جهاز سلامة الغذاء بلا أنياب ولا هيكل وليست لديه آليات للرقابة والتفتيش على المطاعم ومحلات بيع السلع الغذائية

حسنين كروم
حجم الخط
0

القاهرة ـ «القدس العربي»: استحوذ الاحتفال الذي أقامه الرئيس عبد الفتاح السيسي لتكريم العلماء الحاصلين على جائزة النيل وجائزة الدولة التقديرية بمناسبة عيد العلم، الذي بدأه الملك فاروق عام 1944 وواصله عبد الناصر والسادات ومبارك ومحمد مرسي والرئيس المؤقت عدلي منصور.

فشل الحكومة في حل مشاكل الناجحين في الثانوية العامة وغول الأسعار يطال معظم السلع وتزايد التفاوت الطبقي

وتواصل الاهتمام الشديد بما أعلنه الرئيس من أن الدولة سوف تسترد كل شبر من أراضيها حصل عليها البعض، بدون وجه حق، وأن عهد الدولة الرخوة انتهي للأبد، وأصبحت في وضع أقوى، وهي حقيقة يلمسها الجميع ووصلت ذروتها بإعلانه إزالة مسجد أبو الإخلاص الذي يعترض طريق محور المحمودية في الإسكندرية، وأنهى بذلك تردد المسؤولين في المدينة عن اتخاذ هذا القرار، وحدد بشكل مبطن كل من بنى مسجدا أو كنيسة على أراضي الدولة بالمخالفة لها، والاستيلاء عليها، وأن الدولة هي التي تبني المساجد والكنائس في المنطقة، بعد تطويرها، وقوة الدولة تتبدي أيضا في أن احدا لم يعد يجرؤ على التصدي لحملات إزالة الإشغالات والتعديات على أملاك الدولة أو الأرصفة، وتتم تحت حراسة الشرطة، لأن الجميع يدرك أن الشرطة سترد بإطلاق النار فورا على من يقاومون، بعد أن اختبروا قوتها في عدة حوادت سابقة.
ونشرت الصحف المصرية الصادرة أمس الاثنين 19 أغسطس/آب تحقيقات عن الإنجازات التي حققها العلماء المصريون، وأحاديث مع الذين كرمهم الرئيس، وكذلك عن الاجتماع الذي عقده رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي مع الوزراء، وطلبه الاستمرار في خطة تطوير وسط القاهرة الخديوية وميدان التحرير، وفي خطة تطوير مصانع النسيج المملوكة للدولة، وإخلاء الوزارات تمهيدا للانتقال للعاصمة الإدارية الجديدة نهاية العام المقبل، وكذلك استمرار شركة مصر للطيران في رحلاتها لإعادة الحجاج المصريين، وإعطاء مساحة كبيرة لتغطية أحداث السودان، والمصالحة التي تمت هناك. وإلى ما عندنا…

حكومة ووزراء

ونبدأ بالحكومة ووزرائها، الذين فشلوا حتى الآن في وضع حل لمشكلة الناجحين في الثانوية العامة والقبول في الجامعات، المشكلة التي قال عنها في «الأخبار» عاطف زيدان تحت عنوان «مطاريد الثانوية العامة»: «قدم أكثر من 113 ألف طالب وطالبة من الحاصلين على الثانوية العامة تظلمات ضد النتائج المعلنة لتصحيح أوراق إجاباتهم، وكشفت عمليات فحص التظلمات أحقية 13111 طالبا في الحصول على درجات زيادة في الثانوية العامة، بعد تقديمهم للتظلمات، ما يؤكد وجود خلل رهيب في كونترولات الثانوية يضرب مبادئ العدالة والنزاهة وتكافؤ الفرص في مقتل، ويبدد أحلام الشباب في الالتحاق بالكليات التي يريدونها، ويفقدهم الثقة في النظام التعليمي. وقد عايشت بنفسي تجربة مع بنتي الكبرى قبل عشر سنوات، حيث اكتشفنا عند مراجعة صورة من أوراق الإجابة أن المصحح اعطاها الدرجة الكاملة لإجابة أحد الاسئلة، وجاء آخر يبدو أنه المراجع ليشطب تقدير المصحح، ويكتب بدلا منه صفر، رغم أن الإجابة مطابقة تماما لنموذج الإجابة الذي يلتزم به المصححون. الأسوأ هذا العام أن الجامعات الخاصة، وبالذات في كليات الطب البشري والصيدلة وطب الأسنان، رفعت درجات الحد الأدنى للقبول، لدرجة أن من حصل على 96٪ لا يجد مكانا. لقد أصبحت الثانوية العامة في مصر كابوسا مرعبا دون كل دول العالم، بسبب تطبيق أنظمة اختبارات عتيقة ناهيك عن العشوائية والفساد وغياب العدالة».

