كان خطاب نصر الله مقرراً مسبقاً، وكان يفترض أن يعنى بشؤون الجبهة السورية بوجه عام، غير أن سلسلة الحوادث مع حزب الله والحرس الثوري الإيراني أفقد نصر الله هدوءه. فقد حاول تثبيت الصوت والخطابة كالمعتاد. وطالما عني بالمعركة الطويلة التي يخوضها حزب الله مع داعش والمنظمات المشابهة في سوريا، ولكنه فقد هذا تماماً حين انتقل بالحديث عن العمليات الأخيرة الجريئة لإسرائيل في المجال السوري واللبناني.
بصوت مرتعد بالتوتر، وعد نصر الله: لبنان لن يكون العراق. لن ندع واقع الهجوم الجوي مرة كل يومين يصبح عادة عندنا. حكومة لبنان، قال، يمكنها أن ترفع شكوى إلى مجلس الأمن، كله خير، وحزب الله هو الضامن بألا تحلق طائرات إسرائيلية في سماء لبنان بعد اليوم، وسيكون هناك رد لكل عملية إسرائيلية. ليس عملية ثأر هزيلة من مزارع شبعا التي تملك إسرائيل طريقة محددة للتصدي لها، بل ثأر من داخل لبنان. ركز نصر الله النار على نتنياهو الذي يدير -على حد قوله- حملة انتخابات على حساب دماء الإسرائيليين. عندنا سيقولون رداً على ذلك: حسناً أيها السيد الصارخ المتحمس، لا نزال ننتظر الثأر الذي وعدت به على تصفية مغنية في 2008 – ولكن الحقيقة أننا قلقون جداً.
لا يختلف نصر الله عن زعماء آخرين يناورون بين قواعدهم وباقي العالم. فنشطاء حزب الله الثابتون طالبوا برد مظفر على العمليات التي جرت في الضاحية وفي سوريا، وضغطوا في هذا الاتجاه كل اليوم. أما نصر الله، مثل كثيرين منا، فيتراسل مع “تويتر” ومكشوف جداً أمام تأثير وسائل الاتصال الاجتماعية على الحوار الذي ذكره مرتين في أثناء خطابه. بالمقابل، في أوساط الجمهور العام في لبنان، خارج معاقل تأييد حزب الله في الضاحية في الجنوب الشيعي، هناك رغبة متدنية جداً في حرب مع إسرائيل، والتي تعتبر مغامرة هدامة لخدمة إيران. ولما كان حزب الله جزءاً مركزياً في الحكومة، فعليه أن يأخذ بالحسبان هذه الأصوات.
من الصعب أن نفوت حقيقة أن الأعمال المنسوبة لإسرائيل في العراق لمست عصباً حساساً لدى نصر الله. فتسليم الحكومة هناك، وحتى تسليم الميليشيات الشيعية، مع العادة الإسرائيلية الجديدة للهجوم على الأهداف داخل الدولة، يبدو له كالإفلاس المطلق. ولن نكون مثلهم، قال في الخطاب. قواعد اللعب التي اعتادت عليها إسرائيل منذ حرب لبنان الثانية ألغيت، وابتداء من يوم غد سنبدأ بالرد.
في الوقت الذي صرخ فيه نصر الله من بيروت، ففي بلدة الاستجمام الجميلة في بياريتس، حيث اجتماع زعماء القوى الاقتصادية السبع الأكبر في العالم، هبط طيف مفاجئ.. وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف. ومن جراء محادثات مع محافل محلية وفي واشنطن، يُقدر أن ماكرون، الذي تناول طعام الغداء في وليمة خاصة مع ترامب، حصل بشكل ما على موافقة على مجيء وزير الخارجية الإيراني، الذي فرضت الولايات المتحدة عقوبات شخصية عليه وتربطه أكثر من أي شخص آخر بالاتفاق النووي مع إدارة أوباما. هذا انتصار جميل لماكرون الذي استغل فهم ترامب المحدود كي يطبع تواجد ظريف، ولكنه حدث مقلق من ناحية إسرائيل، وإذا لم تحذر ستجد نفسها مع إدارة أمريكية أخرى تعقد الصفقات مع النظام الإيراني، وحينئذ سيكون من الصعب عليها معارضتها.
بقلم: شمريت مئير
يديعوت 26/8/2019