أيها العربي هل أنت عنصري سريّ؟

حجم الخط
82

شابة سورية من حلب، تابعت دراستها العليا في جامعة كبيرة في الولايات المتحدة وكانت أطروحتها عني، وهذا سبب مراسلاتنا التي لم تتوقف حتى بعد تخرجها وحصولها على الدكتوراه وعلى مقعد أستاذة جامعية.
أحبت زميلها الأستاذ الجامعي وتزوجا، وكنت سعيدة بنجاحها في الحياة الأكاديمية، وسررت حقاً حين أخبرتني أنها ستعود إلى الوطن سوريا لتعمل وزوجها أستاذين في الجامعات هناك. وكان ذلك قبل عشرة أعوام.

نفروا منه لأنه أسود البشرة!

بعد أشهر من عودتها إلى سوريا كتبت لي لتقول إنها وزوجها سيعودان للتدريس في إحدى جامعات U.S.A.، استغربت ذلك وسألتها في مخابرة هاتفية: ألم تجدا عملاً في سوريا على الرغم من مؤهلاتكما العلمية العالية؟
قالت: وجدنا عملاً، لكن أسرتي نفرت من زوجي لأنه أسود البشرة أفريقي الملامح، ورفضه بعض أساتذة الجامعات! أعترف أنني دهشت. ولم أكن أدري أن بعضنا في عالمنا العربي من «العنصريين» السريين! وأسفت حقاً لذلك.
وكتبت لي بعدها من جامعتها السابقة الأمريكية وقد عادا إلى عملهما، وقالت حزينة لأنها اضطرت لمفارقة وطنها لسواد بشرة زوجها!

قسم خاص بالسود في (الباص)

روى لي زوجي أنه وزميله العراقي في جامعة أمريكية في «ويسكانسن» ـ منذ أكثر من نصف قرن ـ ذهبا مرة لركوب (الباص) ومُنعا من الركوب معاً. تصادف أن زوجي أبيض البشرة وحولوه إلى القسم الخاص بالبيض، أما صديقه العراقي الحميم س.ح. داكن السمرة، فقد اعتبروه زنجياً وفرضوا عليه الجلوس في مقصورة في (الباص) تخص سود البشرة… وهذا الرجل الذي منعوه من الجلوس مع البيض صار فيما بعد ذلك بأعوام (بعد تخرجه وعودته إلى وطنه العربي) شخصية سياسية مهمة في وطنه ويتم استقباله في U.S.A. (كلما زارها لمحادثات) على البساط الأحمر من مدخل الطائرة إلى صالة المطار!! وصارت العنصرية تبدو اليوم ممارسة هزلية لكنها ما زالت تقع أحياناً هنا وهناك!

اتهموها بالسرقة لأنها سوداء البشرة!

قبل الرئيس ترامب، حظيت أمريكا برئيس من أصول زنجية ومسلمة هو «أوباما»، وهو داكن السمرة كما زوجته الجميلة زنجية الملامح. ولكن العنصرية هناك وفي أماكن كثيرة من عالمنا ما تزال متغلغلة في النفوس. وقد تناقلت وكالات الأنباء مؤخراً حكاية المغنية السوداء المشهورة سيزا، التي كانت في أحد حوانيت شركة «سيفورا» لمستحضرات التجميل تتسوق عندما فوجئت بأحد الحراس يعترضها للتأكد من أنها لم تحاول السرقة! وكل ذلك بسبب لون بشرتها. وكان لا بد من ردة فعل (استعراضية) للشركة حيث (طردت الحارس) لكي لا يقاطعها سود البشرة والذين يدعمونهم من أمثالي (بالقرب من بيتي في باريس حانوت كبير لمستحضرات «سيفورا» قررت وجاراتي مقاطعته مثلاً) ولكن تلك الحادثة تشي بأن الكثير من الناس ما زالوا يجدون أسود البشرة غير أهل للثقة انطلاقاً من زمن كانت فيه الولايات المتحدة تحضر بعض الأفريقيين للعمل كعبيد.
لكن الدين الإسلامي قام بالمساواة بين البشر وأعلن أن أكرمنا عند الله أتقانا، منذ قرون بعيدة. فلماذا واجهت تلك الأستاذة الجامعية من أسرتها في حلب نفوراً من زوجها؟

«أميناتا» والتعويض عن سواد بشرتها!

