ما أن قرأت الخبر الذي نشرته مجلة «ليدرز» عن قرب صدور الترجمة العربية لمذكرات الحبيب بورقيبة الابن حتى تبادرت إلى خاطري فكرة طغت على ما سواها. ذلك أني كنت قد قرأت هذه المذكرات بعيد صدورها في نسختها الفرنسية الأصلية عام 2013. وقد أتت هذه الشهادة التاريخية المهمة، لما تزخر به من الإنارات والعبر، في شكل حوارات معمقة أجراها مع بورقيبة الابن الأستاذ الجامعي محمد كرّو. أما الفكرة التي خامرتني فهي التالية: لو كان لي أن أختار من كتاب العبر المعاصر هذا عبرة وحيدة أعدّها الأصلح اليوم لأوضاع تونس السياسية والأنسب لأحوالها الانتخابية، فإن اختياري سيقع رأسا على العبرة التي ينطوي عليها رأي بورقيبة الابن في صديقه الأستاذ محمد مزالي.
يقول بورقيبة الابن في مذكراته: إن خطأ مزالي الأكبر أنه خاض غمار السياسية وهو غير مؤهل لها، ويعاتبه أقسى العتاب على قبوله منصب الوزير الأول رغم أنه قد كان ثمة من هو أقدر منه سياسيا على تحمل أعباء ذلك المنصب الملغّم. إذ إن من يعيّن في المنصب يصير خليفة بورقيبة الرسمي لأن الدستور يخوله صلاحية تولي الرئاسة آليا في حالة الشغور. وقد كان هذا اللغم الدستوري من أخطر أسباب تعفن الحياة السياسية في تونس منذ مرض الوزير الأول الهادي نويرة عام 1980 حتى الانقلاب الطبي على بورقيبة عام 1987. حيث صار قصر قرطاج عهدئذ مرجلا يغلي بالمكائد التي كانت تدبرها الماجدة وسيلة بورقيبة وحاشيتها قبل أن تتخلص منها بنت أخت بورقيبة الشمطاء سعيدة ساسي وتتمكن هي ورهطها من احتلال القصر، في سياق وصاية فعلية على العرش الرئاسي، ومن التحكم بأقصى الدناءة في خالها الذي صيّره المرض والشيخوخة مجرد ظل باهت للزعيم الآسر الذي كان.
صار قصر قرطاج عهدئذ مرجلا يغلي بالمكائد التي كانت تدبرها الماجدة وسيلة بورقيبة وحاشيتها قبل أن تتخلص منها بنت أخت بورقيبة الشمطاء سعيدة ساسي وتتمكن هي ورهطها من احتلال القصر
خطأ مزالي البالغ حد الخطيئة، في رأي بورقيبة الابن، أنه ضل طريقه: كان مفكرا وأديبا غير أنه أمضى حياته في العمل السياسي، فكانت العاقبة أن خسرته الثقافة (لأنه لم يسع لها سعيها ولم يسخّر لها وقتها) دون أن تكسبه السياسة (لأنه كان أعزل من سلاحها). ويبدو أن مزالي كان مدركا لهذه الحقيقة، حيث كان يتألم لعلمه أن بورقيبة الابن إنما يقيّمه بمعيار سلفه الهادي نويرة ويزنه بميزانه. والحال ألّا وجه للمقارنة بين الرجلين في مضمار التخطيط والسياسة والقيادة. فالإجماع منعقد على أن نويرة قيادي فذ وسياسي قدير واقتصادي خبير، وأنه كان من قوة الشخصية وإشعاعها بحيث يتعامل مع بورقيبة من موقع الجدارة والتميز.
العبرة من هذا أن أفضل مثقف ليس أفضل سياسي، وأن أستاذا في القانون الدستوري ليس هو بالضرورة أفضل المؤهلين لتولي منصب الرئاسة. إذ لو كان هذا هو المقياس لوجب انتخاب الأستاذ عياض بن عاشور رئيسا، فهو من ألمع خبراء القانون العام في تونس ومن أعلم المثقفين العرب بالفكر السياسي، الإسلامي منه والغربي. كما أنه كاتب مجيد ذو أسلوب معتّق (بالفرنسية). أما لو كانت الاستقامة هي المقياس فإن في هذه البلاد المظلوم أهلها كثيرا من الفضلاء المشهود لهم بنظافة اليد وحسن السيرة.
