باريس- “ القدس العربي”:
تناولت صحيفة ليبراسيون الفرنسية أزمة الهجرة السرية على ضوء حادثة غرق عشرات المهاجرين في عرض البحر الأبيض المتوسط قبالة ليبيا ينحدرون من جنسيات إريترية وفلسطينية وسودانية.
وقالت الصحيفة إن رحلة جديدة من رحلات المهاجرين انطلقت ليل الأربعاء الماضي من ميناء خمس الذي يبعد 120 كيلومترا شرق طرابلس لكنها توقفت على بعد 9 كيلومترات من الميناء المذكور وانتهت بوفاة 145 شخصاً وفقدان 120 آخرين من أصل حوالي 400 كانوا على متن الرحلة.
وأوردت الصحيفة تصريحات لشهود عيان ومسؤولين ليبيين ودوليين، حيث تحدثت سيدة سودانية عن فقدان ابنها الذي كان على متن أحد القوارب وحملت الأمم المتحدة مسؤولية فقدانه وذلك بسبب عدم تحركها لإنقاذ المهاجرين. وبدوره أكد قائد البحرية الليبية الجنرال أيوب قاسم أنه ما لم يتم حل المشاكل التي تدفع بالمهاجرين إلى المخاطرة بأرواحهم فستتكرر هذه المأساة من جديد. بينما وصف رئيس مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي الحادث بأنه الأسوأ منذ بداية العام الجاري.
وبعد مرور 24 ساعة على الحادث؛ غرد الأمين العام للأمم المتحدة آنطونيو غوتيريش معربا عن أساه العميق وداعيا إلى ضرورة إيجاد طرق آمنة وشرعية للاجئين والمهاجرين.
وتتحدث صحيفة ليبيراسيون عن تأزيم الوضع أمام المهاجرين في ثلاثة مناطق في البحر الأبيض . وأوضحت الصحيفة أن السياسة التي يتبناها الاتحاد الأوروبي في مجال الهجرة منذ 2015 تركز على الدول الإفريقية التي ينطلق منها المهاجرون حيث تطالب أوروبا تلك الدول بمنع مغامرات الهجرة من على أراضيها.
وتهدف هذه السياسة إلى إيقاف المهاجرين في دولهم أو دول العبور قبل وصولهم إلى الشواطئ المقابلة لأوروبا؛ وهو ما يعني أن الأوروبيون يريدون من تلك الدول أن تقوم بالعمل نيابة عنهم. ويقول الخبير في قوانين الهجرة واللجوء بأوروبا فيليب برويكير إن “القانون الدولي حول اللاجئين قائم على مبدأ عدم طرد أي لاجئ؛ غير أن الأوروبيين يتعاملون مع بعض الدول التي لا تعيد المهاجرين إلى أماكنهم لكنها تحتجزهم وهنا تكمن المشكلة”.
ويتعامل الاتحاد الأوروبي أحياناً مع بعض الدول التي تنتهك حقوق الإنسان مثل ليبيا التي تعيش حالة من الفوضى منذ سقوط الزعيم الراحل معمر القذافي. وبحسب موقع مفوضية الاتحاد الأوروبي فقد خصص الاتحاد الأوروبي تمويلات بقيمة 350 مليون يورو لمشاريع في ليبيا تهدف لمحاربة الهجرة. لكن تعامل الأوروبيين مع ليبيا كبلد طبيعي والتغاضي عن الواقع الليبي خطأ فادح يقول رئيس بعثة أطباء بلا حدود في ليبيا جوليان ريكمان. وفي عام 2017 وقعت إيطاليا اتفاقية لتكوين وتجهيز خفر السواحل الليبي عبر الدعم الأوروبي وذلك من أجل وقف تدفق المهاجرين لكن منظمة هيومن راتيس ووتش أكدت وجود أماكن احتجاز تعسفي يتم داخلها تعذيب المهاجرين واضطهادهم في ظروف بالغة القسوة.
وتلاحظ الصحيفة تراجعا كبيرا لمهام إنقاذ المهاجرين وهو ما تسبب في كوارث خلال السنوات الماضية؛ حيث ازدادت حوادث الغرق وارتفع عدد الضحايا. وعادت الصحيفة إلى مسار المهام الأوروبية للإنقاذ في عرض المحيط وكيف توقفت تباعا لأسباب متعددة بدءا من عملية “ماري نوستروم” الإيطالية التي أطلقتها الحكومة عام 2013 وأنقذت 150 ألف مهاجر قبل أن تتوقف في العام الموالي على وقع انتقادات من الشركاء الأوروبيين واليمين المتطرف الذين وصفوها بأنها تشجع الهجرة غير القانونية.
وبعد توقفها أطلق الاتحاد الأوروبي عملية “تريتون” التي لم يتجاوز مجال تدخلها المياه الإقليمية الأوروبية وكانت أقرب لحرس السواحل منها لمهمة إنقاذ بحري. وفي إبريل 2015 وبعد تزايد أعداد الضحايا واشتداد أزمة الهجرة؛ قرر الاتحاد الأوروبي إطلاق عملية “صوفيا” بهدف تدمير البنية التحتية للمهربين ونقل المهاجرين الذي يتم إنقاذهم إلى مناطق آمنة.
بيد أن المهربين ابتكروا حلولا أخرى تعتمد على زوارق مطاطية أقل تكلفة وأكثر عرضة للغرق. وتوقفت مهمة “صوفيا” منذ الصيف الماضي.
وبذريعة تسهيل وصول 45 ألف مهاجر إلى إيطاليا أغلقت حكومة ماتيو سالفيني موانئها أمام قوارب إنقاذ المهاجرين ولم تعد أي سفينة إنقاذ تعمل في عرض البحر؛ حيث ينتظر أن تدخل سفينة غير حكومية جديدة تدعى “أوسيان فيكينغ” شهر أغسطس المقبل.
وتخلص الصحيفة إلى أن الدول الأوروبية باتت تجبر قوارب الإنقاذ على البقاء طويلا في عرض البحر دون أن تقبل أي من تلك الدول استقبال المهاجرين على وقع فشل الاتحاد منذ 2015 في وضع سياسة ناجعة في هذا المجال. وكان الاتحاد قد وضع في سبتمبر 2015 خطة تعتمد توزيع المهاجرين على الدول ضمن نظام محاصصة مقابل تعويض مالي يبلغ 6 آلاف يورو عن كل طالب لجوء يتم قبوله.
لكن المجر وجمهورية التشيك وسلوفاكيا رفضت المشاركة في هذه الخطة وباتت دول أخرى تماطل في استقبال طالبي اللجوء حيث لم يستفد سوى أقل من ألف مهاجر من هذه العملية بعد ستة أشهر من إطلاقها. وبعد انتهاء مدة هذه العملية المحددة بسنتين كان 46 ألف شخص فقط قد تم توزيعهم على الدول أي بمعدل لا يتجاوز 29% من المتوقع.
ومنذ توقف هذه الآلية؛ تواجه قوارب الإنقاذ صعوبات كبيرة في الوصول لمياه الدول المحاذية للأبيض المتوسط؛ وهو ما دفع ألمانيا وفرنسا إلى البحث عن آلية جديدة للمحاصصة تعتمد على إحصاء الدول المتطوعة لتوجيه المهاجرين إليها بشكل تلقائي مقابل فتح إيطاليا ومالطا موانئها لعمليات الإنقاذ وهما الدولتان الأقرب للمهاجرين.
وبعد مفاوضات حول المشروع وافقت عليه 14 دولة من حيث المبدأ لكن 8 دول فقط أعربت عن استعدادها لتنفيذه بشكل فعلي.
*دمهم في رقبة حكوماتهم المستهترة.