لوس أنجليس – «القدس العربي»: في صباح الثامن عشر من مايو/آيار عام 1965، استفاق أهل دمشق ليروا جثه تتأرجح على حبل المشنقة في ساحة المَرجة.
تلك كانت جثة الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين، الذي كان معروفا للسوريين كرجل الأعمال الوطني كامل أمين ثابت.
وما زال السوريون لا يعرفون حقيقة هذا الشخص، الذي تسلل الى بلدهم وكاد يصبح واحدا من قياداتها السياسية والعسكرية وربما ساهم في هزيمتها في حرب الستة أيام عام 1967. فمن هو إيلي كوهين؟
ولد في مدينة الإسكندرية في مصر لوالدين يهوديين سوريين مهاجرين من حلب عام 1924. وفي عام 1944، انضم لمنظمة الشباب اليهودي الصهيوني، التي أسندت إليها عمليات تخريبية في مصر، فقبض عليه وسجن. لكن أثبت أنه لم يكن متورطا بالأعمال التخربيبة، فأفرج عنه. وفي 1957 هاجر الى إسرائيل حيث عمل مساعد محاسب لمدة سنتين، قبل أن يتطوع للخدمة في الموساد.
ومنذ أن تحول الى جاسوس باتت حياته يكتنفها الغموض. فهناك الكثير من الروايات المتباينة والآراء المتناقضة عن نشاطه في سوريا. وإحدى هذه الروايات تطرحها شبكة «نيتفلكس» في مسلسل (ذا سباي) أو «الجاسوس»، الذي أخرجه الإسرائيلي جدعون راف منتج مسلسل «هوملاند» الشهير.
قصة الجاسوس من منظور إسرائيلي
التقيت براف للمرة الأولى عام 2015 في تل أبيب، حيث كان يصور مسلسل «ديغ»، وسألته عن اهتمامه بقضايا الشرق الأوسط وطرحها من منظور اسرائيلي بحت. فرد مصراً على أنه يطرحها من منظوره الخاص كشخص ولد وترعرع في الشرق الأوسط ويعززها بالدراما والإثارة لكي يجعلها ترفيهية تجذب جماهير عريضة من كل أنحاء العالم. كما عرض أن نجري مقابلة صحافية للحديث عن نهج عمله.
وقبل شهر من إطلاق مسلسل الجاسوس، اتصلت به وأخبرته أن الوقت حان أن نجري المقابلة، لأنني أردت أن أعرف مصادر معلوماته التي طرحها، فرد متحمسا والتقينا في فندق «لندن» غربي هوليوود.
حسب المسلسل، ينتحل كوهين شخصية رجل أعمال سوري من عائلة ثرية يدعى كامل أمين ثابت من خلال تغيير لهجته من المصرية للسورية وخلق قصة خيالية، بأن عائلته من حلب، هاجرت الى الأرجنتين، حيث أسست شركة استيراد وتصدير.
ويسافر إلى الأرجنتين، حيث ينجح في صداقة الملحق العسكري في السفارة السورية أنذاك أمين الحافظ، الذي يسهل له دخول سوريا عام 1962. وفي دمشق، يستأجر شقة فاخرة بجانب مبنى تابع لوزارة الدفاع، ويتغلغل في النُخبة السياسية والعسكرية من خلال الهدايا والحفلات الصاخبة في بيته، فيجمع معلومات عسكرية حساسة تتعلق بالقدرات التسليحية السورية والتحصينات الدفاعية في الجولان، التي يزورُها بدعوة من أصدقائه العسكريين، فيلتقط صورا لها ويبعث بها لإسرائيل في شُحناته التجارية إلى أوروبا، بينما يرسل المعلومات بالاشارات الى تل أبيب مرتين في الأسبوع لمدة ثلاثة أعوام، حتى يتم القبضُ عليه.
لم أستغرب أن مصادر معلومات راف كانت من الجانب الإسرائيلي، ككتب المؤرخين الإسرائيليين وعائلة كوهين وسجلات الموساد. واعترف أنه لم يتحدث مع مصادر من الجانب السوري، لأنه لم يكن هناك من يتحدث معه.
