إسطنبول-“القدس العربي”:فجر الكشف عن لقاء سري جرى بين ممثلين عن البنك الدولي والمعارضة التركية في العاصمة أنقرة، جدلاً داخلياً حاداً في البلاد واتهامات بين المعارضة التي تتهم الحكومة بإخفاء نيتها الاقتراض من البنك الدولي، والحكومة التي تنفي ذلك وتتهم المعارضة بمحاولة إعادة جلب البنك للبلاد وإعادتها إلى “حقبة الوصاية”.
وقبل أيام، كشفت وسائل الإعلام عن لقاء وصفته بـ”السري” جرى بين ممثلين عن حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة وحزب “الجيد” المعارض، مع وفد من البنك الدولي يزور تركيا برئاسة مديرة البنك الدولي في أوروبا، وذلك في أحد الفنادق في العاصمة أنقرة، دون إعلام الجهات الرسمية التركية، أو الإعلان عن اللقاء في وسائل الإعلام.
ومنذ أشهر، ومع تراجع الأوضاع الاقتصادية في البلاد، عاد الحديث عن إمكانية لجوء تركيا إلى الاقتراض من البنك الدولي، لكن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان نفى ذلك مراراً، مشدداً على أن بلاده “أغلقت بلا رجعة وبشكل نهائي دفتر البنك الدولي” الذي تفاخر لسنوات طويلة بأنه هو من تمكن من سد ديون تركيا إلى البنك وإنهاء “حقبة الوصاية الخارجية” التي كانت مفروضة على البلاد بفعل الديون.
ورغم نفي الحكومة المتكرر، تقول المعارضة إن الحكومة تجري لقاءات مع البنك الدولي، وقامت في الآونة الأخيرة بتنفيذ بعض الإصلاحات التي طلبها البنك الدولي وإجراء بعض التعديلات الهيكلية في الاقتصاد التركي من أجل تلبية البنك تمهيداً للحصول على قرض، مطالبةً الحكومة بالشفافية والإعلان عن ذلك إلى الرأي العام.
مساعد الرئيس العام لحزب العدالة والتنمية الحاكم نور الدين جناكلي قال إن ممثلين عن البنك الدولي عقدوا لقاء وصفه بـ”السري والخفي” مع ممثلين عن حزب الشعب الجمهوري في غرفة أحد الفنادق ولم يتم الإعلان عن هذا اللقاء لوسائل الإعلام.
وقال جناكلي: “البنك الدولي هو مؤسسة دولية، وحزب الشعب الجمهوري هو حزب تركي معارض، هل يمكن للبنك الدولي عقد لقاء مع الحزب، بالطبع نعم، ولكن لماذا يتم عقد هذا اللقاء بشكل سري؟ لماذا يعقد في غرفة أحد الفنادق؟ ما هي الملفات التي جرى بحثها؟” مضيفاً: “المعارضة تحاول الترويج بأنه يجب إجراء انتخابات مبكرة بسبب الأوضاع الاقتصادية في البلاد، نحن نتساءل: هل البنك الدولي يلعب دورا في دعم المعارضة بالملف الاقتصادي لجر البلاد إلى انتخابات مبكرة؟ يجب على الحزب الخروج وإطلاع الشعب على كافة التفاصيل”.
كما أدان منسق تركيا لدي صندوق النقد الدولي راجي كايا “اللقاء السري” لممثلي البنك مع المعارضة التركية، وقال: “هذا اللقاء غير المشروع الذي تم إخفاؤه يؤكد أن هناك أجندة مختلفة” لوفد البنك الدولي الذي كان يزور تركيا، لافتاً إلى أن الوفد لم يشر إلى مثل هذا اللقاء على الإطلاق خلال لقاءاته مع المسؤولين الأتراك.
في السياق ذاته، انتقد عمر جليك الناطق باسم العدالة والتنمية اللقاء الذي وصفه بـ”الغامض” وقال: “اللقاء جرى بين ممثلين عن البنك الدولي وممثلي حزب معارض غير موجود في السلطة والحكومة ولا يحمل أي مسؤوليات أو صلاحيات تتعلق بالاقتصاد” مضيفاً: “هل يمنح البنك الدولي نصائح لحزب الشعب الجمهوري حول كيفية انتقاد الحكومة التركية في الملف الاقتصادي، أم أن ممثلي حزب معارض يمنحون النصائح للبنك الدولي؟”.
وقالت وزارة الخزينة والمالية التركية إنها أبلغت صندوق النقد الدولي بـ”التحذيرات اللازمة” من أجل اتباع الشفافية وعدم تكرار الخطأ مرة أخرى، معتبرة أن اللقاء تم بدون علم الوزارة، وأن إجراء هذه اللقاءات بدون علم الوزارة “أجراء غير مناسب”.
وأدان نائب رئيس الجمهورية فؤاد أقطاي اللقاء، وقال: “إذا كان هناك من ما زال يشتاق لنظام الوصاية ليتفضلوا ويلتقونهم إذا كانوا يرون الحل بهذه الطريقة، لكن الأمة التركية لم ولن تسمح بذلك على الإطلاق، لا توجد أي حاجة للذهاب إلى صندوق النقد الدولي” فيما شدد نعمان قورتلموش السكرتير العام للحزب الحاكم على أن تركيا لن تعود للبنك الدولي مجدداً، وقال: “تركيا لن تكون بحاجة إلى برامج البنك الدولي على الإطلاق، لا يقوم أحد بلقاءات سرية مع البنك الدولي، لقد أغلقنا هذا الدفتر بشكل نهائي” مضيفاً: “لن ينجح من تعودوا على الوصاية بإعادتنا على هذه الحقبة مجدداً”.
في المقابل، قال زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو إن “هذا ليس أول لقاء، من المعتاد أن وفد البنك المركزي عندما يزور تركيا لا يلتقي فقط المسؤولين الرسميين أو ممثلي الحزب الحاكم، وإنما يلتقي أيضاً بالمعارضة وممثلي المجتمع المدني وغيرهم، لا يوجد أي جديد، لم يكن لقاءاً سرياً، الأمر طبيعي”.
كما نفى المتحدث باسم الحزب فايق أوزتراك أن يكون اللقاء سرياً، وقال في مؤتمر صحافي: “لم نجر لقاء سرياً، أجرينا لقاء عادياً في غرفة أحد الفنادق المعروفة بأنقرة” مضيفاً: “يتحدثون وكأننا من قام بدعوة البنك الدولي إلى تركيا، البنك الدولي وبموجب المادة الرابعة كان يقوم بزيارة تفقدية إلى تركيا بدعوة من وزارة الخزانة والمالية، وبموجب المادة الرابعة نفسها، يقوم البنك الدولي بإجراء لقاءات مع رجال الأعمال والأكاديميين وأحزاب المعارضة، هذا الأمر جرى في الكثير من الدول لتبادل الأفكار حول التطورات الاقتصادية، ولقاءنا جاء في هذا الإطار”.
وعقب درموش يلماز ممثل حزب الجيد الذي شارك في الاجتماع مع البنك الدولي والذي كان يشغل سابقاً منصب مدير البنك المركزي التركي، عقب على هذا الجدل بالقول: “ممثلون عن البنك الدولي قاموا بزيارة تركيا للاطلاع على أوضاعها الاقتصادية وإطلاق الدول الأعضاء في البنك عليها، الوفد التقى الجهات الرسمية، ومن ثم التقى ممثلي المجتمع المدني والأعمال وطلب الالتقاء معنا، الطلب جاء منهم ونحن لم نذهب إلى لقاء سري، وأجبنا على الأسئلة بمصداقية وشفافية”.