الفوارق الطبقية

أما نصر زعلوك في «الأهرام» فقد انتقد الحكومة بسبب تزايد التفاوت الطبقي في المجتمع وسيادة الفوضى في كل مكان وقال: «إذا ذهبت للساحل الشمالي تجد عشرات القرى السياحية المخصصة لفئات محددة دون غيرهم، تتمتع بأماكن متميزة، تشمل أجزاء كبيرة من ساحل البحر وتمنع أي أسرة عادية من الاقتراب من هذا المكان، أو الاستمتاع به، رغم أنه هبة من الله لجميع المصريين. مساحات واسعة من أرض الله وهبها للمصريين في الساحل الشمالي وغيرها من المدن الجديدة، ولا نجد سوى اسوار وبوابات القرى السياحية المتراصة المخصصة لمن يملك أو يستأجر بأرقام فلكية. حتى على مستوى الشوارع في القاهرة والمحافظات تجد الأرصفة مشغولة بمن يملك المال من أصحاب المقاهي والمحال التجارية، فهي مزدحمة بكراسي المقاهي أو الاستاندات أو السيارات لحرمان المواطن من حقه في السير عليها في أمان، بعيدا عن الازدحام. لابد من زيادة الاهتمام برعاية المواطن والعمل على إزالة الفوارق بين الطبقات خاصة في الرعاية الصحية والتعليم والإسكان وحتى الترفيه والاستمتاع بالشواطئ الجميلة في مصر».

الجوع لا يرحم

وليت الأمر يقف عند هذا الحد إنما أزمة الفوارق الطبقية امتدت إلى السلع التي ارتفعت بجنون، لدرجة أن المواطن المسكين زكريا عطا تادرس من الفيوم، أرسل رسالة استغاثة لجريدة «وطني» نشرته في باب البريد، الذي يشرف عليه وليانس روماني جاء فيه: «بعد أن ارتفع سعر كيلو اللحمة إلى عنان السماء واصبح في غير متناول الشريحة العظمى من الشعب، أصبحت اللحمة مجرد ذكرى للكثير منا. لم يتوقف غول الأسعار عند هذا الحد، بل طال معظم السلع الغذائية، فكم وصل سعر كيلو الدواجن الحية، بل كم وصلت أسعار السلع الشعبية مثل الأرز والفول المدمس والعدس، فماذا تبقى للمواطن المصري الغلبان ليأكله لكي يعيش فقط، بل الكسب اليومي اصبح مستحيلا أن يفي بالالتزامات اليومية في ظل غول الأسعار الذي يزداد يوما تلو الآخر، والعجيب والغريب أن حكومتنا تقف مكتوفة الأيدي أمام كل هذه الأمور، فهل تفيق حكومتنا من غفلتها وتضع حدا لذلك وتكون لها وقفة حقيقية ترحم بها القاعدة العريضة من الجوع الذي لا يرحم شريحة عريضة من الشعب المصري».

الزراعات المحمية

لكن الحكومة والدولة تلقيا تأييدا واسعا بسبب مطالبة الرئيس لها أن تعمل لتطبيق القانون وتستعيد كل شبر من أراضيها حصل عليه البعض، ومن يريد تقنين وضعه عليه أن يدفع ما تقدره الدولة (كاش) كما أكد في افتتاحه المرحلة الثانية من مشروع الزراعات المحمية في قاعدة محمد نجيب العسكرية، أن الدولة ستتواجد بقوة لإحداث توازن في السوق والأسعار، ودعا التجار ورجال الأعمال للتعاون معا فقال أشرف الريس في جريدة «روز اليوسف»: «الدولة الآن كسرت الاحتكار وقضت على المحتكرين لأي سلعة استراتيجية يعتمد عليها المواطن البسيط في مصر، وما رأيناه على أرض الواقع من فكر عملي في مشروع الصوب الزراعية التي افتتحها الرئيس السيسي منذ عدة أيام خير دليل على هذا الكلام، حيث أصبح عندنا أكبر المعامل الخاصة بالأنسجة النباتية وتقاوى الخضراوات، وتحديدًا لتقاوى البطاطس، التي احتكر بعض التجار زرعها واستيرادها لحسابهم الخاص، ووضعوا الفلاح بين مطرقة شراء التقاوى بأسعار باهظة، وسندان بيع المحصول بأسعار رخيصة، وجنوا هم مئات الملايين في سنوات سابقة، أما اليوم فقد دخلت الدولة على الخط من خلال التوسع في مشروع الصوب الزراعية، الذي يغطى احتياجات الناس من الخضراوات والفاكهة الطازجة، وبأسعار في متناول الجميع فكل تلك الخضراوات حاصلة على شهادة الجودة العالمية، حسب المنظمات الدولية الخاصة بتقييم الغذاء وجودته في مصر والعالم. كل التحية والتقدير لرجال القوات المسلحة المصرية التي تحمل السلاح لتدافع عن الحدود وتعمل ليل نهار في أرض الصحراء لكي تزرع لنا أجود أنواع المحاصيل من الخضراوات والفاكهة لسد احتياجات السوق المحلية وخلق فرص عمل جديدة للشباب في المحافظات المصرية».

اللوبي الاحتكاري

وفي «الوفد» أيد رئيس تحريرها الأسبق مجدي سرحان تدخل الدولة في الإنتاج وتوسعها فيه واعتبر ذلك لا يتعارض مع اقتصاديات السوق وقال موضحا: «حرص السيد الرئيس على التأكيد على أن هذا التواجد لا يعني أن الدولة تنافس التجار أو «القطاع الخاص» ولا يجوز تفسيره بأنه ارتداد على «الهوية الاقتصادية الحرة للدولة»، وإن كنا نرى أنه ليس هناك ما يمنع أبدا من أن تتدخل الدولة بكل قوتها لمقاومة الاحتكارات وحماية المستهلكين، ليس فقط عن طريق طرح منتجات بأسعار تنافسية، ولكن أيضا بمنع هؤلاء بالقانون و«بالقوة» إذا لزم الأمر من الإضرار بمصالح الوطن والمواطنين. نظرياً فإن دخول الدولة طرفاً في عمليات إنتاج السلع وتسويقها بأسعار تنافسية هو حل مثالي لضبط الأسواق وإعادة التوازن إليها، وهذا يكون كافياً في ظروف سوق عادية ومنطقية، بمعنى أن تكون دوافع هذا اللوبي الاحتكاري تنحصر فقط في تحقيق الأرباح».

أراضي الدولة

وننتقل إلى «اليوم السابع» ورئيس تحريرها التنفيذي أكرم القصاص الذي قال: «الرئيس عبدالفتاح السيسي جدد بشكل واضح الإشارة إلى المحليات والفوضى والاعتداء، عندما أشار إلى التعدي على أراضي الدولة، وعلى بحيرة كينج مريوط، وإقامة مزارع سمكية وتلويث البحيرة، والاعتداء عليها وتجفيفها، والبناء عليها وفرض أمر واقع، بل إن الرئيس قال بوضوح: «حتى المتعدين الذين تم تقنين أوضاعهم لا يدفعون حق الدولة»، وهي إشارات تستدعي تحركا من الجهات الرقابية لمعرفته، والإمساك بمن وراءه. الرئيس أعلن بشكل واضح أنه ستتم إزالة التعديات، وأن التقنين سيتم فى إطار القانون وقال: على كل محافظ ألا يسمح بترك متر أرض معتدى عليه، وأضاف: سيتم عمل محور بتكلفة من 2 إلى 3 مليارات جنيه، ويستفيد منه الأشخاص الذين تعدوا على الأراضي في كينج مريوط قائلا، «الكلام ده في مصر انتهى البلد أراضيها تتاخد كده؟ المفروض مافيش محافظ يسيب متر أرض لأحد من المتعدى عليها». وهل ينتظر المحافظون ورؤساء الأحياء أن يتحرك الرئيس ليقوم بعملهم؟ هناك صمت وعجز وتقاعس مريب من الأحياء والمحليات، وحتى فى القاهرة هل ينتظر رؤساء الأحياء والمحافظين أن ينزل الرئيس ليرى حجم الفوضى والإشغالات والتعديات واحتلال الشوارع والأرصفة؟».

