اختفى ما إن رأى الضوء يطــرق زجاج نوافذ القاعة التي تحمل جِرمه الصغـــــير، كان اليعسوب يجول بين زواياها محدثا جلبة تؤدي به إلى خطر محدق… حاول النفاذ من الزجاج لكن بدون فائدة ؛ الرجل الطويل الشعر مازال مختبئا تحت الطاولة، صوت الحذاء يقترب ويبتعد في الوقت نفسه، الأبواب تفتح وتغلق يجمعها توقيت ولا فاصل بين هذا وذاك..
نحنحة لم يستطع تمييزها ألرجل أم لامرأة؟ لكنه تأكد أنها لامرأة خمسينية، الصوت يقترب.. اليعسوب يلتصق بالفانوس الذي يرسل النور، يضع رأسه تحت الطاولة يكتم أنفاسه يكبح شهوته المتمردة، فكّر في الحرب، الجندي الذي لفظ أنفاسه، كان يراها على السرير ذكر اسمها قبل أن يموت، الوصية في الخزانة.. تحمل ابنه الذي تركه وفر قافزا من سور المدينة، أقسم الراهب على قطع رأسه إنه يلوث الفضيلة.. انفتح الباب مصدرا صوتا مزعجا.. توقفت الحركة.. جمدت.. سكن كل شيء كان اليعسوب المرافق يختبئ بدوره من ذلك الظل.. انكسر ظلها على الحائط فتاة طويلة منحنية القامة شعرها طويل طويل ساقها ناعمة بيضاء طويلة، اقتربت بهدوء أخذت الصورة الموضوعة على الطاولة ببطء.. قبّلتها.. أصدرت صوتَ عبرة مخنوقة.. بكت بكت.. اتكأت على الكرسي المحاذي للطاولة.. تحدثت للصورة بكلمات لم يفهمها.. اليعسوب تحرك، أفرد جناحيه الشفافين، حركهما بشكل هستيري كأنه في سفاد.. صوته هذه المرة كمحرك سيارة.. انتبه الظل، صرخت وقعت الصورة. .خرج اليعسوب من الباب.. قفز الرجل من النافذة..التقت عيناهما.. تحطم الزجاج تبعثر الدم.. أشارت بكلتا يديها: أمي الحشرة المخيفة التي قرصتني في سريري، الرجل الذي طار من النافذة ترك حذاءه الذي علق في الشباك المنزوي حينما هم بالقفز مع قطرات الدماء، في اليوم التالي كان البوليس يعاينون الأثر، أحدهم مسح القطرات بمنديل معقم للمختبر.. أخذوا الحذاء في لفافة. الفتاة الحائرة مازالت ترقب اليعسوب الذي التصق في شجرة التوت؛ قالت المرأة من هذا الرجل؟ وماذا يفعل هنا؟
لم تجد إجـــــــابة حقيقية، التحفت الصــــــمت؛ قالت اليعسوب كان يصدر صوتا مزعجا. لا أعرف من أين خرج الرجل ذو الشعر الطويل! مرت الأيام متثاقلة نام الجميع لم تنم الفتاة الحائرة.. جاء الصباح ليزف لهم خبر أبوَة الرجل لابنهم المقعد! أرادت أن تبتسم .. أن تقول كل شيء جاء ليراهم، جاء باحثا عن ابنه! لكن الراهب هذه المرة أصدر الحكم بقتل المرأة.
٭ قاصة ليبية
الكاتبة المبدعة سعاد الورفليّ : دائمًا قصصك رائعة لمرّتين.الأولى : لأنها سليمة اللغة واللفظ. والثانية : لأنها تعطي القاريء أفقًا مع عمق.وقصّة اليعسوب بمثابة زمرة نحل انطلقت من خليتها مرّة واحدة في هجوم على ( دبّ ) وهي تحقنه بسمّ لسعاتها ؛ لكنه كان سمًّا لذيذًا بطعم الشهد…
شكرا لك د.جمال البدري
خالص مودتي وتحياتي
كلمات رائعه جدا . تحياتى لكل اهل ورفلة بنى وليد وليبيا جميعا