ما يحتاج للدليل ( …)، فإن أسلم سياسة هي التحاور معها لا نبذها»
وأضاف « هذه الحركة قدمت تنازلات كبيرة في حواراتها مع السياسيين الموريتانيين في الخارج٠ وقد نجح الحوار الداخلي في 2005 في إدخال حركة التجديد في السياسة التقليدية، تجب مواصلة الحوار..الحوار وليس عرض المشاركة في الحكومة أو التحالفات الانتخابية.. يجب الحوار وخصوصا تحت أضواء الإعلام».
الخطر قادم
وفي مقال مطول عن الموضوع دق المدون البارز محمد الامين ولد الفاظل ناقوس الخطر ودعا الموريتانيين للإنتباه قائلا «يا أيها الموريتانيون عليكم أن تعلموا بأنه لم يعد لدولتكم أي هيبة، فأن يعقد مؤتمر يدعو إلى حكم ذاتي لمدن الضفة، وكأن الذين دعوا لذلك الحكم الذاتي هم وصايا على مدن الضفة، والتي هي بالمناسبة ليست خاصة بمكونة واحدة من مكوناتنا الافريقية الثلاث، ولا حتى خاصة بمكوناتنا الإفريقية لوحدها، ففي هذه المدن يوجد موريتانيون من أصول عربية، فأن يعقد ذلك المؤتمر في قلب العاصمة، وبعد أيام معدودات من خطاب المأمورية الثانية التي وعدت بحماية الوحدة الوطنية، فذلك يعني بأن هيبة الدولة قد زالت».
الفرنسية فوق
وأضاف «يكفي أن نتأمل في شكل لافتة المؤتمر التي رفعت فيها أعلام لا صلة لها بالعلم الموريتاني، والتي كتبت عليها الفرنسية بأحرف كبيرة وملونة، ووضعت فوق العربية التي كتبت بأحرف صغيرة وسوداء لنعرف بأن هيبة الدستور قد تلاشت»..
وتابع المدون المعارض للطرح الزنجي «يكفي أن نقرأ عبارة «قوات التحرير»، ويكفي أن نستمع إلى رئيس هذه الحركة، وهو يحاول أن يفرض علينا وجود مكونة أخرى داخل المكونة العربية وهي البربر، وذلك لنعرف بأننا لسنا أمام حركة سياسية ولا حقوقية، وإنما نحن أمام شيء آخر غير ذلك، وقد كان من المعيب حقا أن يحضر بعض قادة الأحزاب لهذا المؤتمر».