ستعقد الوكالة الدولية للطاقة الذرية في شباط / فبراير من العام المقبل 2020 مؤتمرها الدوري ، الأمر الذي يطرح أسئلة ملحة حول ضرورة إجبار إسرائيل التوقيع على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية ، حيث تسعى دولة الاحتلال بشكل دؤوب إلى تطوير القدرات العسكرية، والاستئثار بخيار نووي. وقد بررت الإدارات الأمريكية المتعاقبة امتلاك إسرائيل لكافة صنوف الأسلحة ؛ ومن بينها السلاح النووي بذريعة الهواجس العسكرية والأمنية من المحيط العربي. وتبعًا للتوجه الأمريكي والغربي، لم توقع إسرائيل على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية رغم مرور واحد وخمسين عاما على توقيعها (1968-2019).
خيار شمشون
أشار المؤرخ الإسرائيلي افنير كوهين قبل عدة سنوات إلى أن المسؤولين الإسرائيليين شعروا، عشية اندلاع حرب 67، بالذعر من شن الدول العربية المجاورة هجوما. فوضعوا خطة لتفجير قنبلة نووية في صحراء سيناء المصرية، كملاذ أخير. ونشر المؤرخ المذكور والمتخصص بالنووي الإسرائيلي تفاصيل هذه الخطة على موقع الكتروني لمركز أبحاث أمريكي أعادت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية فيما بعد . ولم يرغب متحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية التعليق على هذه المعلومات. واستند كوهين أساسا الى مقابلات أجراها عامي 1999 و2000 مع الجنرال المتقاعد يتسحاق ياكوف الذي شغل منصب رئيس قسم الأبحاث والتطوير في الجيش الإسرائيلي عام 1967. وقال ياكوف، الذي توفي في عام 2003، إن الخطة التي سميت «خيار شمشون» تضمنت إنزال مظليين في صحراء سيناء لإلهاء الجيش المصري، من أجل تفجير «قنبلة نووية» على بعد نحو 12 ميلا عن قاعدة عسكرية مصرية إستراتيجية في أبو عجيلة. وقد أولت الحركة الصهيونية وإسرائيل اهتماماً فائقاً لجهة امتلاك إسرائيل خياراً نووياً ؛ ففي أعقاب الحرب العالمية الثانية، خاطب ديفد بن غوريون (أول رئيس لحكومة إسرائيلية) بعض العلماء اليهود المهاجرين من ألمانيا إلى فلسطين قائلاً: «أريد منكم أن تهتموا منذ الآن بالأبحاث الذرية، وبإنجاز كل ما يمكن إنجازه من أجل تزويد الدولة اليهودية المنشودة بأسلحة نووية».
خطط إسرائيل
كان شمعون بيريس أحد أبرز مؤسسي العصابات الصهيونية في فلسطين، قد قال في الكنيست الإسرائيلي عام 1966: «إنني لا أرى سببًا لإقدام دولة إسرائيل على طمأنة عبد الناصر من هذا المنبر، والسماح له أن يعرف ما نفعله أو ما لا نفعله، إنني أعرف أن العرب يشكون في نوايانا النووية، وأعرف أن هذا الشيء قوة رادعة، فلماذا نخفف من هذه الشكوك». أما أفرايم كاتسير (الرئيس الإسرائيلي آنذاك)، فقد أعلن في عام 1972 أن «إسرائيل لن تكون البادئة في إدخال الأسلحة النووية إلى الشرق الأوسط، ولكنها تمتلك القدرة على صنع مثل تلك الأسلحة، بل في مقدورها أن تفعل ذلك في فترة زمنية معقولة». وتبعًا لذلك، بدأت إسرائيل منذ إنشائها استقبال العديد من العلماء اليهود من خلال الهجرات المتتالية، خاصة من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، وكان لهجرة اليهود الكثيفة من دول الاتحاد السوفييتي السابق ومن باقي دول العالم -خاصة في بداية التسعينيات- بالغ الأثر في رفع نسبة العلماء الخبراء في المجالات المختلفة، بمن فيهم علماء الفيزياء والتطبيقات الكيميائية، إذ كان هناك عدد كبير منهم، يملكون شهادات أكاديمية عالية في المجالات المذكورة، وفي مجالات أخرى مثل الطب والرياضيات. وبالنسبة لتأسيس إسرائيل لقدرات نووية، فإن الباحثين والمتخصصين فيها بدأوا في البحث عن اليورانيوم في صحراء النقب جنوب فلسطين المحتلة. ومنذ السنوات الأولى لإنشائها وبالتحديد في عام 1949، تم إنشاء معهد وايزمان للأبحاث النووية، وجرت عدة محاولات لإيجاد طرائق جديدة لإنتاج الماء الثقيل واستخلاص اليورانيوم من الفوسفات، وقد واكبت تلك المحاولات مخططاتٌ حقيقية لتطوير وبناء السلاح الكيميائي بكافة أنواعه، بما في ذلك السلاح المحرم دوليًّا.
صحراء النقب
أدت المخططات الإسرائيلية والنشاط الدؤوب لإنجاح تلك الخطط وإخراج الأفكار الصهيونية والإسرائيلية بشأن ضرورة امتلاك خيار نووي، إلى بناء إسرائيل لسبعة مفاعلات نووية، أهمها مفاعل ديمونة الذي أسسه بن غوريون عام 1957 في صحراء النقب باتفاق مع فرنسا. وبالنسبة لتأسيس إسرائيل لقدرات نووية، فإن الباحثين والمتخصصين فيها بدأوا في البحث عن اليورانيوم في صحراء النقب جنوب فلسطين المحتلة. ومنذ السنوات الأولى لإنشائها وبالتحديد في عام 1949، تم إنشاء معهد وايزمان للأبحاث النووية،وفي عام 1960 تم إنشاء مفاعل نووي إسرائيلي في أسدود جنوب فلسطين المحتلة بمساعدة أمريكية، والمفاعل المذكور قادر على إنتاج البلوتونيوم، وقد سبق ذلك بناء مصانع السلاح الكيميائي بمعونة بريطانية. وثمة مواقع مختلفة للأسلحة النووية من أهمها: موقع «بالميكيم» للتجارب شمال صحراء النقب، وهو مخصص لإجراء تجارب على الصواريخ النووية مثل صاروخ «أريحا»، أما موقع «يوديغات» فهو مخصص لتجميع الأسلحة النووية وتفكيكها. في حين يقوم الخبراء الإسرائيليون في موقع «بئر يعقوب» ببناء قواعد إنتاج صواريخ «أريحا» ذات الرؤوس النووية، أما موقع «كفار زكريا» فيعتبر قاعدة للصواريخ النووية ويحوي ملاجئ لتخزين القنابل النووية، وفي قرية عيلبون شرق منطقة الجليل الفلسطينية مواقع لتخزين الأسلحة الإسرائيلية النووية التكتيكية. وإضافة لذلك، استطاعت إسرائيل بناء عشرة مصانع كيميائية، وأكثر المناطق والمدن التي تتركز فيها الأنشطة الكيميائية الإسرائيلية هي: مدينة حيفا ومدينة عكا المحتلتان على ساحل البحر المتوسط، حيث تعمل شركة «حيفا كميكليم» وشركة «وكفرقاروم».
ثمة دراسات عسكرية غربية أكدت امتلاك إسرائيل ل(200) قنبلة نووية، وعلى الرغم من ذلك رفضت منذ عام 1968 التوقيع والانضمام إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية بدعم أمريكي مباشر، وأصبح عامل الردع العسكري غير التقليدي هاجسًا في إطار الإستراتيجية العسكرية لكافة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ العام المذكور، وتبعًا لذلك استطاعت إسرائيل جعل الأفكار حول امتلاك أسلحة غير تقليدية حقيقة وأمرا واقعا يفرض نفسه بقوة وبدعم غربي مطلق، ولهذا تحتم الضرورة تسليط الضوء على الملف النووي الإسرائيلي وما يمثله من أخطار ماثلة على منطقة الشرق الأوسط ، وتالياً مطالبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية مطالبة انصياع دولة الاحتلال والتوقيع على معاهدة منع انتشار الأسلحة غير التقليدية ، خاصة وأنها أصبحت عضواً غير معلن في النادي النووي الدولي ،الذي يضم أمريكا وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا فضلاً عن الهند والباكستان .
٭ كاتب فلسطيني مقيم في هولندا