ما هو مصيرك أو ماذا يحدث لك حين تقدم على جريمةٍ وحشية تُضاف إلى سجلٍ من الجرائم المسجلة والموثقة؟
الطبيعي، لو كنت بمفردك مواطناً بسيطاً لا تمثل غير نفسك فسينتهي بك المطاف إلى حبل المشنقة، ما ثبُتت عليك الجريمة، ولما كنت أتحدث عن بلداننا التي لا يحظى فيها المواطنون على الأغلب الأعم بما دون حقوق الحيوان، ولا وجود تقريباً للبحث الجنائي، فإنهم لن يوفروا أي إهانةٍ وسيوسعونك ضرباً، وربما تعترف حينذاك بما لم تقم به لأن الموت صار أرحم وأهون في نظرك.
قد يبدو هذا بديهياً للغاية، لكن الصورة ما تلبث أن تختلف حين يتعلق الأمر بقاتلٍ يعمل لحساب النظام، يمارس التطهير العرقي، ويتغير إذا كان قائد ميليشيا غير نظامية برتبةٍ عسكرية من دون دراسةٍ في أيٍ من كلياتها، ويتطور إذا كان عامود الثورة المضادة، ويتحور تماماً إذا كانت قواته تحارب إلى جوار أو بدلاً عن القوات السعودية والإماراتية في عدوانها على اليمن، في حربٍ قيل لنا منذ سنواتٍ عدة بأنها خاطفة، ومن ثم فالدولتان تدعمانه بقوة وبمليارات الدولارات، ويا سلام لو كان تاجر مواشي أو جمال بالتحديد، ففي هذه الحالة يكرّم القاتل ويصبح ثقل الميزان في المعادلة ويجلس للتفاوض برعايةٍ دولية مع ممثلين عن ضحاياه.
هذا باختصارٍ مجزٍ ما يحدث في السودان. أتابعه بحزنٍ وجزع، كما أتابع الحجج والدعاوى والتبريرات نفسها، إذ بحجة الواقع المعقد والحاجة الشعبية الملحة للانفراج وحقن الدماء والتعقل عن جموح المعادلات الصفرية، اجتمع برعايةٍ غربية وتحت مظلةٍ إفريقية المجلس العسكري، وبعض قادة الحراك واتفقوا على حكومةٍ يحتفظ فيها العسكر بحقيبتي الدفاع والداخلية، ويتولى رجلٌ عسكري السلطة لمدة واحدٍ وعشرين شهراً بمقتضى الاتفاق، ثم يسلمها لمدني ثمانية عشر شهراً ثم تُجرى انتخابات؛ من نافل الذكر أن أطراف الضغط وعرابي الاتفاق يهنئون أنفسهم على هذه الانفراجة، وللأمانة فالحق معهم، فهم بذا يكتبون تأبين الثورة.
مشاركة السلطة.. الموضوعية.. الظرف المعقد
لا أعرف كم من الثورات سيُجهض وكم من الدماء سننزف وكم من الشهداء سيسقطون وكم من الناشطين ستغيبهم أقبية السجون، قبل أن نتعلم دروس الثورات السابقة؟ تُنسب للإمام علي مقولة «القرآن حمال أوجه» وكذلك معظم الكلام، يختلف معناه من فمٍ ولفم ومن نبرة صوتٍ لنبرة، من قلبٍ لقلب، ومن جملة الكلمات والتعبيرات حمالة الأوجه التي تبتذل أكثر من غيرها هي تقييم الواقع بموضوعية. لا شك في أنه يتعين على كل مهتمٍ بالشأن العام معرفة واقعه بدقة وحميمية، مكونات الطبخة على قاله ماو، إلا أن ما يخرج به كلٌ من استنتاجاتٍ وأفكارٍ يتماهى وانحيازه ومشروعه الاجتماعي، فهناك من يعي الواقع بموضوعية، من دون أوهام، مدركاً مكامن القوة ونقاط الضعف، ليغير الواقع ثورياً، وهناك من يصل إلى المعرف نفسه بغرض تثبيته وإحباط محاولات التغيير وإعادة إنتاجه. أجل الواقع معقد، بل شديد التعقيد، ولكنني أسأل، متى اندلعت ثورةٌ في بلدٍ ظروفه وواقعه بسيطان بلا أي تعقيد؟ أليست الثورة بتعريفها وطبيعتها تعبيرٌ عن انسداد أفق التغيير ومحاولات الإصلاح؟ أليست تخطياً للاستعصاء؟ لذا لا أفهم صيغة أو مقولة الابتعاد عن المعادلات الصفرية، لأنني لا أتصور أن أثور على جلاد لأجلس للاتفاق معه بينما يحتفظ هو بكل أدوات بطش السلطة، فالثورة لتحقق أغراضها يتحتم عليها أن تلغي الخصم. ثمة علمٌ للثورات ومفكرون – ثوريون وقفوا حياتهم للتحليل والتنظير، وعلى تعقيد الواقع وثرائه وصلوا إلى خلاصاتٍ ودروس: ضرورة الحزب الثوري الذي تهديه رؤيةٌ ونظريةٌ ثورية ناضجة ومكتملة ومتماسكة، درست واستلهمت الثورات والإخفاقات السابقة وضرورة، بل حتمية تصدير الثورة لأن موت أي ثورةٍ في انكفائها وتصورها ( أو توهمها في حقيقة الأمر) أنها تستطيع أن تنجح منعزلةٍ داخل أسوارها «القومية»، ولعل قوى الرجعية الإقليمية تدرك ذلك أكثر من غيرها، وإلى ذلك ترجع استماتتها في العداء والحرب على الثورة لإفشالها.