فعلا، فكل من كان له علاقة بكوهين في سوريا أو ساهم في اعتقاله اختفوا عن وجه الأرض، حتى قائد الأمن الداخلي أحمد سويداني، الذي لم يكن يثق بكوهين منذ لقائه الأول به في الأرجنتين واستمر بالتربص له عندما قابله في دمشق حتى ضبطه في بيته، بينما كان يبعث الاشارات لإسرائيل.
سويداني زُج في السجن حتى أصيب بمرض مميت فنُقل للاقامة الجبرية في بيته حيث توفي. ولم يبق من الجانب السوري إلا تصريحات الرئيس السابق، أمين الحافظ، الذي، حسب المسلسل، فتح أبواب سوريا لكوهين وعرض عليه منصب نائب وزير الدفاع.
ففي لقاء تلفزيوني مع قناة «الجزيرة»، أنكر الحافظ معرفة كوهين أو مقابلته، حتى أن تم القبض عليه، وادعى أنه كان هو الذي كشف حقيقته بأنه عميل موساد. لكن راف، الذي استمع لمقابلة حافظ، يؤكد أنه شاهد صورا لحافظ مع كوهين في السفارة السورية في الأرجنتين.
«كوهين كان جاسوسا، فيصعب معرفة الحقائق عن حياته،» يقول راف. «نحن نعلم أن كل من كان له علاقة بكوهين أنكر معرفته. فليس غريبا أن الحافظ ينكر معرفته. وأنا أقر أن هذا ليس مسلسلا وثائقيا وليست كل حقيقة فيه صحيحة. إنه مسلسل درامي ترفيهي يطرح قصة جاسوس. لقد شعرت بالفضول الشديد حيال شخصيته وكيف ارتقى الى مستوى عال جداً في سوريا. أردت فقط اكتشاف الشخصية. فبالنسبة الى أصدقائه في إسرائيل كان كوهين شخصاً لطيفا جدا وخجولا وانطوائيا وهادئا، بينما وصفه أصدقاؤه السوريون بأنه رجل منفتح يحيي جميع الحفلات ومحط أنظار الجميع، وهذا أمر أبهرني للغاية في ما يتعلق بقصة جاسوس».
فعلا، المسلسل يطرح كوهين كبطل أفلام التجسس الهوليوودية، جيمس بوند، وذلك من أجل تعزيز الدراما والاثارة وحسب، لأن لا أحد يعرف كيف حصل على الأسرار التي كان يبعثها لإسرائيل. لهذا ركز راف على سبر شخصيته كيهودي شرقي يقطن في شقة متواضعة مع زوجته العراقية الأصل في تل أبيب ويُعامل كمواطن من الدرجة الثانية ثم ينتقل الى سوريا، كواحد من نخبة مجتمعها.
«صحيح،» يعلق راف. «وخصوصا في الخمسينيات والستينيات عندما كانت هناك موجات هجرة كبيرة لليهود من البلاد العربية لإسرائيل. وكان الحزب الحاكم في الغالب اشكنازياً. وكان هناك شعور بالتمييز وعلى الأرجح أن ما حفّزه هي رغبته في أثبات أن بإمكانه القيام بأفضل مما يقومون به، وخاصة أنه قام بذلك في مصر، وكان بطلا هناك إذ ساهم بتهريب عائلته والكثير من العائلات الأخرى. لهذا عندما هاجر الى إسرائيل ولم يستطع العثور على وظيفة تناسب مؤهلاته وإمكاناته فانتابه شعور بعدم الرضا».
أما في سوريا فيكون محط الاحترام ويرتقي الى قمة المجتمع، مما يثير الشك في دوافعه لخدمة إسرائيل. كيف يمكن أن يضر ببلد تحترمه من أجل بلد تستهر به؟ وهل كان محفزه للعمل في الموساد ليس حبه لإسرائيل بل ربما ليثبت لأسياده الاشكنازيين قدراته؟
«نعم»، يوافق راف. «بإعتقادي أن الكثير من ذلك يدور حول قصة مهاجر وشخص يحلم في القدوم الى مكان ما يشعر تجاهه بالوطنية الشديدة والإخلاص الكبير، لكنه يشعر أنه لا يستطيع تحقيق إمكاناته هناك. وتمكن من تحقيق ذلك في سوريا، حيث بنى علاقات وصداقات حقيقية مكنته من الارتقاء الى مستوى جاسوس هائل».
