إسطنبول- “القدس العربي”:
رغم مرور عام كامل على قتل وتقطيع الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول، ما زال مصير الجثمان هو السر الأكبر في الجريمة التي تكشفت الكثير من تفاصيلها تدريجياً، لكن لم تتبين بعد أي أدلة يمكنها تقديم إجابة قطعية على السؤال الكبير: أين جثمان خاشقجي؟
وعلى الرغم من وجود كثير من المعطيات التي شكلت تصوراً عاماً شبه قطعي بأن الجثمان جرى التخلص من خلال عدم إبقاء أي أثر مادي له، إلا أن التحقيقات لم تتوصل إلى أدلة جنائية بعد تجزم الطريقة الدقيقة التي جرى من خلالها التخلص من الجثمان، كما أن مرور عام كامل على الجريمة أدى إلى تراجع الأمل بالتوصل إلى “أدلة جنائية” تساعد في جزم الطريقة التي جرى من خلالها التخلص من الجثمان.
ويسود الاعتقاد أن الجانب السعودي، ورغم فشله الذريع في التخطيط للجريمة وتنفيذها، نجح في الأيام المقبلة للجريمة من خلال فرق أخرى مختصة وبمساعدة أطراف خارجية أخرى بالتوصل إلى طريقة تمكن من خلالها من عدم إبقاء أي أثر للجثمان أو اكتشاف الطريقة الدقيقة التي جرى من خلالها التخلص منه.
ومنذ بداية التحقيقات في الجريمة، كانت هناك العديد من الاحتمالات نفي بعضها قطعياً أو جزئياً، وانحصر عدد الاحتمالات، لكن غياب الأدلة الجنائية القطعية يجعل من استبعاد أي احتمال بشكل نهائي أمراً غير منطقي، وبالتالي تبقى جميع الاحتمالات قائمة ولكن بدرجات متفاوتة.
منذ الأيام الأولى للجريمة، تعاملت السلطات التركية مع احتمال لجوء فريق الاغتيال لدفن الجثمان في غابات بلغراد في إسطنبول، استناداً إلى قيام فريق سعودي بتفحص المكان يوم الجريمة، لكن بعد القيام بعمليات بحث واسعة ومراجعة كاميرات المراقبة تراجع هذا الاحتمال كثيراً ولم يعد قائماً.
ولاحقاً، وعقب رصد السلطات التركية مجموعة من الاتصالات بين فريق الاغتيال ورجل أعمال سعودي يمتلك فيلا في منطقة يالوفا القريبة من إسطنبول، تعاملت فرق البحث الجنائي التركية مع احتمال دفن الجثمان هناك، ولكن عقب القيام بعمليات فحص دقيقة لأكثر من عنوان هناك، لم تصل إلى أي أدلة تدعم هذه النظرية، وتراجع هذا الاحتمال أيضاً مع تكشف تفاصيل تشير إلى أن المنزل جرى تأمينه لاحتجاز خاشقجي فيه لو تمكن الفريق من اختطافه حياً.
ومنذ البداية، لم تنتفِ حتى اليوم بشكل قطعي احتمالية تمكن الفريق السعودي من نقل الجثمان كاملاً أو جزءاً منه إلى خارج الأراضي التركية، لا سيما أن المعلومات متضاربة حتى اليوم حول مدى تمكن السلطات التركية من تفتيش الطائرات التي غادر فيها فريق الاغتيال السعودي إسطنبول، لا سيما أن الفريق غادر بطائرات خاصة واستفاد من الحصانة الدبلوماسية وميزة عدم تفتيش الأمتعة، وحديث بعض التسريبات عن أن بن سلمان طلب من مساعديه جلب “رأس خاشقجي”. وبالتالي، وعلى الرغم من تراجع هذا الاحتمال، إلا أن نفيه بشكل قطعي يبدو صعباً للغاية.
وبالعودة إلى الاحتمالات الأقرب، كان الاهتمام الأكبر يتركز على مقر القنصلية نفسه، كونه مكان تنفيذ الجريمة، وطرحت مجموعة من الاحتمالات التي تتعلق بتذويب الجثمان والتخلص منه عن طريق شبكة الصرف الصحي، أو دفنه في حديقة القنصلية، ولكن فرق البحث الجنائي التركية التي قامت بعمليات بحث واسعة باستخدام أحدث الطرق العلمية داخل القنصلية وفي أتربة الحديثة وداخل شبكات الصرف الصحي في المنطقة بأكملها لم تصل إلى أي أدلة ملموسة حول الجثمان، رغم الحديث عن بعض المعطيات الجنائية التي لم ترقَ إلى مستوى تحديد أثر له أو بقاياه في حال تذويبه.
ومع تراجع كافة الاحتمالات السابقة -مع عدم نفيها جنائياً بشكل قطعي- تمحورت الأدلة الصورية والمنطقية حول منزل القنصل الذي يبعد مئات الكيلومترات عن مبنى القنصلية، ويعتقد على نطاق واسع أنه المكان الفعلي الذي شهد عملية التخلص من الجثمان بطريقة لم يجر تحديدها بشكل نهائي لعدم توفر الأدلة الجنائية الملموسة رغم وجود كثير من الأدلة التي حصرت آلية التخلص في احتمالين رئيسيين على اعتبار أن الأدلة الصورية تثبت نقل حقائب تحتوي على أجزاء من جثمان خاشقجي المقطع من مقر القنصلية إلى منزل القنصل.
الاحتمال الأول تمحور حول تذويب الجثمان باستخدام مواد حمضية شديدة -حمض الأسيد على الأغلب- ليتحول إلى مادة سائلة ومن ثم التخلص من هذه المادة سواء باستخدام شبكات الصرف الصحي وتمكن الفريق من إخفاء الأدلة، أو بطريقة أخرى كالحرق والتبخير، وهي نظريات لا يوجد أدلة جنائية تجزمها، أو لم يعلن عن ذلك حتى الآن.
والاحتمال الثاني، يتمحور حول ما كشفه تحقيق لقناة الجزيرة القطرية عن أن الجثمان جرى التخلص منه من خلال الحرق في فرن داخل منزل القنصل جرى بناؤه خصيصاً منذ أشهر بدرجة حرارة عالية جداً قادرة على صهر الفولاذ، حيث تم حرق قطع الجثمان لساعات طويلة حتى تحولت إلى رماد مع التمكن من إخفاء أي بقايا يمكن أن تستخدم كدليل جنائي.
وتقول مصادر تركية إن السعودية التي اعترفت فعلياً بقتل خاشقجي وتقطيعه تعتبر أن عدم الاعتراف بطريقة التخلص من الجثمان أو تقديم أدلى جنائية على ذلك بمثابة نجاح للعملية يساعدها في منع اكتمال ملف التحقيق الجنائي والتحايل على القانون الذي يربط استكمال ملف أي جريمة بتدعيمه بأدلة جنائية حول الجريمة والمتمثلة في هذه الحالة بالجثمان.