ذكرني بكل ما تقدم فيلم شاهدته البارحة على شاشة التلفزيون، تمثيل ميمي ماتي «الملاك الحارس»، وذلك على القناة 20 الفرنسية. في الفيلم يقع شاب فرنسي بالغ الوسامة والشقرة وزرقة العينين بسوداء البشرة (أميناتا) من السنغال، ويقرر الزواج منها ويصطحبها إلى قريته الفرنسية. وهناك تلقى العداوة من الجميع، وبالذات من أمه التي تكيد لها ويحاول أحد أبناء القرية اغتصابها، أي أن الجميع يحاول أن يحملها على العودة إلى السنغال. ولكن أميناتا تواجه كل شيء بالطيبة النموذجية الخارقة المخالفة للطبائع البشرة، كأن عليها التعويض عن سواد بشرتها بالتخلي عن ردود الفعل البشرية الإنسانية الطبيعية، وعليها أن تكون ملاكاً ليتقبلها مجتمع البيض، (الشرير) بحقها، لمجرد اختلاف لون بشرتها.. بل إننا في أحد مشاهد الفيلم نراها تمسك بأفعى لإنقاذ طفل منه رغم خوفها! كأن أسود البشرة عليه أن يمسك بالأفاعي وينقذ حياة الأبيض ليتمكن من قبوله.

استفزني تجريدها من إنسانيتها

بذريعة امتداح إنسانية «أميناتا»، شعرت بأن الفيلم يجردها من ردود الفعل الإنسانية التي هي حكر على (البيض) ولا يسمح «لأميناتا» بالغضب مهما تمت الإساءة إليها!
وفوق ذلك، نجد في مشهد زواجها من الحبيب الفرنسي، والذي يقطعه حضور رجل أسود البشرة من بلدها (أحضرته أم العاشق الفرنسي لإفساد الزواج)، نجد في قوله إن أسرته دفعت مالاً هو ثمن زواجه بها ـ إساءة لها ولشعبها وتقاليدهم حين تزعم أحداث الفيلم أن المرأة سوداء البشرة تبيعها أسرتها وتتقاضى ثمنها مقابل (الزواج!!) ـ تلميح إلى الدين الإسلامي؟؟

خاتمة تلفيقية لا تمس جوهر القضية

يتم اختتام الفيلم بزواج أميناتا من حبيبــــها الفـــرنسي، وتحضر أسرتها من السنغال للاحتفال و(حماتها) المقبلة تعتذر منها.
وذكرني ذلك الفيـــــلم بالأستاذة الجامعــــية الســـورية الحلبية، حيث الخاتمة لعلاقتها مع أسرتها واقعية: اضطرت لمغادرة الوطـــن مع زوجها أسود البشرة أفريقي الملامح للعودة إلى التدريس في جامعة أمريكية بدلاً من أن يكسب وطننا سوريا المزيد من الأساتذة اللامعين.
ولعل على كل منا أن يتساءل: هل يرضى ضمناً بزواج أخته أو ابنته من أسود البشرة أفريقي الملامح أم لا؟
وهل نحن أيضاً كعرب لا نخلو من العنصرية؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عبد المجيد - المغرب:

    تعجبني روح الدعابة والفكاهة عند أخوي المغربي وابن الوليد وقدرتهما العجيبة على تحويل المأساة والمصيبة إلى ملهاة. وأنا أشكرهما على روحيهما المرحتين.

  2. يقول ابن الوليد. المانيا.:

    بارك الله فيك أخي … الله حي .. حي .. حي ..

  3. يقول awadh:

    كأن أسود البشرة عليه أن يمسك بالأفاعي وينقذ حياة الأبيض ليتمكن من قبوله. و مع ذلك لن يتم قبووووله للاسف

1 5 6 7

إشترك في قائمتنا البريدية