عندما أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الثلاثاء الماضي، عن نيته لضم غور الأردن بعد الانتخابات، أجري “حديث صراخ” هاتفي غير مسبوق بينه وبين قادة أذرع الأمن. وتضمن الحديث تبادلاً لأقوال قاسية بين نتنياهو وقسم من قادة الأذرع، حين طلب نتنياهو إطلاعهم على أمر الخطوة المرتقبة.
تأخر إعلان نتنياهو نحو ساعة ونصف بسبب الحديث. ووفقاً لبعض المصادر، غيّر رئيس الوزراء نيته الإعلان عن الضم الفوري للضفة الغربية، بسبب النقد اللاذع الذي سمعه من بعض من قادة أذرع الأمن، وكذا بسبب الفتاوى القانونية التي تفيد بأن هناك مصاعب في تنفيذ حكومة انتقالية لم تحظ بثقة الجمهور لمثل هذه الخطوة.
اتصل نتنياهو لإطلاع قادة أجهزة الأمن على قراره قبل وقت قصير من الساعة التي كان يفترض أن يخرج فيها ببيانه الدراماتيكي. وحسب بعض المصادر، يدور الحديث عن خمس حتى عشر دقائق قبل الساعة الخامسة مساء، الموعد الذي تقرر لإصدار البيان.
من الواجب الإشارة إلى أن أيا من الأجهزة التي أطلق قادتها الانتقاد اللاذع على مسمع من نتنياهو لم يوافق على التعقيب على التفاصيل التي تنشر في هذا المقال. ومع ذلك، فإن ما وقع بين رئيس الوزراء وزير الدفاع نتنياهو وبين رئيس الأركان ورئيس الشاباك ومسؤولين آخرين، بمن فيهم رئيس قيادة الأمن القومي، أصبح حديث اليوم في الأروقة الأمنية وانتشر في دوائر صدى إلى اتجاهات مختلفة تتجاوز حتى جهاز الأمن. وحسب التقارير، يدور الأمر عن حديث قاس على نحو خاص ارتفعت فيه النبرات مرات عدة، ولا سيما من جانب نتنياهو. ولم يوفر مسؤولو الأمن حياله في كلمات النقد واستخدموا صياغات حادة على نحو خاص.
التقدير هو أن أساس النقد جاء من رئيس المخابرات نداف ارغمان، ومن رئيس الأركان أفيف كوخافي. وكان على الخط أيضاً رئيس قيادة الأمن القومي، مئير بن شباط، ولكن موقفه في المسألة ليس معروفاً بعد. وعلمت “معاريف” أن منسق أعمال الحكومة في المناطق اللواء كميل أبو الركن، الذي لم يشارك في الحديث، انتقد لاحقاً الخطوة بشدة واستخدم كلمات حادة.
وكانت حجج رؤساء الأذرع أن إعلاناً من هذا القبيل، والذي يشكل قراراً نهائياً سياسياً وأمنياً، يجب أن يتم بعد مداولات معمقة، ودراسة فحص الأضرار المحتملة إلى جانب المنفعة. وطرح المشاركون في الحديث على رئيس الوزراء سيناريوهات الضرر المحتملة من ضم فوري لغور الأردن لإسرائيل عشية الانتخابات، دون إسناد أمريكي جارف. وطرح في الحديث الوضع الحساس لعبد الله ملك الأردن، وطرحت إمكانية أن تهز مثل هذه الخطوة، بل وربما تعرض للخطر كرسيه، ويمكنها أن تؤدي إلى تجميد أو إلغاء اتفاق السلام بين إسرائيل والأردن.
على مدى دقائق طويلة، طرح قادة أذرع الأمن على رئيس الوزراء ووزير الدفاع مخاطر الخطوة وعدم المسؤولية في مثل هذا الإعلان دون عمل إعدادي، وتنسيق بين المحافل المختلفة، وإعداد إسناد دولي واطلاع شركاء إسرائيل في الشرق الأوسط. مصدر سياسي كبير لم يشارك في الحديث ولكنه مطلع على مضمونه، قال أمس لـ “معاريف” إن هذا “حدث غير مسبوق في عصر نتنياهو الحالي، من حيث النبرات العالية والانتقاد القاسي الذي تم تبادله بين الأطراف”.
وحسب التقدير، في أعقاب الحديث، قرر نتنياهو تلطيف حدة الرسالة والإعلان عن نيته ضم غور الأردن. تلك التلميحات التي تبين أن القرار تغير بالفعل في اللحظة الأخيرة يمكن أن نجدها في حدثين آخرين: ثمة حقيقة تبين -قبل أن يطلق نتنياهو إعلانه- حقيقة نشر رئيس المجلس الإقليمي في غور الأردن، دافيد الحياني، البيان التالي: “هذه اللحظة هي إحدى اللحظات المهمة والمثيرة التي شهدتها كرئيس للمجلس، لحظة تاريخية لدولة إسرائيل”. المشكلة كانت أن نتنياهو لم يصعد بعد إلى منصة الخطابة في كفار همكابيا. والحياني، الذي فهم حجم الخطأ، سارع إلى نشر بيان تعديل محرج أكثر: “هذا الرد صدر بالخطأ وسيكون ساري المفعول وفقاً لبيان رئيس الوزراء”.
تعزيز آخر جاء في تصريح الناطق بلسان الليكود يونتان اوريخ، للجنة الانتخابات المركزية، وبموجبه فإن حدث رئيس الوزراء في كفار همكابيا لم يتضمن دعاية انتخابية محظورة. واستناداً إلى هذا النبأ، صادق القاضي حنان ملتسار لقنوات الاتصالات أن تبث بيان نتنياهو بالبث الحي والمباشر، غير أنه سرعان ما تبين أنه مليء بالدعاية الانتخابية ولا يتضمن إعلاناً عن عمل حقيقي، بل عن نية لتنفيذ عمل ما في المستقبل.. بعد الانتخابات وتشكيل الحكومة القادمة. في أعقاب ذلك، استدعي اوريخ للاستيضاح أمام لجنة الانتخابات المركزية.
وجاء من جهاز الأمن العام ما يلي: “جهاز الأمن العام، الشاباك، لا يتطرق في وسائل الإعلام للمداولات التي تجرى مع القيادة السياسية”.
ومن الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي جاء: “نحن لا نتطرق إلى المداولات الداخلية مع القيادة السياسية”.
وعشية سفر حاشية رئيس الوزراء إلى روسيا أمس، لم ننجح في تلقي رد فعل حتى موعد إغلاق العدد.
بقلم: بن كسبيت
معاريف 13/9/2019