كانت تجربة انتخابات مجلس النواب العراقي في عام 2018 دليلاً ساطعاً على التواطؤ الجماعي على تزوير الانتخابات، وعلى التغطية على هذا التزوير عبر اعتماد نتائجها. فعلى الرغم مما كشفه تقرير رسمي صادر عن لجنة شكلها مجلس الوزراء أثبت حصول عمليات تزوير في بعض مراكز الاقتراع في الداخل، فضلاً عن تزوير جسيم في انتخابات الخارج وانتخابات النازحين، وعلى الرغم من صدور قانون عن مجلس النواب يلزم بإعادة العد والفرز الكلي لأوراق الاقتراع، إلا أن علاقات القوة الحاكمة فرضت على الجميع التواطؤ للقبول بالنتائج كما هي، من خلال «تشريع» فرضته المحكمة الاتحادية هذه المرة رفض العد والفرز الكلي، وحوله إلى جزئي يتعلق بالطعون فقط!
هكذا تواطأت الدولة، بجميع سلطاتها، على القبول بنتائج الانتخابات، من دون أية محاسبة للقائمين بالتزوير (تم إلغاء العقوبات بحق موظفي المفوضية العليا المستقلة للانتخابات الذين ثبت قيامهم بالتزوير والتي أصدرها القضاة المنتدبون بدلاً عن مجلس المفوضين الموقوف عن العمل)، أو المستفيدين منه (على الرغم من إلغاء الأصوات التي تم الحصول عليها بالتزوير في محافظة الأنبار على سبيل المثال، إلا أن أياً من المرشحين لم يتعرض للمساءلة، بل فاز بعضهم على الرغم من إلغاء هذه الأصوات)!
هذا المشهد الذي تكرر مراراً من قبل، يراد تكراره مرة أخرى في انتخابات مجالس المحافظات المقررة في نيسان/ أبريل عام 2019. فقد جاء التعديل الأخير الذي تم تشريعه في الشهر الماضي، ليفتح المجال واسعاً أمام عميات التزوير المنهجية التي شهدناها عياناً في الانتخابات السابقة كلها. وذلك عبر المادة 3 من هذا القانون التي نصت على أنه في حال «عدم وصول نسبة توزيع بطاقات الناخبين البايومترية إلى نسبة (75٪) في أي من الدوائر الانتخابية، يتم اعتماد البطاقة الإلكترونية (طويلة أو قصيرة الأمد)». وبعيداً عن الصياغة الملتبسة لهذه المادة (بين أن تكون النسبة متعلقة بكل دائرة انتخابية على حدة، أم تخص الدوائر جميعها في حالة عدم وصول إحداها إلى هذه النسبة)، فقد تم تمرير هذه المادة مع معرفة الجميع باستحالة وصول أي من الدوائر الانتخابية/ المحافظات إلى هذه النسبة بأي حال من الأحوال، وفقاً لنسب توزيع البطاقة البايومترية طويلة الأمد المعلنة! وإذا كانت محافظة ديالى قد وصلت منفردة إلى حدود هذه النسبة، إلا أن ثمة محاولات منهجية لمنعها من إعلان وصولها إلى هذه النسبة، حتى وإن تجاوزتها عملياً، وذلك عبر تعطيل توزيع بطاقات بايومترية منجزة على أصحابها!
إن اعتماد البطاقة البايومترية قصيرة الأجل (التي اعتمدت في انتخابات عام مجلس النواب 2014، وأثبتت فشلها الذريع، وكان عاملاً حاسماً في عمليات التزوير الواسعة في تلك الانتخابات، سواء من خلال استخدامها من قبل الغير للتسويد (التصويت بالنيابة)، أو من خلال إمكانية استخدامها للتصويت لأكثر من مرة واحدة)، بديلاً عن البطاقة البايومترية طويلة الأجل (بطاقة الناخب التي تحوي صورة وبصمة إبهام الناخب)، يعني أن ثمة إصراراً من الفاعلين الرئيسيين في مجلس النواب، تبعاً لعلاقات القوة الحاكمة في المجلس، على الإفادة من مواقعهم ونفوذهم للهيمنة على نتائج الانتخابات القادمة! خاصة مع تسريبات بوجود ملايين البطاقات البايومترية قصيرة الأجل التي لم يتم توزيعها في العام 2014، ولا يعرف أحد مصيرها! والجميع يعلم يقيناً بأنه سيكون هناك مزاد مفتوح لهذه البطاقات، كما لملايين البطاقات الموزعة على المواطنين، وإن عمليات شراء هذه البطاقات ستجري على قدم وساق!