بيئة الفساد

وإلى الفقر وتسببه في انتشار الفساد وهو ما ركز عليه في «الأهرام» محمد حسين بقوله: «قصة الفقر المزرية والمحزنة لا يمكن عزلها عن سرطان الفساد المتفشي في خلايا وأنسجة وعظام المجتمع، يلتهم الموارد والعوائد بشراهة وسعار لا يتوقف، ولا يرتدع ولا يخاف سوء عاقبة. الفساد مستنقع آسن مصدر لكل الأمراض، ولن يجدي في مكافحته اصطياد حشراته فقط، ولكن الخطوة الأساسية هي تجفيف المستنقع حتى لا يجد ذباب الفساد بيئة تحتضنه وتحميه وتطعمه، لذلك مهما بلغت قضاياه التي نجحت الأجهزة الرقابية في كشفها، فإن المستنقع يظل فاعلا ومنتجا بلا توقف. القضية شائكة وجروحها غائرة والتنمية وحدها لا تكفي مهما تبلغ عوائدها، لأن الفساد سيستأثر بثمارها فلا تسقط على الفقراء، وانما على الاثرياء الذين يأكلون لحم الوطن حيا».

رحمة بنقود البنات

أيمن الجندي في «المصري اليوم» يقول: «نحن أمام وضع جديد وعجيب فعلًا. لقد صارت أوبر وكريم تستنزفان معظم الدخل، خصوصًا لبنات الطبقة الوسطى، اللواتي لا يرغبن في البهدلة في وسائل النقل الأقل خصوصية. وربما تتهمها بالسفه والتبذير، حين تجدها تنفق معظم راتبها على أوبر وكريم، ولكن ضع نفسك مكانها. هي فتاة تريد أن تحتفظ بخصوصية جسدها ولا تلتصق بذلك الراكب في الميكروباص جوارها. ناهيك عن رائحة العرق والحوار العدمي، الذي لا ينتهي بين الركاب على أشياء بائسة بطبعها. ولَمّ الأجرة الذي هو في ذاته عمل ملحمي، ودليل لا يُدحض على عبقرية الحياة وقدرة الأحياء على التكيف. كلنا ركبنا الميكروباص ونعرف الأجواء الملحمية كل يوم، وتكفي لصنع عشرة كتاب عباقرة من وزن تشيكوف. نعود لموضوعنا، الفتاة – يا ولداه- تريد أن تذهب إلى العمل برائحة طيبة وثياب غير مبتلة بالعرق. زِد على ذلك أنه يندر أن توجد مواصلة واحدة تنقلها من بيتها لمكان العمل. لا بد أن تمر على نقطة توزيع لتركب ميكروباص آخر، وتتكرر المهزلة، في النهاية تذهب منهكة ملوثة مبتلة بالعرق محطمة تمامًا. لذلك تضطر هذه البنت المسكينة إلى التضحية بنقودها الحبيبة، من أجل ركوب سيارة مكيفة تقلها إلى مكان العمل مباشرة. هذا إذا استطاعت طبعًا، وربما ينبرى سائل فيقول في ذكاء: «لماذا لا تركب أوبر وكريم وسويفل باص، وسيكون ما تدفعه أقل بكثير؟» وقد أجابت البنات بما يلي: «لا تمر جوارنا إحدى هذه المركبات. وبالتالي عليّ أن أركب أوبر أو تاكسي أولًا للوصول لنقطة مروره، ثم إنه لا يوجد ضمان أن يوصلني إلى مكان عملي، وبالتالي إما أن أمشي بعدها لمسافات شاسعة، أو أضطر لركوب أوبر للمرة الثالثة». وهكذا يبدو الأمر ممعنًا في اللاجدوى، شبيهًا بأسطورة سيزيف، الذي يحمل الصخرة إلى أعلى الجبل لتنحدر مرة أخرى. في أوروبا الوضع مختلف. ببساطة لا توجد نقطة في المدينة لا يمكن الوصول إليها بمواصلات عامة راقية جدًا، المترو والباص والترام والقطار تكوّن في ما بينها شبكة ذكية. صحيح أن سعر التذكرة المفردة اثنان يورو، أي ما يقترب من أربعين جنيهًا. ولكن الاشتراك الشهرى والسنوى أرخص بكثير، وفي النهاية متناسب مع دخولهم الفعلية. الأصل يا أصدقاء أن النقل يجب أن يكون عامًا. فؤاد زكريا حسم الموضوع في كتابه الرائع «التفكير العلمي»، حيث خلص إلى أن العالم بأجمعه يرى أن استخدام الأفراد للسيارات ينطوى على سفه وازدحام مروري، وأن النقل يجب أن يكون عامًا. نتمنى أن تشارك شركات القطاع الخاص في ما بينها في تكوين شبكة مرورية لائقة تصل بنا من أي نقطة إلى أي نقطة. فحرام- والله- أن تضيع رواتب الشباب على أوبر وكريم».

روح التعصب المقيتة

عماد الدين حسين في «الشروق» يتساءل: «هل الأجهزة المحلية في محافظة الإسكندرية تحركت بسرعة وأغلقت المطعم الموجود أسفل شقة أم شيرين في العصافرة، لأنه مخالف للقانون ولمواصفات الأمن الصناعي؟ أم لأن صاحبه سورى الجنسية؟ طالعنا تفاصيل أزمة المطعم السوري، الذي اشتكت منه سيدة تسكن فوقه، وأرسلت استغاثة للرئيس وتفاعل معها جمهور وسائل التواصل الاجتماعي، حتى قامت الأجهزة المحلية بتشميع وإغلاق المطعم وإزالة المخالفات بعد ساعات من الشكوى. وهو أمر جيد أن تبادر الأجهزة المحلية إلى تنفيذ القانون بسرعة. لكن أسوأ ما في هذه القضية هو «الروح الجاهلية المتعصبة» التي تعامل بها البعض، وحصر القضية في أن صاحب المطعم سوري (صلاح طحاوي)، وأنه استقوى بالمال على سيدة مصرية مسنة. في رسالة استغاثتها قالت السيدة: «السوريين فتحنا لهم بلدنا، يرضيك يعملوا فينا كده يا ريس، أنا انتخبتك مرة ومرتين، وأنا بمشي على كرسي متحرك، متسيبش السوريين يطلعونا من بيوتنا». أتفهم غضب هذه السيدة التي تشكو من وجود مطعم يعمل طوال الوقت تحت بيتها، لكن السؤال المنطقي الذي ينبغي أن نسأله في هذه القضية هو: ما هي أهمية جنسية صاحب المطعم السورية في الموضوع؟ «وهل كانت شكوى واستغاثة السيدة ستختلف لو أن جنسية صاحب المطعم مصرية؟». والسؤال الأهم موجه إلى الذين انتفضوا على وسائل التواصل الاجتماعي هو: هل كنتم ستتضامنون مع هذه السيدة بالحرارة نفسها، لو أن صاحب المحل مصري؟ أشك في ذلك كثيرا، والسبب أن هناك مئات الآلاف من أصحاب المطاعم والمحلات والورش والمنشآت يفعلون ما فعله صاحب المطعم السوري، وهناك ملايين المصريين يعانون مما عانت منه السيدة أم شيرين شومان، لكن الفارق أن أصحاب غالبية هذه المحلات والورش مصريون، يعني «زيتنا في دقيقنا». أن يتحرك الجميع بسرعة لأن صاحب المطعم سوري، هو أمر غريب وفيه جانب من «الشعبوية الممقوتة». صاحب المطعم مدان بأشد العبارات قوة، لأنه مخالف للقانون ولمواصفات الأمن الصناعي، وليس لأنه سوري الجنسية. وبالمناسبة لم يتوقف كثيرون من أصحاب الحملة عند اعتذار صاحب المطعم للسيدة ولكل المصريين. هو وضع فيديو على صفحته على الفيسبوك يقول فيه: «أعتذر لكل إنسان مصري عما بدر منه من إساءة.. بنات هذه السيدة أساءوا لي وقلت لهن: أريد أن أكلم رجلا في العائلة لأن هذه تقاليدي، ولا أريد أن أتشاجر مع سيدات، وعندما رفضن قلت لهن كفاية افتراء، وإن تلك الأسرة عرضت عليه أن يشترى شقتهم بثمن يفوق قيمتها بأربعة أضعاف، وعموما أنا مستحيل أغلط في واحدة في مكانة أمي». هذا كلام صاحب المطعم وبغض النظر هل كلامه صحيح أم لا، فأنا أميل إلى أن مطعمه مخالف، شأنه في ذلك شأن مئات الآلاف من المحلات والمنشآت المخالفة في مصر. هل نلوم صاحب المطعم لأنه مخالف؟ نعم علينا أن نفعل ذلك بقوة، لكن علينا أن نلوم أكثر من سمح له ولغيره بالاستمرار، في المخالفات طوال السنوات الماضية. للأسف الشديد كشفت هذه الحادثة عن روح التعصب البغيض لدى بعضنا. الكثيرون تعاطفوا مع السيدة، ليس لأن الرجل مخالف، ولكن لأنه سوري فقط، استمرارا لجزء من الحملة ضد السوريين التى بدأت منذ شهور، على أساس أنهم أخذوا فرص عمل بعض المصريين، علما أن عددهم في مصر أقل من 200 ألف شخص في حين أن عددهم في لبنان والأردن مثلا قد يتجاوز المليون، وهو موضوع ليس اليوم أوان مناقشته. شخصيا أنا مع تطبيق القانون بقوة على شخص يخالف القوانين، سواء كان مصريا أم من أي جنسية أخرى. مشكلة أم شيرين الأخيرة كشفت عن أن السوشيال ميديا تقود المجتمع أحيانا بطريقة «القطيع»، وتوجهه إلى مسارات، يبدو ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، والدليل أن جوهر المشكلة الأخيرة كان هو جنسية صاحب المطعم، وليس المخالفات. أتمنى أن يتحلى رواد وقادة وناشطو وسائل التواصل الاجتماعى بصفات مثل، التحقق والتوثيق والتواضع والتروى والتعلم، وهم يفجرون القضايا، أو يتفاعلون معها، حتى لا يساهموا بقصد أو من دون قصد في إشعال روح التعصب والعداوة ضد شعب عربي شقيق، نزح إلى بلدنا وغيرها من البلدان العربية والأجنبية هربا من حرب أهلية طاحنة، وإرهاب أعمى منذ عام 2011».

دعوات للتشتت!

ونبقى مع مشكلة صاحب المطعم السوري في الإسكندرية مع السيدة المصرية التي ضايقها بسبب دخان الشواء تحت شقتها وغلقه الممر في المنزل وعودة البعض في السوشيال ميديا لمهاجمة السوريين وهو ما تصدى له أيضا أمجد المصري في «الأسبوع» بقوله: «أخطأ الرجل وتمت معاقبته بإغلاق المحل، بعد ثبوت وجود مخالفات سابقه ضده، حتى إن تطرق البعض لكون هذه المخالفات قديمة، وتم التغافل عنها لمده طويلة، فهذا شأن الأجهزة الرقابية التي نثق أنها ستتابع الأمر جيدًا ولكن في النهاية انتهت القصة الفردية، وحصل الرجل على عقابه، فلماذا التهويل وتعميم الأمر على أنه ظاهرة، والتطرف في الهجوم لنصل إلى أن ينادي البعض بطرد جميع الأشقاء المحتمين بأمن مصر وحضنها إلى خارج الديار. ليست مصر أبدًا التي تتخلى عن أبناء العروبة، حتى إن تجاوز بعضهم في حقها ولنقرأ كتب التاريخ لنعلم أن مصر فقط هي من فتحت أبوابها دائماً أمام كل أبناء الجنسيات العربية، فهذا قدرنا ودورنا الذي لم ولن نتخلى عنه مطلقاً، ولكننا بالفعل قد تمادينا مؤخراً خلف دعوات التشتت التي لا تصب إلا في مصلحة من يكرهون هذه اللحمة العربية، فأصبحنا عنصريين بعض الشيء، ونسينا أن مصر وسوريا بينهما تاريخ وعطاء مشتركين، لا يمكن اغفالهما أبداً. واقعة تدق أجراس الخطر وتنذر بأن الأمر يحتاج إلى إعادة بث روح الهدوء داخل أرجاء هذا العالم الافتراضي الصاخب، الذي أصبح يكيل بمئات المكاييل يميناً ويساراً في قضايا متشابهة، رغم نقص المعلومة والافتقار إلى دقة القرار، ويبقى الأهم لدينا أن نذكر هؤلاء بأن لنا من أبناء مصر أكثر من 10 ملايين مواطن يعيشون في بلدان أخرى، عربية وغربية للعمل والرزق والدراسة في شتى بقاع الأرض، فلماذا ننكر على الآخرين أن يعيشوا بيننا ما داموا قد التزموا بقواعدنا وأصول مجتمعنا وأن نحاسب من يخطئ أو يتعدى».

هل من حل للمشاكل المتفاقمة؟

ما زال الحديث مستمراً حول إيجاد الحلول للمشاكل المتفاقمة منذ زمن طويل، وفي رأي بهاء أبو شقة في «الوفد»، فشلت كثير من الحكومات المتعاقبة في إيجاد الحلول، والبحث عن راحة المواطنين.. ومن أجل هذه المشاكل اندلعت ثورتان عظيمتان. ومن حق الناس أن يشعروا بنتيجتهما وأن يجنوا ثمار الثورتين. ضربنا من قبل أمثالاً لعدد من الأزمات التي تلاحق المواطنين، والكل يعرفها، لكن الهدف هو تبصير المسؤولين بأهمية إيجاد الحلول التي تريح الناس. لو تخلصنا من الفوضى والإهمال ما وجدنا نهب الأموال من حصيلة بيع الشركات في نظام الخصخصة الذي تم.. هناك أموال طائلة تم نهبها بالإضافة إلى عمولات سمسرة كثيرة تم نهبها من حصيلة البيع. بالإضافة إلى تشريد العمالة في هذه الشركات. القصور الشديد والفساد الأعظم الذي وقع في عمليات بيع الشركات، كان سبباً في تفاقم العديد من الأزمات، التي عجزت حكومات متعاقبة عن التعامل معها. وعلى سبيل المثال لا الحصر شركات الغزل والحلج والنسيج، التي تم بيعها بأسعار بخسة وضياع أموال كثيرة على سبيل السمسرة، وإهدار حقوق العمالة فيها، والتي قامت برفع العديد من الدعاوى القضائية للحصول على حقوقهم بدون جدوى. وكلنا يعلم أن المحاكم في ما بعد البيع أصدرت أحكاماً كلها كشفت السلبيات الشديدة، وفساد عمليات البيع، وإهدار حقوق العمالة، بل تشريدهم. لو أن هناك نظامًا معمولاً به ما حدث ذلك، لأن المسؤولين كانوا سيشعرون بوجود رقابة عليهم تمنعهم من ارتكاب هذه المفاسد. الرقابة الشديدة تمنع إهدار المال العام، وتمنع جرائم الرشوة والمحسوبية، وتقضى على نظام السمسرة والدفع من تحت، أو فوق المنضدة كما يقولون. الرقابة السابقة تحول دون وقوع الفساد، ولأن الأمور وصلت إلى ذروتها فشاعت الفوضى في كل مناحي الحياة وبات الشاكي مصاباً بحالة لامبالاة منقطعة النظير، ليقينه أن شكواه لن تصل إلى المسؤول الجاد لحلها، بل الأدهى أننا نجد هذه الشكاوى تصل في النهاية إلى المشكو في حقهم، وبذلك يكون هو الخصم والحكم في آن. فهل نتوقع خيراً بعد ذلك؟ وهل يعقل بهذا المنطق المعوج والمعطيات غير الصحيحة أن نحصل على نتائج إيجابية وطيبة؟ من أين يأتى ذلك بعد هذا الفساد والخراب؟ آن الأوان أن ينتصر المواطن المقهور لنفسه ويحصل على حقوقه كاملة غير منقوصة، وبمعني أوضح يجب أن يشعر المواطن بالتغيير المنشود لتحقيق أحلامه واحترام آدميته وكرامته، التي باتت لسنوات مهدرة، لا تجد من يدافع عنها أو يقتص ممن ارتكبوا الجريمة في حقها.. وهذا ما أعلنه مؤخرًا الرئيس السيسي عندما أعلن الحرب على الفوضى والإهمال من أجل توفير الحياة الكريمة للمواطنين».

«معدتنا تهضم الزلط»

صديق أحمد إبراهيم في «الوطن» الدكتور أسامة حمدي، أستاذ الباطنة والسكر في جامعة هارفارد الأمريكية، خلال زيارته الأخيرة لمصر تمنت زوجته تناول العشاء في الهرم، وبالفعل اختار أفخم مطعم خلفيته الأهرامات، وقبل عودته إلى منزله أصيب بنزلة معوية شديدة، أنقصت من وزنه 4 كيلوغرامات، وكادت تنهي حياته، ويواصل الكاتب قائلا، حدث الأمر نفسه مع صديقي طبيب العيون بعد تناوله الغداء في مطعم أسماك شهير في مصر الجديدة، وأيضاً مع أسرة سعودية أكلت في مطعم فخم بالتجمع.. والأمثلة كثيرة لمواطنين وسائحين، بل ومع كل قراء هذا المقال، حيث يصابون بالتسمم الغذائي بعد تناول أطعمة في أهم وأفخم المطاعم والفنادق، فما بالنا بطعام عربات الشوارع ومطاعم الدرجة الثانية والعاشرة. ورغم أنني لا أحب التعميم، فإنه يجب الاعتراف بوجود مشكلة كبيرة في تناول الطعام خارج المنزل، هناك مغالاة كبيرة في أسعاره غير مبررة، مع عدم جودته وسلامته، بسبب غياب الرقابة على المطاعم، حتى وصل الأمر إلى درجة تحذيرات للأجانب قبل زيارتهم لمصر من تناول طعامنا، وهذه سمعة سيئة تضر بالسياحة والاستثمار، كما أن تلوث الغذاء يكلف الدولة المليارات لعلاج الأمراض الناتجة عنه. الزراعة هي المصدر الرئيسي للغذاء، والسلع الزراعية المصرية تشهد حالياً تطوراً كبيراً من حيث جودتها للمستهلك المحلي وللتصدير، والدولة تبذل جهوداً مشكورة لضبط استخدام المبيدات والأسمدة ومنع الزراعة بالصرف الصحي، ونجحت في ذلك، بدليل أن صادراتنا الزراعية حالياً تغزو الأسواق العالمية، ما يؤكد جودتها، لأن هذه الدول تضع شروطاً قاسية على استيراد الغذاء ولا تتهاون فيها. إذن مشكلة التسمم الغذائي ليست في السلع ولكن في المطاعم، سواء كانت في الفنادق الفخمة أو الشوارع، وهذه مسؤولية الدولة، لأن المواطن يأكل بضمانها من أي مكان. ويُفترض أن الأجهزة قامت بواجبها، وتأكدت من سلامة الغذاء قبل تقديمه للمواطنين، وهذا غير حقيقي لأننا نرى بأعيننا حتى أمام المستشفيات والمدارس والمؤسسات الحكومية عربات الأكل أكبر مصدر للتسمم الغذائي. حقاً أصبح لدينا جهاز لسلامة الغذاء أنشئ مؤخراً، ولكنه بلا أنياب ولا هيكل، وليست لديه آليات للرقابة والتفتيش على المطاعم ومحلات بيع السلع الغذائية، وما يتم ضبطه من الأغذية الفاسدة وغير الصالحة للاستهلاك الآدمي، قليل جداً بالنسبة لحجمها الحقيقي. الدول التي أقل منا تعليماً وثقافة وفقراً لا تتهاون إطلاقاً في سلامة الغذاء، ومواطنوها وزائروها يأكلون في الشارع مثلما يأكلون في أفخم المطاعم، فالجودة واحدة، وكذلك سلامة ونظافة الغذاء، الفرق فقط في الأسعار، ومن يتلاعب يلقى مصيراً مجهولاً وتغلق منشأته تماماً. أما نحن فما زلنا نقول أن «معدتنا تهضم الزلط»، وهذا غير حقيقي، فالتلوث الغذائي دمر صحة المصريين، واستنزف أموالهم وأيضاً ميزانية الدولة. أما القاتل حقاً فهو الزيوت المهدرجة، كالسمن الصناعي الموجود في جميع المعجنات كالتورتة والكحك ومعظم الحلويات والبسكويت والبطاطس المحمرة والمقليات. ويكفي تناول غرام واحد منه يومياً ليزيد فرصة حدوث جلطات القلب بنسبة 93٪، وللأسف مصر أكثر دولة في استهلاك هذا السمن المصنّع من الزيوت المهدرجة، الذي منعته تماماً الدول المتقدمة لخطورته الشديدة. ويحزنني جداً مشاهدة إعلانات السمن في الإعلام بلا وعي أو رقابة من الدولة، فهو السم الغذائي القاتل في علب الصفيح، أيضاً تناول الدهون المخلقة كاللانشون والهوت دوغ والبلوبيف وغيرها. سلامة الغذاء قضية أمن قومي ومسؤولية كل الأجهزة ورجال الدين والإعلام والتعليم والثقافة والفن، ويحتاج لسلسة مقالات.. والله الموفق والمستعان».

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية