أمن الممرات المائية وانعكاسه على تجارة الطاقة

شهد مضيق هرمز في الآونة الأخيرة تصعيدا في التوتر بين إيران والولايات المتحدة، خاصة بعد تعرض ناقلات نفط قرب المضيق لتفجيرات اتهمت أمريكا إيران بالتورط فيها، كما انضمت بريطانيا إلى الصراع بعد احتجازها ناقلة نفط إيرانية قرب جبل طارق، واتسعت دائرة التوتر بعد احتجاز إيران ناقلة نفط بريطانية أثناء عبورها مضيق هرمز رداً على احتجاز بريطانيا ناقلة نفط إيرانية في مضيق جبل طارق أثناء عبورها في طريقها إلى سوريا، الأمر الذي يطرح أسئلة حول مستقبل أمن الممرات المائية التي تعتبر شرايين حيوية لنقل النفط والبضائع بين عدد كبير من دول العالم، ويعتبر الأمن البحري واحداً من أكثر العوامل أهمّيَّة في أمن الطاقة في العالم وكذلك التجارة الدولية؛ فحدوث اضطرابات في عمل المضايق البحرية يمكن أن ينعكس سلباً على اقتصاديات الدول،ويضع العالم في أزمة من الطاقة بشقيها النفط والغاز.
للممرات المائية أهمية إستراتيجية في مجال التجارة الدولية وخاصة الطاقة منها. والممر المائي، عبارة عن مسطح مائي يمكن استخدامه للتنقل المائي دون ما حوله، ومن إشكاله الطبيعية الأنهار والمضائق ودلتا وتلك التي ينشئها البشر مثل قناة السويس.
ومن أهم الممرات المائية في العالم، مضيق البوسفور، مضيق جبل طارق، قناة بنما،مضيق هرمز، مضيق باب المندب إضافة إلى قناة السويس، حيث يمر عبر هذه المضايق يوميا (28) مليون برميل من النفط؛ فضلاً عن ذلك تمر (90) في المائة من إجمالي طاقة دول الخليج العربي،عبر مضيق هرمز الاستراتيجي ، كما تعبره (17،4) مليون برميل نفطي يوميا، بينما يعبر من مضيق باب المندب (4،8) مليون برميل نفط يوميا، في مقابل ذلك تمر منه (21) ألف سفينة سنويا.
أما قناة السويس فتعدّ الخط الواصل بين البحر الأحمر والأبيض المتوسط، ويمر منها سنويا (40) في المائة من إجمالي حركة السفن في المنطقة، ومليار طن من حجم التجارة الدولية، إضافة إلى (3،9) ملايين برميل نفط يوميا. للمعطيات المذكورة دلالة كبيرة على أهمية الممرات المائية بالنسبة للتجارة الدولية وخاصة النفط والغاز، وأي انعدام للأمن في أي ممر ستكون له انعكاسات خطيرة على التجارة الدولية وخاصة على الدول النامية ومنها الدول العربية.
بالنسبة للقانون الدولي حول الممرات المائية الدولية، فقد ظهر الاهتمام بالبحار في القانون الدولي في مرحلة متأخرة نسبياً، ففي السابق كان ينظر إلى البحار باعتبارها موانع طبيعية تحول بين تواصل الشعوب والدول مع بعضها البعض، فلم يكن المجتمع الدولي يشعر بأهمية هذه البحار كمنبع للثروات الحية وغير الحية أو حتى أهميته في الربط بين دول العالم، ومع مطلع القرن الـ17 بدأ التفكير في ضرورة صياغة قواعد تتعلق بتوضيح حق الدولة المتشاطئة على البحر إلا أنها كانت إنعكاساً لمصالح الدول ذاتها فكان الفقه يأتي معبراً عن ذلك. لقد أضحت وسيلة بين الشعوب والدول، بل أصبح ينظر إليها باعتبارها الوسيلة الأرخص والأوفر، فضلا عن اكتشاف ما تحويه من ثروات، مما استوجب التقنين من قبل المجتمع الدولي لما يتعلق بالحقوق والاختصاصات لدولة الساحل والدول الأخرى وكذلك تنظيم استخدام البحر في مجال الملاحة ومجال الاستغلال الاقتصادي، وهو ما بدأ بصياغة 4 اتفاقيات تسمى باتفاقية جنيف لقانون البحر عام 1958، والتي عكست كذلك ميزان القوة في العالم ما بين الولايات المتحدة من جانب والاتحاد السوفيتي السابق من جانب آخر.
وتمت إعادة النظر في تلك الاتفاقيات حتى تعبر عن الوضع الجديد. ومن ثم قامت الجمعية العامة للأمم المتحدة بدعوة مناقشة الاتفاقية وطالبت اللجنة القانونية عام 1970 بدراسة قانون البحر كمحاولة لإعادة النظر في الاتفاقية، واستمرت اللجنة 10 سنوات في دراسة المسألة حتى خرجت بمشروع عام 1982 تحت مسمى اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحر والتي ألغي بموجبها اتفاقيات جنيف، وأصبحت اتفاقية الأمم المتحدة عام 1982 هي القانون الدولي الحاكم للبحار، وقد قسمت البحر إلى عدد من المساحات تختلف من حيث سيادة الدولة عليـها.
واتجهت الأنظار الدولية إلى المضائق وأهميتها بالنسبة لحركة تجارة الضائع والطاقة، و كأداة للتحكم الاقتصادي خاصة في فترات الحروب والنزاعات ما بين مختلف دول العالم، وقد ارتبط التقنين الدولي للمضايق والخلجان –كجزء أساسي من البحر الإقليمي- بالقانون الدولي بالبحار ذاته، مما أدى إلى ظهوره في البداية مع اتفاقية جنيف لعام 1958 ثم اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار عام 1982، وقد صاحب هذا التطور تقدماً موازياً في النظرة إلى المضيق ذاته وأهميته في الملاحة الدولية.
إن التوترات الأمنية التي تشهدها بعض المضائق الاستراتيجية في العالم، وخاصة مضيق هرمز، تستدعي تنسيقاً وجهدا دوليا استثنائياً لإعادة التفكير في كيفية تأمين الممرات المائية في العالم، نظرا لما يسببه أي خلل أمني فيها من آثار خطيرة ومدمرة على إمدادات الطاقة والغذاء في العالم. قد يكون المتضرر الأكبر من فقدان امن الممرات المائية، الدول العربية المصدرة للنفط، حيث تساهم بنحو (30) في المائة من إجمالي إنتاج النفط العالمي يومياً، كما تساهم عوائد النفط العربية بنسبة كبيرة من النواتج المحلية للدول المصدرة.

كاتب فلسطيني مقيم في هولندا

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية