مأساة المغرب والجزائر: عشرون سنة على حدود برية مغلقة

حجم الخط
12

 مدريد – «القدس العربي»: مرت عشرون سنة بالتمام والكمال على الحدود البرية المغلقة بين المغرب والجزائر، وهي أطول حدود برية مغلقة وثاني حدود زمنيا بعد كوريا الشمالية والجنوبية. وتشير كل المعطيات الى استمرار  الحدود البرية على ما هي عليه خاصة في ظل التوتر الديبلوماسي بين البلدين. وفشلت جميع المساعي العربية والأوروبية والأممية لفتح الحدود، ويتفاقم الوضع في ظل إقامة البلدين جدارا سياسيا وإعلاميا ونفسيا يصل الى مستوى «عقيدة العدو الأبدي».
وشهد المغرب اعتداءات إرهابية صيف عام 1994 ضد منشآت سياحية في مراكش تورط فيها مغاربة وجزائريون وخلفت قتلى من السياح الإسبان. ومن باب الإحتياط، فرض المغرب التأشيرة على المهاجرين الجزائريين  القادمين من أوروبا والراغبين في المرور عبر أراضيه الى الجزائر، حيث لم تكن وسائل النقل البحري متطورة. واعتبرت الجزائر القرار  إهانة وتعسفا، وكان ردها هو هو إغلاق الحدود البرية التي تستمر حتى الوقت الراهن.
وهكذا، وبحلول آب/اغسطس 2014، تكون قد مرت عشرون سنة على إغلاق الحدود البرية لتصبح رفقة كوريا الشمالية والجنوبية، الحدود الأطول برا المغلقة وكذلك من الناحية الزمنية.
وتغير هرم السلطة في البلدين، فقد رحل الملك الحسن الثاني وتولى العرش الملك محمد السادس. وبدورها شهدت الجزائر اختيار رئيس جديد وهو عبد العزيز بوتفليقة، والتطور الوحيد الذي حصل هو إلغاء التأشيرة بين البلدين، حيث ألغى المغرب التأشيرة عام 2005 والجزائر قامت بذلك عام 2006، وتستمر الرحلات الجوية، وفي المقابل تستمر الحدود البرية مغلقة. ويطلب المغرب من الجزائر فتح الحدود البرية، وتصدر هذه الدعوة من أعلى سلطة في البلاد، الملك محمد السادس الذي أبرز هذا المطلب خلال السنوات الأخيرة في خطاباته الرسمية الموجهة الى الشعب المغربي ضمن نظرته لبناء المغرب العربي.
وتؤكد الجزائر أن لها مطالب أمنية بالدرجة الأولى يجب على المغرب الإلتزام بها، فخلال التسعينيات وأوائل العقد الماضي كانت تطالب بوقف مرور السلاح من المغرب الى الجماعات المسلحة، حيث كانت تتهم الرباط بتمويل الحركات المسلحة. وفي الوقت الراهن، يؤكد أكثر من مسؤول ومنهم وزير الخارجية رمطان لعمامرة أن فتح الحدود رهين أساسا بالتزام المغرب منع مرور المخدرات «القنب الهندي» ومحاربة التهريب عبر الحدود. وأصبح منع المخدرات ومكافحة التهريب من العناصر الرئيسية في أي استراتيجية لرفض فتح الحدود.
ويعتبر إغلاق الحدود مظهرا من مظاهر الصراع القائم بين البلدين ويحمل عنوان «الصحراء الغربية». ويتهم المغرب الجزائر بدعم جبهة البوليساريو لإنشاء دويلة جديدة في الصحراء الغربية ولتحصل الجزائر على منفذ للمحيط الأطلسي. وفي المقابل، تتهم الجزائر المغرب بأنه دولة استعمارية لها مشاكل مع الجزائر والبوليساريو وموريتانيا حول الحدود.
وكان البلدان منقسمان إبان الحرب الباردة، وانضم المغرب الى دعم المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة بينما انخرطت الجزائر في دعم المعسكر الشرقي بزعامة الاتحاد السوفييتي، وذلك قبل انهيار جدار برلين. وانهار جدار برلين لكن جدران التفرقة بين البلدين بقيت قائمة. وتستمر القطيعة بين البلدين رغم ما يتغنى به البلدان من عناصر مشتركة للوحدة مثل الدين واللغة والتاريخ والمصير المشترك.
وحاولت قوى عربية وأجنبية القيام بمساع حميدة بين البلدين بشأن فتح الحدود، وتزعمت السعودية هذه المساعي طوال سنوات، وبعد الربيع العربي جربت تونس حظها إيمانا منها بضرورة تحريك الربيع العربي.
وقامت اسبانيا بمحاولات في هذا الشأن رفقة فرنسا، كما تعتبر الأمم المتحدة فتح الحدود البرية عاملا رئيسيا في تسهيل البحث عن حل لنزاع الصحراء الغربية، لكن الجزائر تصر على موقفها الرافض طالما لا يتم البت النهائي في الملف الأمني.
وأصبحت معالجة المشاكل الثنائية بين البلدين تجري في إطار شمولي ضمن دول خمسة زائد خمسة «المغرب وموريتانيا والجزائر وليبيا وتونس إضافة الى فرنسا واسبانيا وإيطاليا والبرتغال ومالطا» ويتعلق الأمر بملفات مثل الإرهاب والهجرة السرية وتهريب المخدرات.
 
نحو سابق تسلح  محموم

ولم تعد الحدود البرية الإشكال الحقيقي بين البلدين بل المقلق هو سباق التسلح الذي دخل فيه البلدان، بغية التحول الى القوة الرئيسية في منطقة المغرب العربي. وتفيد التقارير الدولية حول التسلح وجود المغرب والجزائر ضمن الزبائن العشرين الأوائل في العالم لاقتناء الأسلحة المتطورة، ولاسيما الجزائر مستغلة عائدات النفط والغاز.
ويمتلك البلدان ترسانة متطورة من سلاح جوي وبحري وأرضي سيتعزز بصفقات أخرى. وهذا الوضع يحمل انعكاسات إقليمية، إذ تبدي اسبانيا قلقها من سباق التسلح بينما يرى الاتحاد الأوروبي أن هذا السباق قد يقود الى مواجهة حربية في حال انفلات النزاع من الدائرة السياسية.
ويحذر بعض مراقبي البلدين من أن سباق التسلح يتم على حساب التنمية البشرية، فالبلدان يحتلان رتبا متدنية في محاربة الأمية وكذلك التقدم البشري والرفاهية.
 
أسوار جديدة

وخلال الشهور الأخيرة، بدأ البلدان بإقامة أسوار سلكية في الحدود الشمالية بينهما بحجة مواجهة الإرهاب والهجرة السرية وتهريب المخدرات. وتحمل الرباط الجزائر مسؤولية الأسوار الجديدة لتهاونها في مكافحة هذه الظواهر، وترد الأخيرة بالإتهامات نفسها.
لكن السور الخطير هو الحاجز النفسي الذي يتعزز سلبا بين شعبي البلدين. فرغم التوتر، لعبت الأحزاب والمثقفون والصحافيون في الماضي دورا في امتصاص هذا التوتر والتركيز على العوامل المشتركة والمناداة بالتعاون والتكامل. ويجري العكس الآن، فكما استقال المثقف في العالم العربي، فقد قدم استقالته من العلاقات الثنائية المغربية- الجزائرية، بل الأدهى هو انخراط صحافيي ومثقفي البلدين في حرب معلنة. وبلغت أوجها خلال الشهور الأخيرة بتعيين الاتحاد الإفريقي مبعوثا خاصا في نزاع الصحراء الغربية، اعتبرته الرباط عملا من صنع الجزائر، ثم تدنيس مغربي للعلم الجزائر في قنصلية الدار البيضاء يوم أول تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، تاريخ الثورة الجزائرية، اعتبرته الجزائر عملا مخططا من طرف الدولة المغربية للإساءة الى تاريخها.
وتحولت شبكات التواصل الاجتماعي الى حرب مفتوحة بين مواطني البلدين من تهم متبادلة خاصة عند وقوع حادث ديبلوماسي ما.
ويؤكد المهتمون بالعلاقات أنه حتى إذا جرى فتح الحدود، فالمغاربة والجزائريون يشيدون حاجزا نفسيا أخطر من «جدار برلين».

حسين مجدوبي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Sultan:

    حكام المغرب لديهم مشاكلهم الاقتصادية وكذلك الجزائر وماهو الحل هو إظهار العداوة فيما بينهما للفت أنظار شعوبهم الي خارج الوطن حتي لا تسقط تلك الأنظمة بسبب البطالة التي تنتشر بين المغاربة والجزائريون لو كانوا صادقين تلك الحكومات ويريدون الخير لشعوبهما عدم التبعية للغرب وانما للشعوب كذلك اعطا سكان الصحرا حريتهم وهم قلة بشرط فتح استثمار الجزائر والمغرب فيها وحرية التملك وجعل الجميع يستفيد من خيرات تلك المناطق ولن تزول هذه المشاكل طالما لا توجد دمقراطية والحاكم خائف علي عرشه فاضل طريقة للبقا استمرار خلق مشاكل الحدود حتي يلفتوا أنظار الشعب الي الحدود بدلا من ايجاد أعمالا لهم .

  2. يقول ahmed algerie:

    لعلمكم غلى طول التاريخ الحدود بين البلدين لم تفتح الا مدة 05 سنوات من سنة 1989 الى 1994 .

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية