حزب البعث وأمانة التأريخ
حزب البعث وأمانة التأريخ يعرف الناس أن التأريخ يكتبه، أو يزوره في الأغلب، المنتصرون. أما أن يفعل ذلك الخاسرون أو المهزومون فتلك ظاهرة جديدة ربما إبتدعها العرب مؤخرا في الكتب والمذكرات العديدة التي صدرت في العقود الماضية وحاول فيها عدد من العراقيين، علي سبيل المثال، كتابة تأريخ العراق من زاوية تمجيد الذات ورد الشبهات. حيث ظهر أن أحدا لم يرتكب خطأ وأن الآخرين كانوا دائما علي خطأ!وقد نشرت القدس العربي خلال الأيام الماضية بضع حلقات للسيد حازم جواد عن أحداث ثورة 8 شباط 1963، ورغم أن ثورة 8 شباط لا قيمة لها اليوم بمقدار تعلق الأمر بمجريات الحدث العراقي، ورغم أن المقالات ليست من نوع التحليل التأريخي مما يمكن أن يكون له قيمة في دراسة تأريخ العراق السياسي المعاصر، إلا أن الأمانة تقتضي أن يصحح الأحياء قبل فوات الأوان تلك الهفوات التي وردت في المقالات.وليس لي أو لغيري ممن لم يكن في موقع القرار أو السلطة أن يعلق علي ما كتبه السيد حازم جواد، حيث أن ذلك واجب تأريخي علي الذين يعرفون ويسكتون ومنهم من ما زال حيا ممن كانوا في القيادة القطرية لحزب البعث ومنهم من كان في موضع عسكري يمكنه من معرفة ذلك.إلا أن في المقالات ما يمكن لغير المطلعين علي جزئيات الحدث أن يتوقفوا عندها ليتساءلوا عن مصداقية السرد إذا كانت قاعدة المقال هي تضخيم وتعظيم الكاتب. فلا يغيب علي القارئ أن يتلمس في كل الحلقات إشادة مبالغا فيها بدور الكاتب علي حساب رفاقه، فالعظيم في التأريخ لا يقول عن نفسه ذلك وإنما يقولها عنه الآخرون.وحتي لا نخرج عن هدف هذه الملاحظة القصيرة، نتوقف فقط عند الصيغة التي عرف فيها السيد حازم جواد نفسه بوصفه أمينا لسر القيادة القطرية للحزب ورئيس المجلس الوطني لقيادة الثورة وقتها. فأما الإدعاء بكونه أمينا لسر القيادة فنحن نعرف أنه لم يكن ذلك حيث أن أمين سر القيادة القطرية يومها كان السيد علي صالح السعدي. ونترك للأحياء من أعضاء تلك القيادة تصحيح هذا الإدعاء.إلا أننا قادرون علي دحض الإدعاء الثاني في رئاسة المجلس الوطني لقيادة الثورة مستندين في ذلك إلي قانون ذلك المجلس. فقد شرع القانون رقم 25 لسنة 1963 قانونا للمجلس الوطني لقيادة الثورة ليحدد تشكيل المجلس وسلطاته وعضويته. فحددت المادة الأولي تركيبة المجلس من الذين قادوا الثورة علي ألا يتجاوز عددهم العشرين عضوا. وليس هناك شك لدي أحد أن أعضاء القيادة القطرية لحزب البعث، والذين كان السيد حازم جواد أحدهم، كانوا أعضاء في المجلس. وحدد القانون العلاقة بين رئيس الجمهورية والمجلس الوطني في ترتيب غريب حيث أنه أغفل الإشارة إلي الطريقة التي يتم فيها إختيار رئيس الجمهورية في الأساس. إلا أن ما يهمنا هنا هو نص المادة الخامسة من القانون. جلسات المجلس والتصويت فيه المادة الخامسة: ينتخب المجلس من بين أعضائه رئيسا دوريا لمدة شهرين وتقتصر صلاحياته علي إدارة جلسات المجلس ودعوته للإجتماع .ومن هذه المادة يبدو واضحا أنه لم يكن للمجلس الوطني لقيادة الثورة رئيس دائما أو حتي رئيس بالمعني القانوني، وسبب ذلك يرجع إلي أن التجربة الفردية في حكم عبد الكريم قاسم خلقت شعورا بالنفرة منها إلي حد أن مجلسا للسلطة لم يكن له رئيس حتي لا ينفرد أحد بها. عبد الأمير علي / بعثي سابقرسالة علي البريد الالكتروني6