لندن – “القدس العربي”:
ترى صحيفة “نيويورك تايمز” أن المكالمة الهاتفية التي أجراها الرئيس دونالد ترامب مع نظيره الأوكراني فولديمير زيلينسكي هي جزء يسير من هوس الرئيس الأمريكي بأوكرانيا.
وفي تقرير أعده فريق من مراسلي الصحيفة جاء فيه، إن “هذا البلد لم يكن على قائمة أولويات رئيس وصل إلى الرئاسة بوعد شن حرب تجارية ضد الصين وإعادة تشكيل الشرق الأوسط ومضايقة حلفائه الأوروبيين وحثهم على إنفاق مزيد من الأموال على حلف الناتو”.
وبالنسبة للرئيس فقد ظلت أوكرانيا هوساً منذ انتخابات عام 2016. فقبل مكالمته في 25 تموز/يوليو التي أدت إلى تحقيق رسمي في الكونغرس قد يقود لمحاكمته، فقد ظل ترامب يتحدث حول الدور الذي لعبه البلد في التحقيق بالتأثير الروسي في حملته الانتخابية عام 2016.
وزاد ولعه أكثر عندما شعر أنه قد يجند الحكومة الأوكرانية من أجل تقويض أحد منافسيه الديمقراطيين البارزين في الحملة الانتخابية لعام 2020، أي نائب الرئيس السابق جوزيف بايدن.
وبدأ روديو جولياني محامي الرئيس الشخصي عملية بحث على مدى عام للكشف عن معلومات مضرة ببايدن ومفيدة للرئيس الحالي. ووضع ترامب سلطاته كرئيس وراء هذه الأجندة حيث أرسل نائبه مايك بنس وكبار المسؤولين في الإدارة الى أوكرانيا برسالة مبطنة، وهي الاستجابة لمطالبه من أجل التحقيق في الفساد، والذي قال مسؤولون أمريكيون سابقون وأوكرانيون إنه شيفرة للتحقيق مع بايدن والدور الذي لعبته أوكرانيا في الكشف عن معلومات مضرة له أثناء الحملة الانتخابية عام 2016.
وقام هذا الصيف بتجميد مساعدات عسكرية مقررة لأوكرانيا حتى بعد تعبير حكومة البلد عن رغبتها بإقامة علاقات وثيقة مع واشنطن.
وعندما انتخب زيلينسكي في 21 نيسان/إبريل انتهز ترامب الفرصة واتصل مهنئا الرئيس الجديد عندما كان في طريقه من منتجعه في مار- إي- لاغو بفلوريدا إلى واشنطن. وحث في المكالمة زيلينسكي على التحقيق في “الفساد” ودعاه للتنسيق مع جولياني، وذلك حسب أشخاص على اطلاع بما جرى في المكالمة. ورفض جولياني في مكالمة هاتفية فكرة “هوس ترامب بأوكرانيا” فيما رفض متحدث باسم الأبيض التعليق ولا وكالة الأمن القومي.
وقال جولياني إن ترامب “نادرا ما ذكرها مقارنة مع أمور أخرى” مضيفا أنه لا يعرف إن كان اسمه قد ذكر في مكالمة التهنئة. وبعد أيام من المكالمة قال ترامب في مقابلة مع شين هانيتي في فوكس نيوز إنه “يتخيل” أن وزير العدل ويليام بار يرغب بمراجعة المعلومات المتعلقة بتصرفات أوكرانيا أثناء حملة 2016. وقالت وزارة العدل يوم الأربعاء إن المسؤول الموكل بمراجعة أصول التحقيق في مكافحة المعلومات الاستخباراتية في حملة ترامب هو جون إتش درام، وهو ينظر في دور أوكرانيا من بين عدة دول.
وفي الوقت الذي لم يتصل فيه وزير العدل بأوكرانيا إلا أن عددا من الأوكرانيين من خارج الحكومة تبرعوا بمعلومات يتم تقييمها الآن.
وعندما عاد الوفد الأمريكي الذي أرسل لحضور حفلة أداء زيلينسكي القسم في أيار/مايو وكان يضم وزير الطاقة ريك بيري، وقدم انطباعات إيجابية عن الزعيم الجديد، رد ترامب “إنهم ناس رهيبون” و”كلهم فاسدون لقد حاولوا الإطاحة بي”.
وبدت شكوك ترامب واضحة في لقائه مع زيلينسكي في نيويورك، عندما سئل عن رسائل هيلاري كلينتون الإلكترونية وإن تم نقلها عبر برنامج إلى أوكرانيا، فردّ بالإيجاب.
وبدأ تركيز ترامب على أوكرانيا بعد قيام المكتب الوطني لمكافحة الفساد في أوكرانيا بنشر معلومات مضرة برئيس حملة ترامب، بول مانافورت وتلقيه أموالا من روسي على علاقة بحزب الرئيس الأوكراني المعزول. وقرر مانافورت الاستقالة من رئاسة الحملة إلا انه أكد أن الجهة التي سربت المعلومات هي حملة كلينتون.
