إلي وزير إعلام المحروسة: ما هكذا تورد الإبل!

حجم الخط
0

إلي وزير إعلام المحروسة: ما هكذا تورد الإبل!

سليم عزوزإلي وزير إعلام المحروسة: ما هكذا تورد الإبل!وكأنه لم تكفهم من الدست مغرفة، وكأنهم يسعون إلي أن يخربوه، ويجلسوا علي تلة، هذا ان لم يكن قد خربوه بالفعل. فقد قرر ملاك التليفزيون المصري فرض (جزية) او (إتاوة) علي المطربين، مقابل إذاعة أغانيهم، تبلغ قيمتها ثلاثة آلاف جنيه في المرة الواحدة.والمعني، ان إذاعة الأغاني لن تعتمد علي قيمتها الفنية، وإنما بما يتم دفعه، وبالتالي يستطيع أي منتج ان يفرض علينا ذوقه بأمواله، ويستطيع أي ثري يريد ان يتقرب من مطربة زلفي ان ينقطها ـ من النقوط ـ بإذاعة أغانيها عشر مرات دفعة واحدة مثلا، وقد يجد من يزايد عليه بأن يدفع (نقوطا) اعلي، مثلما يحدث في الأفراح البلدي. كما يستطيع أي رجل أعمال، او أمير عربي، ان يفرض أي ناشئة مطربة لها شنة ورنة بأمواله، ومعلوم ان بعض الأمراء العرب لديهم هواية في (التكويش) علي الفنانات، لأنهم أصحاب حس فني رفيع، تماما كما ان هناك أناسا هوايتهم جمع طوابع البريد. وقد يتعجب المرء ويفتح فاه مندهشا عندما يسمع ان أميرا، او شيخا، تزوج فنانة ودفع لها مهرا يدخل في حيز الاصفار الستة، وان الزواج لم يدم سوي شهور معدودات، مع ان هذا المدفوع مهرا يكفي لشراء قبيلة من النساء، أجمل من الفنانة الموعودة، لكن الناس فيما يعشقون مذاهب، وقديما قيل لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع، كما ورد في الأثر ان رزق الهبل علي المجانين.وإذا كانت الفنانة يسرا، ظنت في فترة من الفترات، أنها يمكن ان تصبح مطربة لها قيمة وسيما، فلم تحز علي إعجاب الجمهور، فإنها تستطيع في ظل الوضع الجديد ان تصبح مطربة كبيرة (في المقام وليس في السن فهي لا تزال تحلم بالزواج والإنجاب)، ويمكن لها ان تكون كما تحلم ـ في عالم الغناء وليس بالنسبة لحلم الإنجاب ـ وبفلوسها، وفي مصر نقول: اللي ديته فلوس اقتله.وبهذا يصبح بمقدور أي انسان ان يفرض نفسه مطربا (بفلوسه)، ولا يستطيع أي مطرب حقيقي ان يشق طريقه، لان جمال صوته لا قيمة له لدي سدنة ماسبيرو، في ظل النظام الجديد، الذي يتماشي مع الفكر الجديد لصاحبه السيد جمال مبارك، الذي اتخذه شعارا لحزبه الحاكم، في هذه المرحلة الدقيقة في تاريخ البشرية (المعذبة). وقد كنت أظن من فرط طيبتي انه يعني الإصلاح السياسي، فاكتشفت ان الفكر الجديد يأتي تطبيقا لحكمة قديمة تقول: من معه فلس يساوي فلسا، ومن ليس معه لا يساوي في عالم البشر (ثلاثة ابيض)، وعلي هذا الأساس تم الاحتفاء برجال الأعمال، وتم تسليم البلاد لهم (تسليم مفتاح).ومن الواضح ان شعار الفكر الجديد، كان له تأثيره البالغ في كل إرجاء البسيطة، من قوة توهجه، وان قرار (الفردة) او (الجزية) التي يفكر أصحاب التليفزيون في فرضها علي المطربين مقابل إذاعة أغانيهم، هي من تأثير هذا الشعار الرنان، الذي يستمد جماله من ترديد الرائد متقاعد صفوت الشريف له. وبالمناسبة فان (الرائد) هي اعلي رتبة عسكرية حصل عليها المذكور في عمله الوظيفي السابق، والذي كان دوره فيه مشرفا للغاية.. ونعم الأدوار. وهو امر دفعني الي توضيحه ان هناك من ظن أنني أتجني علي الرجل، وكأنه خرج جنرالا، وهبطت برتبته الي رائد، مع ان رائد من وجهة نظري رتبة مهمة، يكفي ان نعلم ان عبد السلام جلود، بكل هذا الزخم الذي يمثله اسمه والمناصب التي تولاها هو رائد. وقد ورد في الأثر ان (الرائد) لا يكذب أهله. ولم يقل العقيد، او العميد، او اللواء، مع خالص احترامي وتبجيلي لرتبة العقيد بالذات.