ثقة كوهين بنفسه في سوريا دفعته لمنح الراديو السوري مقابلة صحافية، والتواصل مع تل أبيب بكثافة أكثر مما كان مطلوبا منه، مما ساهم في القبض عليه. لكن راف يرفض أن يجزم في هذا الموضوع. ففي المسلسل، نشاهد زعماء الموساد يضغطون عليه بالعودة الى سوريا، رغم معرفتهم بأنهم كانوا يبعثونه الى الموت، ورغم معارضة زوجته وتوسلها له بأن لا يعود، لكن كوهين نفسه لا يعارض.
«لا أظن أنهم اعتقدوا في البداية أنهم يرسلونه في مهمة انتحارية. ومع ذلك، كل مرة ترسل فيها عميلا الى دولة معادية يكون ذلك خطيرا. إن الثمن الغالي الذي يدفعه الأشخاص لكي يحافظوا على أرواح احبائهم هو أمر نتعامل معه بكثرة في الشرق الأوسط».
كما يصر ضباط الموساد أنهم بعثوا كوهين الى سوريا ليكون عيونهم وآذانهم من خلال قراءة الصحف ومشاهدة بث التلفزيون السوري، وتفاجأوا بعلاقاته مع النخبة السياسية والعسكرية هناك وذُهلوا عندما صار يبعث لهم أسرارا سياسية وعسكرية.
«أجهزة المخابرات الأمنية تقول إن كوهين كان شديد الثقة بنفسه وبالغ في إرسال الرسائل المشفرة بينما تقول عائلته إن هذا غير صحيح وإنه في الحقيقة طُلب منه العودة وإرسال الرسائل المشفرة بقدر ما فعل، وهذا أمر أعتقد أننا لن نعرف أبداً الاجابة عليه».
مسلسل إثارة وخيالي
في المسلسل يلعب كوهين دورا محوريا في الانقلاب العسكري الذي يقوده أمين الحافظ، زعيم حزب البعث، ضد الرئيس لؤي الأتاسي عام 1963 من خلال دعوة القيادات العسكرية والسياسية الى حفلة صاخبة في بيته يسكرون فيها بينما يقوم عناصر حزب البعث بالاستيلاء على مقرات الحكومة واعتقال الرئيس.
«نحن ما زلنا ندفع ثمن ما حدث آنذك»، يعلق بطل المسلسل، ساشا بارون كوهين، الذي يجسد دور كوهين. «لو فشل ذلك الانقلاب لما استولى حافظ الأسد على الحكم، ثم جاء ابنه بشار وذبح مئات الآلاف من أبناء الشعب السوري، ولما واجهنا أزمة الهجرة في أوروبا وظهور الحركات العنصرية هناك، وربما لما حدثت البريكست في بريطانيا. كوهين فعلا رجل ذو قوى خارقة غيّر مسار العالم».
إذاً «الجاسوس» هو مسلسل إثارة خيالي عن جاسوس إسرائيلي ذي قوى خارقة يشارك فيه ممثلون عرب ويهود. أما حقيقة كوهين، فربما ستبقى رهن الغموض حتى الأبد، لأنها دُفنت مع أصدقائه وأعدائه السوريين، الذين يثور حول موتهم الكثير من الجدل.
في أي مجتمع أذا منت تملك المال تستطيع الحصول على كل شيء وهذا ينطبق على الدول الغربية، فعلا المال نفوذ!
نعم هو من اوصل البعث للحكم و هو من اوصل حافظ الأسد كذلك و الدليل ان حافظ الأسد عاقب من قبض على الجاسوس
تصور! إنهم أي الإسرائيليين, يتحدثون عن ذبح الشعب السوري, مع أن بشارون تعلم هذا الإجرا من شارون وببغين وغيرهم.
كيف يسهم في ديمة ١٩٦٧ وقد اعدم في ١٩٦٥ .. اسرائيل استخدمت وتستخدم الحرب النفسية للإبهام والتكبير لحجم التجسس … ايلي كلن مراهقا فاشلا ولم يقدم اية معلومات عسكرية هامة ولم تنفذ اسرائيل وقتها سوى مهاجمة قاعدة شلال السورية وهي اصلا حدودية