ختاما، ملاحظات ثلاث: أولا، لقد علل الأستاذ قيس سعيّد دخوله السياسة بحدث وحيد. قال إن شابا ابتدره قرب محطة بنزين قبل ثلاثة أعوام وقال له «والدموع تنهمر من عينيه»: لقد خذلتنا، نحن الشباب، بعدم خوضك انتخابات 2014. ثانيا، كما أن احترام القرار الشعبي الحر هو واجب ديمقراطي، فإن التعبير عن الرأي الحر، بالموافقة أو المخالفة، هو حق ديمقراطي. أي أنه لا علاقة إطلاقا بين فهم النتائج الانتخابية وتفهّم أسبابها وبين تملّق الأغلبية الشعبية وإضفاء القداسة على اختياراتها. ثالثا، أعلن بعض التوانسة أنهم سيقترعون بالبطاقة البيضاء. لماذا؟ لأنه لا يضاهي عدم اقتناعهم بأهليّة الأستاذ سعيّد إلا تقزّزهم من روائح الفساد البرلسكوني والاستغباء التلفزيوني التي لا يزال المرشح الآخر، العفّ اللسان، ينفثها منذ تربّى في عزّ «أبيه». فقد سبق أن طمأننا قبل الثورة أن الدكتاتور «أبونا جميعا» وأنه «لا يحب الظلم»!
كاتب تونسي
أعجبتني عبارتك أستاذ، وإن كان أسلوبك الأخلاقي الذي عهدتك به يسمو فوق ذلك،
فيما تبقى من مدة على الإنتخابات قم بتفعيل الفصل ٢٨ من القانون ٣٧ لسنة ٢٠١٩ وستحصل على كتلة لا بأس بها ضمن تشريعيات ٢٠١٩
اولا ان تكون مثقف و كاتب و مختص فى القانون الدستوري و علوم الفضاء و صديق للبيئة …لا يعنى ان تكون رجل دولة و رئيس جيد لحلحلة المشاكل العملية ….السيد قيس سعيد سمعته بكل انتباه فى الوطنية 1 و لم أرى اى اقتراح حل عملى واحد للبطالة مثلا ….لتشغيل و خلق فرص عمل لأصحاب الشهائد من الشباب …كلها عموميات…. و بدأ بالقول انه لم يعد أحد بشئ …!!!! مشكلة السيد سعيد هو الكم الهائل من الثورجية و الشعبوية و الفوضوية و المتطرفين من كل الأنواع و اظيف لهم الانتهازية و على رأسها حركة النهضة التى تبحث عن عذرية جديدة …التى أصبحت محيطة به ….وهو ما جعلنى بعد تقييم موضوعى لن اصوت له ….
“””صار قصر قرطاج عهدئذ مرجلا يغلي بالمكائد التي كانت تدبرها الماجدة وسيلة بورقيبة وحاشيتها قبل أن تتخلص منها بنت أخت بورقيبة الشمطاء سعيدة ساسي وتتمكن هي ورهطها من احتلال القصر””
هل هذه التجربة التي تحكي عليها التي يجب أن يمتلكها كل مرشح لرأسة عندما يقدم ملفه للجنة الإنتخابات
الأحسن أن لا نخوض مثل هذه التجارب مرة أخرى ..السياسة عالم صراعات صديق الأمس عدو اليوم لا توجد عفة وطهارة في عالم السياسة مثلما شرحت في مقالك
في فترة المزالي لم يكن هناك قانون مستقل وإن كان إستقلال القانون الى حد الأن مازال متعثر الا أن هناك دستور متفق عليه من الجميع
لماذا لا نخوض تجربة سياسة جديدة
لا أفهم الذين يدعون أنهم يحاربون الديكتاتورية لكنهم يرفصون التغيير ويرفضون تجربة جديدة ويقولون أن سعيد رجل حالم فكيف سنحقق أحلامنا إذا خفنا من خوض تجربة جديدة تحترم القانون وتقضي علي المكائد
في مجال تقييم نقل الخبر…يجب البحث عن حقيقة الراوي الفكرية والسياسية والشخصية أحيانا. ..وهو ماسمي عند العلماء قديما بالجرح والتعديل. …وفي هذا السياق فإن الاعتماد على رأي بورقيبة الإبن في تقييم شخصية المرحوم مزالي. ..هو توجه غير دقيق أو محايد. ..نظرا لما عرف عن ابن بورقيبة من مزاجية ورعونة في التعامل مع الأحداث والأشخاص. ..ونظرا أيضا لما عرف عنه من تقديس مطلق لسياسة الإستعمار. ..والفرنكفونية. …وكمثال بسيط. ..ما صرح به في منتصف الستينات عندما كان وزير خارجية أبيه. ..من أن أمريكا على حق وتخدم الإنسانية عندما كانت تقصف فيتنام الشمالية بالقنابل العنقودية…وتلغم مياهه الإقليمية بأشد أنواع القنابل البحرية فتكا. …؛ والتاريخ الذي يرويه فاقد الاتزان. ..العبرة به…فما بالك أن يكون مرجعا للعبر. ..!!!.