لا أتصور أن أثور على جلاد لأجلس للاتفاق معه بينما يحتفظ هو بكل أدوات بطش السلطة، فالثورة لتحقق أغراضها يتحتم عليها أن تلغي الخصم
على الرغم من وعيهم بمزالق وإخفاقات الثورة المصرية، إلا أننا مرةً أخرى نرى ثورةً شعبية تخذلها نخبتها، نرى الجماهير ومطالبها تتخطى وتسبق ويعلو سقفها على ممثليها.
محزنٌ أن ترى ثورةً تفشل وعن نفسي فقد سئمت من ذلك، لقد ثار الشعب في السودان على حكم البشير بفشله ودمويته وتمزيقه للسودان، ليستبدلوا به الطبعة الأردأ. أرى ثواراً يجلسون بدعوى حقن الدماء والصالح العام للتفاوض مع قاتلٍ محترف، أراق دماء إخوانهم، ثم يصلون لصيغةٍ تبقي سلاحه في يده، وتمنحه واحداً وعشرين شهراً، أي فائضاً من الوقت، ليقضي على الثورة ويجهض أي بوادر تغييرٍ حقيقي على أمل أن يلتزم بالاتفاق فيسلمهم سلطةً حقيقية في النهاية. مازلت لا أصدق كيف ساروا إلى هذا الكمين بغض النظر عن الضغوط، إلا أنني على يقين من أن هذا الوقت أكثر مما يحتاجه حميدتي لتسوية أوضاعه، ولعله يضحك في سره من تلك السذاجة أو الطيبة وحسن النية ولسان حاله في ما يخص تسليم السلطة كما نقول في مصر: «إبق قابلني»!
كاتب مصري
فشل الغرب والشرق بتأسيس مرحلة انتقالية سلسة للسلطة بعدة بلدان عربية بل أوصلوها لطرق مسدودة ودول فاشلة وحروب لا تنتهي وتهجير ملايين وتقسيم البلاد بين أمراء حرب وميليشيات أجنبية ونهب الثروات، وبالمقابل نجح العرب والأفارقة بتحييد الشرق والغرب بالتعامل مع السودان بل وتأسيس مرحلة انتقالية سلسة للسلطة باتجاه إجراء انتخابات حرة شفافة برعاية أممية بدون إقصاء لأية جهة بل والحفاظ على وحدة السودان ومقدراته وجيشه وأمنه تمهيداً لتحصيل دعم عربي مالي واستثماري وإداري بغطاء دولي من الشرق والغرب وبهذا عبرة لهما.
حدث في كوستاريكا في امريكا اللاتينية ان قام الجيش بالتدخل بالانتخابات فقامت انتفاضة شعبية اسفرت عن حل الجيش منذ 1949 و منع الدستور انشاء اي جيش فيها. و النتيجة ان كوستاريكا افضل من جاراتها اللاتينية بمراحل.
تصور لو تم الغاء الجيوش العربية التي لا تقاتل الا شعوبها و اشقائها…ميزانية هذه الجيوش اضعاف ميزانية التعليم و الصحة مجتمعة في كل البلاد العربية
طالما رضي الشعب وخنع لحكم العسكر القتله فلآ يلومن إلآ نفسه .