ما علينا، فمن الواضح ان السياسة الجديدة التي يتبناها الأشاوس في ماسبيرو (اسم مبني الإذاعة والتليفزيون في المحروسة) تأتي في إطار فقه (دكاكين البقالة) السائد، فهي تعني انه تخلي عن رسالته، بوصفه تليفزيونا مملوكا للدولة المصرية، واجبه ان يقدم الأصيل من الفنون، ويحتفي بالمواهب الجادة، ويرتقي بالذوق العام. وهذه السياسة تأتي في إطار انسحاب السلطة في مصر من دورها المنوط بالدول القيام به، تجاه رعاياها، ولم يتبق من ملامح وجودها سوي الاستبداد السياسي والتنكيل بالخصوم السياسيين، وفرض الضرائب والرسوم عمالا علي بطال، والتنكيد علي الخلائق ليقولوا لهم: نحن هنا، وذلك ردا علي الأغنية التي تقول: (ناس بيقولولنا هنا، وناس بيقولولنا هناك).في الواقع، وحتي لا نظلم القوم، فان تخلي التليفزيون المصري عن دوره تم من زمان، وان قرار (الفردة) ماهو الا تحصيل حاصل، وتقنين وضع قائم بالفعل، فطوال السنوات الماضية ساهم تليفزيوننا في إفساد الذوق العام، من احتفائه بمطربين، ومطربات، أصواتهم صناعة تايواني، والي درجة ان كثيرا منهم لا يمكن ان يغنوا خارج الأستوديو وبعيدا عن مكبرات الصوت، ومن يفعل هذا يجعلنا نقف علي كارثة من العيار الثقيل. لكن بالتركيز علي هؤلاء، والإلحاح علي ظهورهم، تم تسويقهم علي انهم مطربون كبار، وان كان هناك من لا يروق له هذا، فالعيب فيه لانه (دقة قديمة)، وليس له في الطيب نصيب، ولا يعي الحركة الغنائية الحديثة، فقد توقف عقله (الباطن) عند زمن بديعة مصابني لم يبرحه.وكان مما قيل في هذا السياق ان هذا هو الموجود في السوق، وهم يعلمون انهم يكذبون ويتحرون الكذب، فالسوق مليء بالأصوات الجميلة، التي لا تروق لسدنة المعبد، لان اصحابها لا يعرفون من اين تؤكل الكتف، ولا دراية لهم بدهاليز المبني العتيق وخباياه، وما يحدث خلف الأبواب المغلقة معلوم للمطلعين، وهو يفسر سر الاحتفاء بمطربين ومطربات أصواتهم كفيلة بأن تجلب أنفلونزا الطيور، والحمي القلاعية، في آن واحد.صغار المطربين ليسوا هم فقط من يضجون بالشكوي من الوصول عبر الأبواب الخلفية، فواحد في حجم علي الحجار هاجم ذات مرة القائمين علي الأمر، الذين يقومون ببث أعمال مطربين ومطربات (نصف لبة) وبشكل ممل، والذين يضطهدون أمثاله ممن لا يتبعون سياسة (فتح عينك تأكل ملبن)، وقد اهتم رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون الأسبق بما قاله، ودعاه لمقابلته ليناقش الامر معه، ولم نعلم ماذا دار في اللقاء، لكن ما اعلمه جيدا ان رئيس الاتحاد لم يكن ليستطيع ان يفعل شيئا في مواجهة سياسة الاحتفاء بالمحظوظين، وإقصاء من دونهم، لان رئيسة التليفزيون كانت في هذا الحين تتحدث باسم الباب العالي. وقد تم جبر خاطر الشاكي بإذاعة أغانيه، ثم عادت ريما لعادتها القديمة.وإذا كانت مكانة علي الحجار قد مكنته من ان يشكو، وان يجد من يسعي لمقابلته، ومن ان تزال أسباب الشكوي في حدها الادني، فان من هم معدومو المكانة، لا يستطيعون ان يتبرموا، او يتململوا، ولو في مجالسهم الخاصة، (فالحيطان لها آذان) وإذا وصل التبرم والتململ الي الجالسين علي عرش ماسبيرو، فسوف يقطعون عنهم الماء والنور ويتركونهم للنسيان يأكلهم بالبطيء.سيقول قائل ان مبلغ الثلاثة آلاف جنيه في كل بث، هو تقنين لوضع قائم بالفعل، وهو يضمن ذهاب المبلغ الي خزانة التليفزيون، وذلك أفضل من الوضع الحالي حيث يذهب الي جيوب الأباطرة وبيوتهم، لكن مع احترامي لهذا الرأي وتقديري لوجاهته، فان المقترح الجديد يمثل مجاهرة بالمعصية، وقد يغفر الله للعصاة جميعا، إلا المجاهرين، فلن يغفر لهم.