وظل مانافورت على علاقة بمساعدي ترامب طوال الحملة الانتخابية، وبعد انتخابه قال إنه يناقش مع الرئيس المنتخب إمكانية تحقيق في الدور الذي لعبته أوكرانيا بتسريب معلومات عنه. وقال مانافورت إن الرئيس قد يفكر بالتحقيق لو واصل الديمقراطيون التحقيق في التدخل الروسي في حملة 2016. فيما أخبر مانافورت أشخاصا أن الأوكرانيين الذين سربوا المعلومات عنه كانوا يعملون لصالح حملة كلينتون “من أجل شن هجوم ذي طابع سياسي علي”.
وظل الموضوع يؤرق ترامب حيث كتب تغريدة بعد ستة أشهر من أدائه القسم متسائلا عن التحقيق في الجهود الأوكرانية لتخريب حملته. وعندما بدأ المحقق الخاص روبرت مولر التحقيق في التأثير الروسي، تقدم جولياني وبدأ التحقيق ولكن خارج الأطر الرسمية. وعمل جولياني لعدة أشهر مع محققين حاليين وسابقين في أوكرانيا للدفع من أجل تحقيق قال إنه سيصب في صالح ترامب.
وركز التحقيق على التداخل بين دور جوزيف بايدن كنائب للرئيس، ودور ابنه هانتر بايدن كعضو في مجلس إدارة شركة للطاقة الأوكرانية يديرها رجل أعمال متهم بالفساد. بالإضافة لقضية أخرى تتعلق بدور مسؤولين أوكرانيين في محاولات تدمير مانافورت وحملة ترامب عام 2016، ونظرية مؤامرة تقول إن القرصنة على مكتب اللجنة القومية للحزب الديمقراطي تمت من أوكرانيا، ثم ألقى اللوم على روسيا، وذكر ترامب هذا في مكالمته في 25 تموز/يوليو. وظل جولياني يطلع الرئيس بنتائج تحقيقه ولكنه قرر أيضا الحديث علنا، حيث قال: “لقد قررت ذلك من أجل لفت انتباه قوات حفظ النظام للقيام بواجبها”.
وكانت جهود جولياني الأرضية التي استند عليها ترامب في مكالمة التهنئة لزيلينسكي، الكوميدي السابق والمبتدئ في السياسة. وخطط جولياني للسفر إلى كييف من أجل مقابلة زيلينسكي وحثه على إجراء تحقيق بالفساد يخدم مصالح ترامب. وقال للصحيفة إنه حظي في جهوده بدعم كامل من الرئيس. ومنع المسؤولون الأوكرانيون المقابلة ولهذا قرر جولياني إلغاءها في الدقيقة الأخيرة. وقام جولياني بنقل معلوماته عبر مساعد للرئيس الأوكراني في نهاية تموز/يوليو تبعها لقاء في الأول من آب/أغسطس في العاصمة الإسبانية مدريد. وتمت المقابلة بمعرفة كاملة من وزارة الخارجية التي أطلعها فيما بعد على ما جرى فيها. وفي الوقت الذي كان فيه جولياني يدفع المسؤولين الأوكرانيين للتحقيق، تم استدعاء السفيرة الأمريكية في كييف قبل انتهاء مهمتها وسط هجمات من المحافظين عليها وأنها لا تدعم أجندة ترامب.
وحتى بعد الشهادة التي قدمتها وزارة الدفاع إلى الكونغرس والتي تفيد أن أوكرانيا قطعت شوطا في مكافحة الفساد بشكل يبرر الإفراج عن المساعدات العسكرية بـ125 مليون دولار، إلا أن ترامب قرر تجميدها لاحقا، ولم يفرج عنها إلا هذا الشهر بعد ضغوط من المشرعين الجمهوريين والديمقراطيين. وعبّر ترامب في الأسابيع الأولى من الصيف عن قلق لمساعديه وإن كان عليه التعامل مع الرئيس زيلينسكي كشخص داعم لأولياته أم لا.
وفي الأسابيع الأخيرة قبل مكالمة ترامب مع زيلينسكي قام هذا الأخير بعزل المحقق الرئيسي يوري لوتسنكو، الذي كان جولياني يعمل معه لجمع معلومات عن بايدن ووثائق مانافورت. وقبل أيام من المكالمة اقترح زيلينسكي بديلا عن لوتسنكو بشكل أثار مخاوف جولياني، وكان واضحا في مكالمة 25 تموز/يوليو. حيث قال ترامب: “سمعت أن لديك محققا جيدا جدا وتم عزله، وهذا غير عادل”، وقال إن الكثيرين تحدثوا عن عزل محقق جيد وأنه “عومل بطريقة سيئة مع أنه كان محققا نزيها”.
وفي الحقيقة تم انتقاد لوتسنكو في أوكرانيا كشخص فاسد ونظر الكثير من المسؤولين الأوكرانيين إلى جهوده فتح تحقيق في الشركة التي دفعت لهانتر بايدن كمحاولة لاسترضاء ترامب.