«الموتى لا يموتون» للأمريكي جيم جارموش: إنذار متشائم وساخر من نهاية سيئة للكوكب

حجم الخط
0

■ كأن، المخرج الأمريكي جيم جارموش، أراد أن يقول في فيلمه الأخير، أن لا يُخرج أحدٌ فيلماً عن الزومبي من بعدي. إذ لم يكن فيلمه فيلمَ زومبي (أي الموتى الأحياء) وحسب، بل، كان «ميتا – فيلم» عن الزومبي، كان فيلم زومبي عن أفلام الزومبي، وكان كذلك، فيلماً عن واقعنا، عن الكوكب، عن التغيرات المناخية، عن الرأسمالية والاستهلاك، كأنه أراد أن يُخرج أموات الزومبي من الفيلم إلى واقع مشاهدي الفيلم.
للفيلم بذلك بعدٌ رابع كأنه خروج عن السيناريو، كأنه تنبيه مباشر إلى ما نرتكبه بحق كوكبنا وبالتالي أنفسنا فنُخرج الموتى، بفظاعة أفعالنا كبشر من قبورهم. أتى الفيلم كتنبيه، كإنذار بأننا نعبث (استخدم الفيلم مفردات قد يصعب تمريرها في مقالة) بكوكبنا الذي انزاح محوره الوهمي قليلاً، مما أثر على الجاذبية والقمر وعلاقته بالأرض، ما أخرج الموتى من قبورهم، ما أدى إلى نهاية أبوكالبتية (قيامية) بالأرض.


الفيلم المحمل بالترميزات التي تحوم حول الكوكب، حول مآل البشرية التي تسببت به، لا يقدم اقتراحاً محبباً كنهاية، بل، كما تردد شخصية رئيسية، مهد إلى أن كل ذلك سينتهي بأسوأ الأشكال.
خروج جارموش بفيلمه عن سياقه كانت له إشارات من البداية، من لما سمع أحدهم أغنية بعنوان «الموتى لا يموتون» وقال إنها مألوفة لديه، فرد الآخر بأن ذلك طبيعي لأنها أغنية الفيلم، وكان يقصد الفيلمَ ذاته الذي يمثلان فيه، كأنهما معنا في صالة السينما، وكأن مآلهما هو مآل المشاهدين في العالم الواقعي. إشارة أخرى أكثر مباشرة وأنهت الفيلم (وأنهت الصراع مع الزومبي) كانت إشارة الآخر ذاته المتكررة بأن «كل ذلك سينتهي بأسوأ الأشكال» فسأله الأول كيف عرف فقال، إنه قرأ السيناريو كاملاً، مشيران إلى جيم جارموش الذي لم يتح للأول سوى قراءة مَشاهده، فلا يعرف ما سينتهي عليه الفيلم. فاستسلما لمصيرهما في السيناريو وخرجا لقتالٍ يعرفان أنهما سينالان حتفهما فيه، وهي نهاية العالم، كما أوحى شخص ثالث كان مراقباً لكل الأحداث، في جملة أخيرة تعليقاً على كل ما في الفيلم، أن العالم في داهية، وهذه الشخصية بالتحديد، هي التي نجت من الزومبي، وهي التي كانت، من بداية الفيلم، الرجل الذي يعيش في الغابة، بعيداً عن كل معالم الحياة الاستهلاكية، وبكل تكبيلات الرأسمالية على البشر. يأكل من الطبيعة ويعيش فيها، ولم يؤذ أحداً يوماً كما قيل.

ليس في الفيلم حكاية، وهذا طبع أفلام الزومبي، إذ يكون الفيلم كله عبارة عن بلدة آمنة يخرج فيها أموات الزومبي من قبورهم لتدخل البلدةُ حالةَ رعب وقتالٍ ضد الزوار الجدد.

السيناريو الذكي كان سلساً وكان غير تقليدي في فيلم من هذا النوع، إذ لم تكن الغاية إخافة المشاهدين بل السخرية معهم من أفلام زومبي تبدو، أو يمكن أن تقدم نفسها، كأفلام غير واقعية أو قابلة للتحقيق. هنا، كان حضور الزومبي مقبولاً لباقي الشخصيات، أو على الأقل غير مستغرَباً، فالكارثة التي قد ينتهي بها الكوكب لن تكون – إن أتت- مُستبعَدة، بل في سياقها الذي يتطور مع التغير المناخي من جهة، والوحشية الرأسمالية من جهة أخرى، وهذه الأخيرة ظاهرة بوضوح لدى الموتى، وقد قاموا من قبورهم.
يقوم الزومبي من قبورهم إلى البلدة، كل منهم ينادي بتكرار رتيب ولا يتوقف، بمنتج استهلاكي يبدو أنه «أدمنه» قبل موته، يسمون المنتجات ويتبعون بعضهم إلى متاجرها. في لقطة رمزية نجد مجموعة من الزومبي محدقين كل بالجهاز اللوحي أو التليفون الذكي الخاص به، في منظر نُشاهده كثيراً في واقعنا.
ليس في الفيلم حكاية، وهذا طبع أفلام الزومبي، إذ يكون الفيلم كله عبارة عن بلدة آمنة يخرج فيها أموات الزومبي من قبورهم لتدخل البلدةُ حالةَ رعب وقتالٍ ضد الزوار الجدد. هذا ما نجده في الفيلم، إنما ملأ سياقُ الترميزات الراهنة والسخرية في الفيلم، ما يمكن أن تكون مساحات فارغة في حواراته، أو تكرارها. بأداء واقعي لممثلي شخصيات لم تستغرب ظهور الزومبي في عالمها/عالمنا.
فيلم الافتتاح في مهرجان كان السينمائي (The Dead Don’t Die)، غير البعيد عن السوداوية الهادئة في باقي أفلام مُخرجه، كان صرخة خرج بها جارموش عن السياق في فيلمه لينبهنا بها، هي أقرب لتكون صرخة استغاثة سمعناها مراراً في الفيلم، صرخة من يعلم أن الأمور ستنتهي بأسوأ الأشكال وأكثرها فداحةً. هذه النظرة التشاؤمية كانت دائماً نظرة أحد الشرطيين (إحدى الشخصيتين الرئيسيتين)، وانتهى الفيلم أخيراً كما ردد مراراً، لأنه قرأ السيناريو كله، وهذه إشارة إلى استقراء جيم جارموش لسيناريو هذا العالم ومآله، مع كل السياسات المرتبطة بشكل واضح بالولايات المتحدة ورئيسها، السبب الأقوى لخروج زومبي هنا أو هناك!

٭ كاتب فلسطيني ـ سوريا

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية