العراق: انتهت أزمة الوزارات الشاغرة لتبدأ أزمة إدارة مناصب الدولة العليا بالوكالة

مصطفى العبيدي
حجم الخط
0

 بغداد – “القدس العربي”:لم تكد الحكومة العراقية تتنفس الصعداء لتمرير مجلس النواب مرشحيها للوزارات الشاغرة بعد خلافات امتدت أكثر من سبعة أشهر، بين الكتل السياسية المتصارعة على المناصب والامتيازات حتى تفجرت خلافات جديدة بين تلك الكتل حول أزمة إدارة مناصب الدولة العليا بالوكالات وأمور أخرى، فيما كشف الصدر بعض خفايا صراع الساسة حول السلطة.

فبعد مخاض عسير وصراع شرس بين الكتل السياسية صادق البرلمان العراقي، على تعيين نجاح الشمري وزيراً للدفاع، وياسين الياسري وزيراً للداخلية، وفاروق شواني وزيراً للعدل، فيما رفض منح ثقته لسفانة الحمداني وزيرة للتربية لخلاف بعض القوى مع جهة الترشيح. ورغم ان مجلس النواب حل واحدة من المشاكل العويصة في حكومة عادل عبد المهدي، وهي مشكلة الوزارات المهمة الشاغرة، إلا ان مشاكل أعقد منها بانتظار الحكومة أبرزها ملف أدارة المناصب العليا بالوكالة، الذي تتنافس عليه الأحزاب إضافة إلى تحديات أخرى.

وأكد العديد من السياسيين والباحثين ان تعجيل الكتل السياسية في تمرير الوزراء الثلاثة جاء نتيجة الضغوط والانتقادات التي شكلتها رسالة مرجعية النجف إلى الأحزاب والحكومة قبل أيام، والتي وجهت فيها انتقادات لهم لفشلهم في إدارة الحكومة والانشغال بالصراع على الوزارات والمصالح وامتيازات السلطة علما بان توزيع الوزراء الجدد كان وفق آلية المحاصصة البغضية التي تتمسك بها أطراف العملية السياسية، في تقاسم الوزارات بين الأحزاب وليس على أساس الكفاءة والمهنية والاستحقاق.

ولم يوقف تمرير الوزراء الثلاثة في البرلمان، الخلافات والصراع المستمر بين الكتل السياسية على توزيع بقية المناصب ومواقع المسؤوليات، مع مواصلة تبادل الاتهامات والانتقادات فيما بينها. وقد أوجد إعلان بعض القوى السياسية، نيتها التوجه إلى المعارضة البرلمانية، مشكلة جديدة لحكومة عادل عبد المهدي، التي ستواجه ضغوطا في البرلمان من القوى السياسية المنافسة التي أعلنت نيتها القيام باستجواب أكثر من خمسة وزراء في البرلمان حول الاخفاقات في أداء وزاراتهم واحتمال سحب الثقة عن بعضهم، وإدخال عبد المهدي في دوامة البحث عن بدلاء لهم من جديد. فيما انعكست الخلافات والصراع السياسي من خلال وقوع العديد من الانشقاقات في تحالفات الكتل التي جمعتها الانتخابات، وفرقها توزيع الوزارات والمناصب العليا المهمة فيما بينها، وفشل بعض الأحزاب في الحصول على حصة في كعكة السلطة، وسط أمنيات شعبية غائبة بان تكون الخلافات بين الأحزاب والكتل السياسية، على برامج ومشاريع لإنقاذ الوطن من الانهيار والتدهور المتواصل.

ولعل المشكلة الأكثر تعقيدا الآن أمام عبد المهدي تتمثل في اقتراب موعد إنهاء ملف إدارة المناصب بالوكالة، الذي لا يوجد له مثيل في حكومات العالم، والمتعلق بتعيين مدراء وقادة لأكثر من 4000 من الدرجات العليا الشاغرة منذ عام 2003 (وكلاء الوزارات ورؤساء الهيئات والمؤسسات والجامعات والقيادات العسكرية وغيرها) والتي تدار بالوكالة من قبل مرشحي الأحزاب للاستفادة من امتيازاتها. وقد وضعت الحكومة نفسها في وضع قانوني وسياسي حرج عندما حددت في برنامجها الوزاري، نهاية الشهر الحالي (حزيران) لإنهاء هذا الملف المعقد، وسط تأكيد كل الكتل والأحزاب على فشل مفاوضات تقاسم تلك المناصب بينها حتى الان، وبالتالي فإن الحكومة لن يكون أمامها للخروج من هذا المأزق القانوني سوى بعض الإجراءات منها تمرير بعض الأسماء المرشحة لهذه المناصب إلى البرلمان للمصادقة عليها، مع اقتراح تعديل قانون الموازنة على البرلمان لتأجيل حسم الغالبية العظمى منها إلى موعد آخر، بسبب الصراعات السياسية عليها. وهي الحقيقة التي كشف عنها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، عندما وجه رسالة للشعب العراقي، تضمنت جوانب مما يدور خلف الكواليس السياسية والبرلمانية من مؤامرات الكتل والأحزاب السياسية، وأبرزها إصرار القوى السياسية على التقسيمات الطائفية العرقية والحزبية في تشكيلة الحكومة، وتجذير الدولة العميقة، واستمرار تردي الخدمات وعجز الحكومة عن تحسينها، منوها إلى ان القرار العراقي يأتي من خلف الحدود، وان جهود مكافحة الفساد فاشلة، والمخدرات تنتشر في البلد، داعيا إلى عدم السماح بتحكم الأحزاب برقاب ومصير الناس في المناطق المحررة وغيرها. ولم تكن رسالة الصدر الوحيدة التي أشرت إلى إخفاقات متنوعة للحكومة بل شاركه هذا الرأي معظم القوى السياسية والاجتماعية والدينية.

وليس خافيا ان التحديات والمشاكل التي تواجهها حكومة عادل عبد المهدي، متنوعة ومعقدة منها ظهور معارضة منافسة في البرلمان، وعدم حل معضلة المناصب بالوكالات، والعجز عن مواجهة تفشي الفساد، وفشل منظومة الخدمات الأساسية كالكهرباء والصحة والتعليم، والمشاكل المعقدة بين بغداد وحكومة إقليم كردستان، وانفلات الميليشيات المسلحة، مع تصاعد العمليات الإرهابية لتنظيم “الدولة” في العديد من مناطق العراق رغم عمليات الملاحقة والمطاردة المستمرة التي تنفذها الأجهزة الأمنية. كل ذلك يأتي بالتزامن مع تداعيات التوتر السائد في المنطقة جراء النزاع الأمريكي الإيراني، الذي جعل من أراضي دول المنطقة ومنها العراق، ساحات للمواجهة بالنيابة. وبذا فإن عمل حكومة بغداد سيكون في غاية التعقيد وسيبقى إخفاقها في أداء واجباتها في تقديم ما يخدم الشعب واردا بل ومتوقعا.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية