تونس: دفعت الأزمة الصحية التي يمر بها الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي (92 عاما)، بمسألة بالغة الأهمية نحو الواجهة، وفق محللين، وهي شغور منصب الرئيس، خصوصا في ظل غياب المحكمة الدستورية المخولة، قانونا، بحسم هذا الأمر.
والخميس، أعلنت الرئاسة تعرض السبسي، لوعكة صحية حادة استوجبت نقله إلى المستشفى العسكري بالعاصمة، لتشتعل في الأثناء شائعات حول وفاته، انطلقت بتقرير لقناة عربية، سرعان ما تداولته بإسهاب، وسائل إعلام ومواقع التواصل.
لم يحسم موجة الشائعات سوى تأكيد الرئاسة على أن صحة الرئيس “مستقرة”، وأنه يتلقى العلاج، قبل أن تعلن، في وقت سابق الجمعة، تحسّن صحته.
وكانت المتحدثة باسم الرئاسة سعيدة قراش، رأت في الشائعات “استهدافا للأمن القومي” للبلاد.
تطورات متسارعة لموضوع يطرح نفسه بقوة في ظل السيناريوهات التي تطرحها الأحداث الراهنة أو المتوقعة، وهذا ما يحيل مباشرة إلى الجانب التقني للمسألة، وتحديدا إلى ما ينص عليه الدستور في جميع الحالات المفترضة.
يقول الحبيب خذر، أستاذ القانون الدستوري، “إذا استثنينا الوضع العادي للرئيس، هناك 3 وضعيات استثنائية.
وأوضح خذر، القيادي في حركة النهضة، أن “الوضعية الأولى تتمثل في حالة عدم القدرة على أداء المهام، مع المحافظة على القدرة على اتخاذ القرار، وهي الحالة التي يتم اللجوء فيها للتفويض بقرار ذاتي إرادي للرئيس، يفوض من خلاله صلاحيات ومهام لرئيس الحكومة”.
وفي هذه الحالة، يتابع “لا نحتاج إلى تدخل جهة أخرى أو مصادقتها (المحكمة الدستورية)، ويقتصر الأمر على إعلام رئيس مجلس نواب الشعب (البرلمان)، وفق ما تنص عليه المادة 83 من الدستور”.
أما الوضعية الثانية، وفق خذر، فتتعلق بعدم قدرة الرئيس على التفويض وعلى القيام بالمهام، مع إمكانية استعادة دور للقيام بمهامه بعد مدة، وهذه الحالة تسمى “شغور مؤقت”.
وفي هذه الحالة، فإن الرئيس لا يستطع المباشرة ولا التفويض، ولكنه يبقى رئيسا للبلاد، وهنا تتدخل المحكمة الدستورية لتعاين الوضعية، وتقر الشغور الوقتي (المؤقت)، وعندها يتولى رئيس الحكومة مباشرة مهام رئيس الجمهورية، وفق المادة 84 من الدستور، بحسب خذر.
وتنص المادة المذكورة أنه “عند الشغور الوقتي لمنصب رئيس الجمهورية، لأسباب تحول دون تفويضه سلطاته، تجتمع المحكمة الدستورية فورا، وتقرّ الشغور الوقتي، فيحل رئيس الحكومة محل رئيس الجمهورية، ولا يمكن أن تتجاوز مدة الشغور الوقتي 60 يوما”.
ويوضح خذر “في هذه الحالة، لا يؤدي رئيس الحكومة اليمين الدستورية، لأن الأمور قد تعود بأي لحظة إلى طبيعتها”.
أما في حالة الشغور الدائم، بحسب خذر، أي حالة الإنهاء المبكر للولاية الرئاسية، وعدم قدرة الرئيس على استئناف مهامه، فإن الإقرار بهذا الأمر يحدث في 3 حالات؛ وهي إما الاستقالة، أو امتداد الشغور المؤقت إلى ما بعد 60 يوما، أو حالة الوفاة.
وهنا، يتابع خذر، تعلن المحكمة الدستورية حالة الشغور النهائي، ويتولى- تبعا لذلك- رئيس البرلمان مهام رئيس الجمهورية، وتدخل البلاد في مسار التحضير لانتخابات رئاسية سابقة لأوانها، ويؤدي الرئيس المنتخب اليمين في مدة لا تتجاوز 90 يوما من إقرار حالة الشغور النهائي.
في مارس/ آذار 2019، أخفق البرلمان، للمرة الخامسة، في انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية، وذلك بسبب غياب التوافق بين الكتل النيابية حول المرشّحين.
غياب يخشى مراقبون أن يعرقل إجراءات الانتقال في منصب الرئاسة في مثل الوضعيات المذكورة.
وحسب الدستور، فإن المحكمة الدستورية هي الوحيدة المخوّلة باتخاذ الإجراءات اللازمة في حالة شغور منصب رئاسة الجمهورية.
ولكن إلى اليوم لم يتم انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية، التي تتضمّن 12 عضوا، ينتخب منهم مجلس النواب 4 أعضاء، فيما يعيّن كل من المجلس الأعلى للقضاء، ورئيس الجمهورية، 4 أعضاء لكل منهما.
ويرى خذر، أنه في ظل غياب المحكمة الدستورية، فـ”من الأسلم أن يتولى مجلس نواب الشعب، صلاحية إقرار الشغور الوقتي أو النهائي”.
ويضيف، يجري ذلك بعد معاينة طبية من الطب الشرعي أو طب الاختصاص، ويحال الملف إلى هيكل ندوة الرؤساء في مجلس نواب الشعب (هيئة تجمع رؤساء الكتل ورؤساء اللجان البرلمانية ومكتب المجلس).
وبالنسبة للخبير الدستوري، فإن “ندوة الرؤساء تلك تقدم توصيتها لمكتب المجلس، الذي يصوت عليها، وبناء على ذلك، يتم المرور إلى إجراء حسم الأمر إن كان يتعلق بشغور وقتي أو شغور دائم”.
ولا يرى خذر، أي دور لـ”الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين” (هيئة مؤقتة تشكلت بانتظار تشكيل المحكمة الدستورية)، للنظر في دستورية القوانين وحسم الأمر حين يتعلق بإقرار شغور منصب الرئيس من عدمه.
ولفت إلى أن “هذه الهيئة تم التنصيص عليها في الدستور بمهمة محددة دون سواها، وهي مراقبة دستورية مشاريع القوانين وإرادة الدستور، ولم توكل لها مهام المحكمة الدستورية”.
ويترأس البرلمان حاليا، محمد الناصر (85 عاما) من حزب “نداء تونس” (ليبرالي)، فيما يشغل يوسف الشاهد (43 عاما)، من حزب “تحيا تونس” حاليا (ليبرالي)، و”نداء تونس” سابقا، منصب رئاسة الحكومة.
(الأناضول)