كانت تجربة انتخابات مجلس النواب العراقي في عام 2018 دليلاً ساطعاً على التواطؤ الجماعي على تزوير الانتخابات، وعلى التغطية على هذا التزوير عبر اعتماد نتائجها
إن الاستحواذ، أو عمليات شراء هذه البطاقات، ليست سوى خطوة باتجاه «التزوير». فاستخدام هذه البطاقات يتطلب سلسلة من الخطوات الأخرى، تبدأ من موظفي الاقتراع في المحطة الانتخابية، وفي المركز الانتخابي، مروراً بالتعاطي مع مراقبي الكيانات السياسية، ثم عملية العد والفرز، وأخيراً عملية التحقق. وبالتالي لسنا هنا أمام فعل تزوير فردي، بل أمام عمل منهجي تشترك فيه أطراف عدة، في إطار شبكة زبائنية معقدة! لهذا، نجد الكيانات السياسية تتصارع للسيطرة على المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، التي تحولت عملياً إلى ممثلية للأحزاب ولا تمت للاستقلالية بصلة؛ ونجدها تتصارع لفرض «وكلائها» على رأس مفوضيات الانتخابات في المحافظات، وفي المواقع الرئيسية فيها؛ وتتصارع لزرع «مريديها» كمدراء للمراكز والمحطات الانتخابية، أو كموظفي اقتراع، من أجل ضمان مصالحها. أما بالنسبة للمراقبين، فستتكفل جهات عديدة بهم، بداية من منع وصولهم إلى محطات/ مراكز الاقتراع، وانتهاء بمنعهم من دخول هذه المحطات/ المراكز، لتكون مقفلة على أصحابها!
كان يمكن لمجلس النواب أن يفرض على المواطنين جميعاً التسجيل والتحديث البايومتري للوصول إلى النسبة المقررة، من خلال فرض البطاقة البايومترية وثيقة «ملزمة» لإجراء أية معاملة رسمية، تماماً كما الوثائق الأخرى التي لا يمكن تمرير هكذا معاملة من دونها. وكأن هذا المقترح مطروح على اللجنة البرلمانية التي ناقشت هذه التعديلات، ولكن كان من الواضح أنه ليس ثمة إرادة سياسية لذلك! لهذا وجدنا مادة «عائمة» لا قيمة لها تنص على اعتماد هذه البطاقة وثيقة رسمية، من دون اشتراطها لإنجاز أية معاملة رسمية! بل إن المادة التي وردت في تعديل القانون التي تحدثت عن «إلزام» موظفي المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية بتسجيل وتحديث واستلام البطاقة البايومترية، لم تضع أي توقيتات زمنية، أو أية جزاءات في حالة عدم القيام بذلك، لنكون أمام «إلزام» عبثي تماماً!
في كل انتخابات سابقة، كانت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات تضع جدولاً زمنياً يصل إلى 120 يوماً، قبل أية انتخابات. ولكنها قلصت هذا الجدول الزمني إلى 90 يوماً فقط في انتخابات مجلس النواب لعام 2018 (صوت مجلس النواب على التعديل الثاني لقانون انتخابات مجلس النواب في 11 شباط/ فبراير 2018، وجرت الانتخابات في 12 أيار/ مايو من العام نفسه). وهذا يعني عملياً أن المفوضية يمكنها العمل على الاستمرار في التسجيل والتحديث البايومتري في المحافظات جميعاً إلى نهاية هذا العام على أقل تقدير، لضمان الوصول إلى حاجز الـ75٪ التي حددها القانون، ولكن المفوضية قررت جعل موعد 11 آب/ أغسطس موعداً أخيراً لذلك في جميع المحافظات، باستثناء محافظتي كركوك ونينوى، حيث قررت تمديد هذا الموعد إلى 15 تشرين الأول/ أكتوبر. ولا يمكن فهم هذه التوقيتات إلا في سياق التواطؤ الجماعي الذي تحدثنا عنه!
إن الحكم على أية انتخابات بأنها انتخابات نزيهة وشفافة، لا يمكن أن يقتصر على ما يجري في يوم الاقتراع وحده، فما يحدد نتائج أية انتخابات هي مرحلة ما قبل يوم الاقتراع من جهة، بداية من القانون، ومروراً بالإجراءات التي تتخذها الجهات المعنية بإنجاز الانتخابات، ومرحلة ما بعد الانتخابات من جهة ثانية، بداية من عمليات العد والفرز الأولي، ثم التدقيق، ثم الطعون، ثم إعلان النتائج. وثمة إجماع على أن هذه المراحل، فضلاً عن يوم الاقتراع نفسه، كانت تشهد، على مدى الانتخابات الماضية التي جرت في العراق، إجراءات منظمة ومنهجية لصالح الفاعلين السياسيين الأقوى لحظة الانتخابات، المسيطرين على مفاتيح هذه المراحل بالكامل. وبالتأكيد، لن تخرج انتخابات مجالس المحافظات القادمة عن هذا السيناريو المكرر!
كاتب من العراق
الإنتخابات كانت مزورة منذ الإحتلال! بل وحتى الإستفتاءات!! ولا حول ولا قوة الا بالله
هل العراق يعتبر دوله ؟ اي دوله هذه شكلها المحتل حسب خططه واجندته المرسومه منذ سبعينيات القرن الماضي والتي تمحورت اساسا حول كيفيه تدمير وتقسيم العراق .. كل شيء محسوب بدقه متناهيه تفوق خيال الاغلبيه المغلوبه علي امرها.. دروس استنبطت من الغزو المغولي الاول والغزو الصفوي الثاني ايام المقبور شاه عباس في القرن السابع عشر.. تم توليفها وخلطها خلطه بسيناريو غربي يتلاءم مع العصر الحالي والني تقضي بارجاع العراق لعصور التخلف والجهل والمرض والفقر واستعباد شعبه والاهم الفتك بالنسبج الاجتماعي العراقي وتفتيته مابين تقتيل وتهجير .. ايه انتخابات وايه دوله تتحدث يا اخي؟ انه حصاد الهشيم