ويكفينا من الدست مغرفة.الوزير يشكو لمن تخونه الذاكرة نقول ان وزير الإعلام في مصر المحروسة اسمه انس الفقي، وهو اسم موسيقي حقا، واذا كان البعض لا يحفظه، فان هذا لا يقلل من كونه اسما موسيقيا جبارا. وعدم الحفظ يرجع الي انه قبل دخوله مبني الحكومة (برجله اليمين طبعا) لم يكن معروفا، ولم يكن اسمه متداولا في وسائل الإعلام، لكنها السلطة عندما تعطي المرء وجهها، فهي تؤكد ان قيراط حظ ولا فدان شطارة.المذكور جعل قلوبنا تقع في أحذيتنا من الفزع، وذلك عندما قال ان جهاز الإعلام مدين بمبالغ طائلة تصل الي المليارات.. لم يحددها التزاما بالشفافية. ثم أكد صعوبة الاستمرار بهذا الشكل والا سيتحول الأمر الي كارثة.لقد عشنا وشفنا ـ يا قراء ـ من يتحدث عن الوضع المالي لتليفزيون بلادنا المفدي، وكان هذا الأمر من قبل من المحرمات، وكانت ميزانية التليفزيون تحجب عن الشعب المصري دافع الضرائب، والذي ينفق علي هذا السفه من لحم الحي، ويتم التعامل معها علي أنها سر حربي، لا يجوز لمواطن مخلص لتراب الوطن ان يسأل عنها، ولو كان عضوا بالبرلمان، حتي لا يصل أمرها الي الأعداء.المهم، فبعد ان وقع قلبي في حذائي، تذكرت انه ليس لنا في العير، ولا في النفير، فليفلس التليفزيون، او حتي يغلق أبوابه، فنحن لم ينلنا من وجوده سوي أننا أصبحنا مسخرة امام الخلائق، بسبب عجزنا عن منافسة تليفزيونات وليدة، مع ان تليفزيوننا بث إرساله قبل بدء الخليقة، وهو تليفزيون (يلمع) الحكومة وأنصارها ورجالها، ويدافع عن السلطة بالباع والذراع، وهو لسان حال الحزب الوطني الحاكم. وعلي رجال الأعمال في هذا الحزب ان يمولوه من جزء يسير من أموالهم، التي حصلوا عليها بفضل مواقعهم الحزبية، ولن نستطرد في هذا الجانب حتي (لا نخوض في أعراض الناس).. أحدهم اعتبر نشر الصحافة خبر (خطوبة) جمال مبارك خروجا علي ميثاق الشرف الصحافي، ويعد خوضا في الأعراض، ولان عبارة (أعراض الناس) بالتالي أصبحت كلمة مطاطة، فلا داعي الي أي كلام ضد المسؤولين مخافة الوقوع في المحرمات! قد يكون السبب في حدوتة الثلاثة آلاف جنيه مقابل البث الواحد للأغنية، هو هذا الوضع الذي ينذر بكارثة.. الهي تحدث الآن هذه الكارثة قبل غد. وإذا كان الأمر كذلك، فإنني أقول لوزير الإعلام: ما هكذا تورد الإبل يا رجل، فالحل ان تبعث بمذيعات ماسبيرو الي مناطق: السيدة، والحسين، والزيتون ليس أمام المقر الانتخابي للدكتور زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية، وعضو مجلس الشعب، ولكن أمام كنيسة السيدة العذراء. علي ان تحمل كل مذيعة صندوقا لجمع التبرعات، ويقلن: حسنة قليلة تمنع بلاوي كثيرة. وكن علي ثقة انهن اذا توقفن عن تجميل وجوههن بألوان الطيف فانهن يصلحن لهذه المهمة بجدارة.وعموما أرجو ألا تشغلوننا نحن الشعب بمشاكلكم العائلية.تقليعة پفي الأسبوع الماضي استمعت لمذيعة بقناة النيل للمنوعات، اسمها (فرح)، ولم اعرف لقبها، لكن الذي راعني انها تتحدث من انفها، وهي تقليعة جديدة في عالم التقديم التليفزيوني، وتأتي تعبيرا عن (الدلع) الزائد عن المنسوب الطبيعي. وللعلم فان رئيسة القناة سلمي الشماع هي صاحبة هذه التقليعة، لذا فان لها حق الامتياز بعد ان تبين انها أصبحت صاحبة مدرسة في هذا المجال.كاتب وصحافي من مصر[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية