تونس-“القدس العربي”: أعلن رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد عن تخليه عن منصبه لصالح وزير الوظيفة العمومية كمال مرجان الذي سيتولى المنصب إلى حين تسلم الحكومة المقبلة مهامها نهاية هذا العام. وسيتفرغ الشاهد للانتخابات الرئاسية التي ستجري منتصف الشهر المقبل باعتباره أحد المترشحين البارزين خليفة للرئيس المؤقت محمد الناصر رئيس مجلس النواب السابق الذي تولى مهام الرئاسة إثر وفاة الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي.
ولعل اللافت أن تونس يتم تسييرها اليوم من قبل رئيس جمهورية مؤقت هو محمد الناصر، ورئيس برلمان بالنيابة هو الشيخ عبد الفتاح مورو ورئيس حكومة مفوض هو كمال مرجان، ومن دون وزير دفاع بعد أن استقال عبد الكريم الزبيدي من منصبه وترشح لرئاسة الجمهورية. ورغم ذلك فإن البلد مستقر والمرافق العامة تسير بشكل طبيعي وبدون أي خلل وكأن هذه الاستقالات والتغييرات لم تحصل في أعلى هرم السلطة وفي أرفع المناصب.
حياد الإدارة
وللإشارة فإن كمال مرجان هو آخر وزير خارجية في عهد زين العابدين بن علي ويصنف من الدساترة “المعتدلين” الذين انخرطوا في المنظومة الجديدة وتوافقوا مع الإسلاميين، وكان يرأس حزب المبادرة الدستورية الديمقراطية الذي اندمج مع حزب “تحيا تونس” الذي أسسه يوسف الشاهد. وأصبح كمال مرجان بعد هذا الاندماج رئيسا للمجلس الوطني لحزب تحيا تونس فيما أصبح يوسف الشاهد رئيسا لهذا الحزب ونال كمال مرجان قبل ذلك حقيبة الوظيفة العمومية في حكومة يوسف الشاهد.
ويعاب على الشاهد تنازله عن رئاسة الحكومة لأحد قيادات حزبه مما لا يضمن حياد الإدارة خلال الانتخابات الرئاسية وهو الذي ابتعد عن القصبة (مقر رئاسة الحكومة) حتى يضمن حياد الإدارة خلال الاستحقاق الرئاسي السابق لأوانه الذي سيجرى أواسط الشهر المقبل. ويرى البعض أن ترشح الشاهد لرئاسة الجمهورية حرم كمال مرجان من لعب آخر أوراقه بالنظر إلى تقدمه في السن خاصة أن حظوظ وزير الوظيفة العمومية الحالي ووزير الخارجية والدفاع الأسبق تعتبر وافرة مقارنة ببقية المرشحين بمن فيهم رئيس الحكومة يوسف الشاهد.
الجنسية المزدوجة
ومن الاشكاليات التي تطرح فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية التونسية مسألة المترشحين مزدوجي الجنسية حيث تبين أن نسبة هامة من المترشحين هم من حملة الجنسيات الأجنبية وخصوصا الفرنسية التي تكررت لدى أكثر من مترشح. فرئيس الحكومة المتخلي عن مهامه يوسف الشاهد كان الاعتقاد السائد أنه من حملة الجنسية الأمريكية إلى جانب التونسية لكنه فاجأ الجميع وأعلن عن تخليه عن الجنسية الفرنسية طواعية مستبقا فرضية النبش وراءه واكتشاف هذه الجنسية.
وتساءل البعض كيف أمكن للشاهد أن يخفي هذا الأمر طيلة ثلاث سنوات من رئاسته الحكومة؟ كيف يكون رئيسا هو أو غيره في أعلى هرم السلطة وقد أقسموا على الولاء لدولة أخرى قد تتعارض مصالحها مع المصلحة التونسية في أكثر من مناسبة؟ وتذكر كثير من التونسيين معركة التجنيس التي انخرط فيها الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة ضد الاستعمار الفرنسي والتي بمقتضاها منع على التونسيين المجنسين والحاصلين على الجنسية الفرنسية ان يدفنوا في مقابر التونسيين.
وفي هذا الإطار يقول الناشط الحقوقي والسياسي التونسي سليم الشاهد لـ”القدس العربي” إن مسألة حمل رئيس الحكومة لجنسية أخرى أو جنسيتين ليست دليلا على عدم الوطنية أو على عدم القدرة على أداء المهام، وإنما هي عامل إثراء حضاري يساعد في عملية التواصل مع الآخر والبناء في شتى مجالات التعاون. ودعا محدثنا إلى النظر إلى البلدان الغربية وإلى الديمقراطيات العريقة حيث يصل أشخاص إلى المناصب العليا والرفيعة وليسوا فقط من حملة جنسيات أخرى، بل من مواليد بلدان أخرى عاشوا وترعرعوا فيها ثم هاجروا لاحقا ونالوا جنسية البلد الذي ترشحوا فيه حيث تم قبولهم ومنحهم إمكانية الترشح في الانتخابات والحصول على المناصب العليا.
أما عن قصة معركة التجنيس زمن الاستعمار والتي انخرط فيها بورقيبة ويستشهد بها البعض فإنه لا يجوز، وحسب محدثنا، التحجج بها لأن الزمن غير الزمن والظرف التاريخي غيره. ففي ذلك العصر، فكرت فرنسا في ضم تونس إلى ترابها مثلما فعلت مع الجزائر وتغيير صيغة التواجد من نظام الحماية إلى الضم النهائي وإلحاق البلد بالأراضي الفرنسية ومنح التونسيين الجنسية الفرنسية. فكان لزاما على كل وطني غيور أن يحارب عملية تجنيس التونسيين حتى لا تذوب الخضراء في الكيان الفرنسي وتجد فرنسا الذريعة لإقناع المجتمع الدولي بأن التونسيين لديهم الرغبة في الانضمام إليها.
ويضيف محدثنا قائلا: “لقد تنازل يوسف الشاهد عن مهامه لرجل دولة حقيقي هو كمال مرجان صاحب الحقيبتين السياديتين، الدفاع والخارجية، ووزير الوظيفة العمومية والإصلاح الإداري حاليا وصاحب خبرة الثلاثين سنة عملا في المنتظم الأممي. وبالتالي لا خوف في رأيي المتواضع على العمل الحكومي وأيضا لا خشية على حياد الإدارة خلال الانتخابات، لأن كمال مرجان صديق لجميع التيارات السياسية وليست لديه مشاكل مع أي طرف سياسي ولديه من الخبرة والنضج والأخلاق العالية ما يجعله محل ثقة من أغلب الأطياف.
إن تونس اليوم هي جمهورية بكل ما للكلمة من معنى وبلد مؤسسات لا يتأثر بالأشخاص الذين نراهم يتداولون على المناصب، يأتون ويرحلون بسلاسة وباحترام تام للدستور والقوانين. فمنذ أكثر من شهر كانت البلاد تدار برؤساء ثلاثة وتغير ثلاثتهم في ظرف وجيز بدون أن يشعر أحد بهذا التغيير ولا شيء تعطل في البلاد التي باتت اليوم أول ديمقراطية عربية غير طائفية وغير محروسة لا من ملك أو مؤسسة عسكرية”.