افتتاح محتمل لمقال صحافي غير سياسي تماماً، يشمل سؤالاً للأحزاب العربية وحزب اليسار العربي – اليهودي: كيف تبددون الطاقة على الكراسي في وقت يستقبل فيه الجمهور اليهودي بهدوء نفسي نداءات اليهود الصهاينة لطرد جمهور شعبكم؟
بداية محتملة أخرى للمقال تذكر أن غير السياسي هو سياسي؛ سائق السيارة العمومية قال إنه لا يحتاج إلى “ويز” في عدد من الشوارع للعثور على البيت: “قولي لي فقط اسم العائلة”. ومثلما في كل قرية فلسطينية، هذا شارع الفيلات في المدينة التي كانت إلى ما قبل أسبوعين تسمى الناصرة العليا. حسب لافتات الأسماء التي تظهر بين الخضرة الغنية التي تغطي الجدران والبوابات، كثير من السكان الفلسطينيين من مواليد الناصرة العربية.
“قامت البلدية بتغيير الاسم، وبعد بضع سنوات، سيكون نصف سكان مشهد الجليل من العرب”، قال السائق وهو يضحك عندما لفظ الاسم الجديد. “اليهود يحصلون على أموال لا بأس بها مقابل البيوت التي يبيعونها، وبعد ذلك ينتقلون إلى العفولة أو إلى المركز”. نبوءته غير مبالغ فيها؛ فتقريباً نصف السكان المسجلين في المدينة المهوّدة للجليل هم فلسطينيون. وهناك من يقولون إن هناك الثلث حتى. وهناك من يفضلون إبقاء الناصرة عنواناً لسكنهم في سجل السكان من أجل المشاركة في الانتخابات البلدية فيها. جميعهم يدفعون الأرنونا للبلدية التي تهتم أساساً باليهود فيها، لكنهم يديرون حياتهم في الناصرة السفلى، في المدينة الأصلية المكتظة جداً، يتعلمون ويعملون ويديرون مصالحهم التجارية ويقيمون حياتهم الاجتماعية ويشترون ويُصلون.
مركز مدينة الناصرة يضج بالحياة، ويسمى ميدان النبع (المكان الذي ظهر فيه، حسب التراث المسيحي الأرثوذكسي، الملاك جبريل وبشر مريم العذراء بأنها تحمل في رحمها ابن الله). حتى للشباب والأقل عمراً من بين سكان المدينة الذين يجلسون لساعات حول طاولات المطاعم المتلاصقة ويتبادلون الأحاديث، يعتبر بيتهم. في نهاية الأسبوع سمعت عن الأزمة الأخيرة حول تشكيل القائمة المشتركة وأن قائمة “بلد” لن تنضم إليها.
استمعت لمن يدعون إلى مقاطعة الانتخابات، سواء كطريقة لمعاقبة الأحزاب المتحجرة، أو بسبب الاغتراب عن الدولة التي تتنكر للسكان الأصليين وتاريخهم في بلادهم. عندما تخترق أصوات اليمين المسيحاني – الاستيطاني أكثر فأكثر التيار العام الإسرائيلي وتدعو إلى استكمال طردهم من البلاد، أليس من الترف التخلي عن أحد مجالات النشاطات الحالية أو خسارة الأصوات بسبب شجار حول المكان في القائمة، سألت. إن غيابكم عن الكنيست سيسعد السموتريتشيين، أما الغانتسيين فلن يذرفوا الدموع عليكم. وبالعكس، سألت: هل تساعد عملية مقاطعتكم بطريقة ما على زيادة الوعي والنشاط (ليس فقط في فيسبوك وفي الكوابيس) ضد مخططي الطرد وخطر التهجير؟
ثمة افتتاحية أخرى مرتبطة بعنوان المقال: الصدفة الجيدة التي جلبتنا إلى الناصرة لأيام عدة هي عروض فرقة الأطفال “أمواج” (من الخليل وبيت لحم) مع عازفين شباب من الفرقة الموسيقية “زرياب” من المدينة. اكتشف الأطفال أنه يمكن السفر 2 كم من مركز المدينة بدون الاصطدام مع حاجز من الأسلاك الشائكة أو جدار إسمنتي أو جندي يصوب بندقيته ويصدر أوامره بلغة غير مفهومة. لقد اكتشفت ازدهارًا معينًا في المدينة القديمة الجميلة والحزينة، بعد أن امتد ترميم العام 2000، بعد أن تعطلت وأوقفوها لسنوات وأخلوا سوقها وأبعدوا الكثير من سكانها.
هناك هم على قناعة بأن ذلك كان متعمداً في محاولة لفرض عملية تحسين يهودية مثلما يحدث في عكا. السوق القديمة، في متاهة المباني العثمانية، لم تعد إلى ما كانت عليه بعد. ولكن محلات بيع الكتب التي هي مقاه، وبيوت ضيافة في المباني القديمة عالية الأسقف والأقواس، فتحت هنا وتجذب الزوار. من حسن الحظ أن تحدث الله هنا وأعطيت البشارة لمريم التي تحولت إلى جسد المسيح والسياح يأتون إلى هنا.
هذه هي المدينة العربية الوحيدة في حدود 1948 التي لم تنجح إسرائيل في تدميرها وإخلاء سكانها الأصليين: حقيقة تاريخية معروفة. مثل الشوكة الفاخرة بقيت الناصرة عالقة في مؤامرة التهويد والطرد وتزوير التاريخ. التواصل العائلي، الحضري والثقافي يمكن لمسه جيداً.
الإعارات مقامره أدبية، لذلك، انسوا الشوكة ولنعد إلى السائق. لقد تهرب من ازدحامات المرور التي تحدث بعد صلاة الجمعة، من خلال مناورته بين الأزقة الضيقة التي لا توجد فيها أرصفة أو خضرة، وتكتظ البيوت فيها ويلتصق بعضها في بعض. أنزل ثلاثة ركاب أولاً الذين جلسوا في المقعد الخلفي. وقال أحد الركاب وكان يحمل كيساً أسود: “كي لا يرى الشيوخ أنني قد اشتريت البيرة”. قال السائق إن سعر دونم الأرض يبلغ مليون دولار. قبل 1948، كانت مساحة الناصرة 25 ألف دونم، والآن مساحتها فقط 14 ألف دونم. لن تخمنوا أين ذهب الباقي، سأكشف لكم: صادرتها إسرائيل لصالح المدينة لليهود. الشقة السابقة في الناصرة العليا التي استأجرها أحد أصدقائي بنيت على أرض جده.
بقلم: عميرة هاس
هآرتس 7/7/2019