طرحت البربرية في الجزائر ولا تزال كمسألة سياسية، وبقيت كذلك، لم تؤكد أي مضمون علمي ومعرفي يبرر استخدامها كلغة وطنية ورسمية. فالمطلب البربري فارغ من أصله، وإنما استفاد من اللغة الفرنسية من أجل توصيل المطلب إلى الدولة الفرنسية، بعد ما وصل العمّال المهاجرون من أصول قبائلية إلى مستوى من المدنيةK صاروا يستحقون وضعا سياسيا وقانونيا واجتماعيا يؤهلهم إلى ارتياد الحق الكامل في المواطنة الفرنسية.
هذه حقيقة المسألة البربرية كما جرت في صلتها بتاريخ فرنسا في الجزائر. أما المسألة كما طرحت في الجزائر، فلم تكن إلا احتجاجا على تعميم اللغة العربية في كافة مرافق الدولة والمجتمع، خاصة استخدامها كلغة تعليم وإبداع وتواصل مع بقية العالم.
تاريخ المقاومة والحركة الوطنية الجزائرية، هدفها الرئيس كان استخلاص الدين الإسلامي واللغة العربية من صلب السلطة الاستعمارية
أشرنا في ما سبق من مقالات حول هذا الموضوع، إلى أن اللسان البربري لا يكتفي بذاته، ولا ينطوي على موضوع يستحق التعبير عنه ويفصح عن هويته، لأن البربري يُعْرف بما هوعربي وإسلامي، أكثر من أي اعتبارات محلية سادت لحظة ما قبل الدولة الحديثة. أما زمن الدولة فإن القاسم الذي يؤكد الهوية الذاتية التي يعرف بها الإنسان ويتعرف بها على نفسه هي اللغة العربية والدين الإسلامي، لأن المسألة البربرية تطرح أصلا في مواجهة هذين المقومين، مثل موضوع التعريب وموضوع الإسلام دين الدولة. ما يعني في نهاية التحليل أن المسألة البربرية لا تملك مسَوِّغ طرحها أصلا في الجزائر، لأن سياقَهَا اسْتَوْعب في البدء كل مقومات المجتمع الجزائري في الدولة ذات المؤسسات العمومية، أي الوطنية وليس الجهوية والمذهبية والطائفية. فقد حازت الجزائر استقلالها بناء على بيان أول نوفمبر/تشرين الثاني، الذي أكد على خاصية الإسلام ولغته العربية والدوائر الواسعة التي يمكن أن يتسع لها.
انطوت المقاومة الوطنية على ما هو وطني فعلا، أي السعي إلى المطالبة بالاستقلال والسيادة والحرية، الذي كان يجري التعبير عنها باللغة الفرنسية والعربية، فقد كانت اللغة الفرنسية لغة الإدارة والسياسة والفكر، وكانت اللغة العربية موضوع المطالبة التي تُمَيّز الجزائريين عن السلطة الاستعمارية، وتمنح شرعية المطلب برمته، فضلا عن انخراط اللغة العربية في المعترك المدني والسياسي المقاوم للوضع الاستعماري، والساعي إلى التواصل مع العالم العربي والإسلامي والإنساني، فقد كانت اللغة العربية حالة لإبداع عربي أسس لما عرف تاريخيا بالنهضة العربية.
الحديث عن المسألة البربرية يفضي لا محالة إلى الحديث عن اللغة العربية، ليس لأنها تمثل اللغة والثقافة العَالِمة لكل اللهجات واللغات الدارجة في الجزائر فحسب، بل لأن اللسان البربري لم يَخُض أي تجربة نهضة داخلية، كما لم يُبْدِ أي مقاومة للوضع الاستعماري، أي لم يُمَارس ولم يتَمَرّس على صنع منظومة فكرية ولغوية حديثة، للتواصل مع دوائر أوسع ومستويات أعلى، بل كل ما وجد هو طرح المسألة البربرية في فرنسا، وباللغة الفرنسية ضمن مسار التاريخ الاستعماري في فرنسا وليس في الجزائر. وعليه، فقد طرحت المسألة البربرية من أجل أن تتواصل مع اللغة الفرنسية كلغة أعلى تسعف التراث البربري على الظهور والحق في اكتشافه كأفضل سبيل إلى تنوع ثقافي تزدهر به الدولة الفرنسية ذات المؤسسات الديمقراطية الراسخة. وهكذا، فأفضل مقاربة لبحث المسألة البربرية هي قراءتها في ضوء تاريخ العمّال المهاجرين، وامتداداتهم في الأجيال الجزائرية اللاحقة من أصول قبائلية، أي قراءة تؤكد حقيقة التنوع الإثني واللساني في فرنسا والديني كذلك.
أما في الجزائر فتاريخ المقاومة والحركة الوطنية، سواء السياسية منها أو الثورية والمسلحة كلّها انخرطت في هدف رئيس هو، استخلاص الدين الإسلامي واللغة العربية من صلب السلطة الاستعمارية، التي سبق واستولت عليهما طول مسار احتلالها الجزائر. وبهذه النتيجة أي باستعادة الدين واللغة العربية، باشر النظام الجزائري الجديد إرساء وبناء دولته المستقلة.
إن الحديث عن المسألة البربرية، خاصة في زمن الحَرَاك الذي يريد أن يحرر الإستقلال والسيادة المصادرة من قبل النظام السلطوي، لا تملك قوة الطرح ولا معقولية تطبيقها، فالتعبير البربري لا يستوفي الخبرة التاريخية اللازمة للدخول إلى العالم الحديث والمعاصر، على ما فعلت اللغات الحية التي كانت المقوم الرئيس للدولة ومؤسساتها الشرعية الداخلية والخارجية، أي احتلال مكانتها في المجتمع الدولي، بناء على مقتضيات وشروط شرعية القانون الدولي العام. فبعد مرور أكثر من قرن على استقلال بلدان المغرب العربي، بقيت المسألة البربرية تراوح في المكان نفسه، الذي كانت عليه خلال أربعينيات القرن العشرين، رغم التحوّل الكبير الذي شهدته هذه البلدان، خاصة في مجال تعليم اللغة العربية كلغة وطنية للجميع، أصَّلت الخاصية العربية لبلدان المغرب، وحققت التواصل الطبيعي مع بقية العالم العربي الذي تحوّل بدوره إلى حالة ثقافية تتجاوز الدول والمجموعات والطوائف والمذاهب. ما تؤكده التجربة التاريخية الحديثة أن العالم العربي كان حالة ثقافية لكل العرب، وفّرت نصوصا إبداعية، ساهم فيها جميع العرب على اختلاف أصولهم وانتماءاتهم الجهوية، أفصحت في نهاية المطاف عن قصور اللسان البربري في التعبير عن حقائق الدنيا الجديدة، والقدرة على التواصل مع وحدات سياسية وقومية أوسع. ولعلّ إعلان عراب المسألة البربرية منذ سنوات، عن الحكومة القبائلية المؤقتة، ما يؤكد الخاصية الجهوية والانكفائية للنزعة البربرية التي تأبى بطبيعتها أي توسع وانسجام مع المجموعات الأخرى، ناهيك عن مَقْتَلها الداخلي الذي لا يكف عن إفراز الخلافات والاعتراضات والتَّصَدّعات، لأنه محض تنظيم سياسي بلا مضمون ولا موضوع يبرر شرعية وجوده أصلا.
في زمن حَرَاك متحرر من نظام سلطوي، يساعد على الرؤية السلمية للتاريخ، تظهر المسألة البربرية قد عبّرت عن عجزها عن التحقق وفشلها في ملء قضيتها مع تطور المجتمع والدولة، وعدم مساوقتها للحياة الجديدة للمدنية والإنسانية. وفي النتيجة التي تعيدنا إلى البداية، هي أن المسألة البربرية بلا تاريخ، ولا يمكن أن نسرد قصتها لأنها لم تنطو على أي قضية، فهي مثل الأحداث التي جاءت في مسار الحركة الوطنية لتعبر عن أزمات أو مطَّبات عارضة، تزول مع ما يطرأ على الوضع من تغيير، مثل أزمة المصاليين والمركزيين، أو أولوية السياسي على العسكري أو العكس، الحكومة الجزائرية المؤقتة أو جيش الحدود. هذا في الجانب البربري كمسألة سياسية داخلية في الحركة الوطنية، أو بالأحرى النزعة الوطنية داخل حزب الشعب/ حركة انتصار الحريات الديمقراطية، أما في جانبها الحياتي الاجتماعي فهي لا تعدو البحث المتواصل عن اللغة العَالِمة التي تسعف اللسان البربري في تواصل صاحبه مع المدنية الحديثة والمعاصرة، وقد اختار غلاة النزعة البربرية، العينة التي تؤشر إلى الحركة ككل، اللغة الفرنسية مع التصميم على معاداة اللغة العربية، وكل ما يحيل الجزائر إلى أصالتها وحداثتها العربية.
٭ كاتب وأكاديمي جزائري
شكرا لك استاذ نور الدين على هذا المقال … متفقة معك مئة بالمئة … انا بربرية مغربية فخورة بلغتي العربية التي نشرها أجدادي البربر في عموم شمال إفريقيا… و أبغض كل من يبغضها …. تحياتي.
الامازيغية هي عبارة عن لسان و ثقافة لا اقل و لا اكثر لكن البعض
–
اعطاها اكثر من حجمها اكثر من ساء لهذا الموروث الاصيل هم اصحابها
–
الذين سلكوا اساليب غير منطقية للنهوض بها كقولهم انها عرق و جينة
–
او ان ” ايغود” هو الجد الاكبر و تقولهم على غيرهم و اختراعهم لتقويم خرافي
–
على حساب التقويم الفلاحي و غير ذلك
–
تحياتي
شمال إفريقيا بربري آمازيغى فرضت عليه اللغة العربية بالقوة …..فلا بأس الرجوع الى اللغة الأصل …..لأن العقلية البربرية الآمازغية بقت على حالها وهى مختلفة كليا عن العقلية العربية …..
شمال افريقيا ليس بربري وليس عربي بل هو افريقي-افريقيا السوداء- بحت وهناك الكثير من المؤلفات القديمة التي تثبت ذلك . النزعة البربرية حديثة العهد استعلت أكثر من قبل المستعمر الفرنسي لإحداث شرخ داخل المجتمعات التي تقطن الشمال الافريقي هذا ما يفسر تكالب البعض بايعاز من الخارج للمساسة بوحدة الشعوب المغاربية. الكثير من البرابرة منسجمون داخل النسيج السكاني لشمال افريقيا ويتكلمون اللغة العربية ويدينون الاسلام إلا أن البعض الأقلية تفضل التميز بمجارات ما يملى عليها من قبل المستعمر القديم الجديد.
ابن كسيلة
–
كيف تدعون ان العربية فرضت عليكم و انتم تزعمون دوما ان شمال افريقيا
–
كلها امازيغي هل فرضت عليكم بعجائب العصا السحرية كفى من الاذمان على المظلومية
–
نحياتي
شكرا لك على هذا التحليل القيم والموضوعي والواقعي. للأسف بعض دعاة الفتنه يريدون طرح اللهجه الامازيغيه بالقوه مع انهم يتشدقون بالديمقراطيه. على الجميع الاحتكام الى الصندوق في قضية اللهجات
ولماذا كل هذا اللغط هل يوجد شعب اسمه بربر او امازيغ في شمال افريقيا بغض النظر عن كونه اقدم او اعرق من غيره على هذه الارض وان كان له مطالب ثقافية او سياسية فلماذا لا تعطى له وهل يجب ان تخوض دول المغرب حروب بين ابناءها كما حال القضية الكردية في العراق او تركيا وايران فاما ان نبني دول ليست فومية او دينية ويكون الجميع بلا فوارق اسمية او نجلس ونتفق وننهي الموضوع
لا يا صوت مراكش، الامازيغية هوية ومن يدعي غير دالك فهو عنصري جينيا.
الى السيدة زهرة….دكر موضوع الأمازيغية يعتبر هجوما على اللغة العربية…معادلة غريبة
يا حسن ان كنت تراها هوية فلا بأس و لكن محددها هو اللسان لا غير
–
اما ابعد من ذلك فهو تدليس البربر هم خليط من الاجناس يجمعهم
–
لسان لهجي لم يرقى يوما لرتبة لغة
–
تحياتي
زياد بن طارق ، القائد الذي فتح الأندلس وخطب بالعربية وصاحب الكلمات: البحر من ورائكم والعدو من أمامكم …. تحية للأخت زهرة من المغرب فخورين باللغة العربية جميعا أمازيغ بربر وعرب، نتفاهم بالعربية ونحتفظ أيضا باللكنات كما هي، نفخر بالتعددية اللغوية
انا مغربي و لغتي الام امازيغية
.تحليلي الجيني : %٧٦ امازيغي, %٢٤ برتغالي و %٢ سنغالي.
تقافتي %٧٥ فرنسي %٢٤ انجليزي و %١ عربي. فهل انا فرنسي كما يقول الكاتب?
عدم تطور اللغة الامازيغية راجع بالاساس الى المتدينين الدين يرفضون اي لغة مخالفة للعربية. الامازيغية تحتاج الى وطن يعتني بها ويعتبرها مشروع وطني ولكن المتدينون…
لا أدري إنْ كان الكاتب العزيز قادر على التفكير خارج قوقعة العروبة و هواجس المؤامرة. فكل ما فعله الأمازيغ هو تفكيك القومجيّة العربيّة التي كانت تريد تعريبهم و تحويلهم إلى مستعربين يدافعون عن قضايا الشرق الأوسط. فالأمازيغ فعلوا نفس الشيء في المغرب و جزر الكناري و مالي و ليبيا و تونس.هل تريدون مثلا أنْ يصدّق الأمازيغ أنّ أجدادهم كيوغرطة و أكسيل عرب الهوية و أنّ بلادهم تنتمي هوياتيا للشرق الأوسط؟