إسطنبول ـ «القدس العربي»: رغم مرور عام كامل على قتل وتقطيع جثمان الصحافي السعودي جمال خاشقجي في مقر قنصلية بلاده في مدينة إسطنبول التركية، ما زال المبنى شاهداً على الجريمة التي هزت أركان العالم، إلى جانب مبنى إقامة القنصل الذي تشير كافة التحقيقات والتسريبات إلى أنه استخدم في التخلص من الجثمان بشكل نهائي.
مبنى القنصلية الواقع في حي لفينت الراقي بإسطنبول تحول محيطه إلى مقصد للسياح من كافة الجنسيات حول العالم، الذين أثارهم الفضول لمشاهدة المكان الذي شهد قتل وتقطيع خاشقجي، في محاولة للإجابة على سؤالهم الكبير الذي يتمحور حول كيفية تجرؤ السعودية على تنفيذ هذه الجريمة في وسط مدينة إسطنبول التي يزورها عشرات ملايين السياح سنوياً.
وبينما لا تتيح الإجراءات الأمنية لأحد الدخول إلى المبنى -سوى المراجعين- يكتفي السياح بالتجول في محيط القنصلية والتقاط الصور التذكارية لمكان وقوع الجريمة. وعلى مدار الساعة، ومنذ مرور أشهر طويلة على الجريمة، يمكن بشكل مستمر مشاهدة أشخاص يسيرون في محيط القنصلية ويؤشرون عليها بأيديهم ويشرح بعضهم لبعض عما حدث داخل هذا المبنى، الذي ما زال يعلوه علم السعودية ويعمل بشكل شبه طبيعي في غياب القنصل الذي غادر إسطنبول عقب أيام من وقوع الجريمة ولم يعد إليها ولم يعين بديلاً عنه حتى اليوم.
ويقول سائقو تاكسي في إسطنبول إن الكثير من السياح، لا سيما من الدول العربية، يسألونهم بشكل مستمر عن مقر القنصلية السعودية في إسطنبول ويطلبون منهم اصطحابهم في جولة سريعة في محيط المبنى لإلقاء نظرة عليه، وسط تساؤلات مستمرة عن كيفية حدوث الجريمة وطريقة إخفاء الجثمان الذي لم يكشف عن مصيره حتى اليوم.
وفي إطار جهودها لطي ملف الجريمة وإزالة كافة الآثار المتعلقة بها، لجأت السعودية إلى بيع مقر القنصلية بثلث الثمن، وقررت نقل مقرها إلى مبنى جديد إلى جانب القنصلية الأمريكية في منطقة «ساري يير» بإسطنبول، حسب ما كشفت عنه وسائل إعلام تركية قبل أيام، دون أن تؤكد المصادر الرسمية السعودية هذه الأخبار.
وقال موقع «خبر تورك» إن وزارة الخارجية السعودية باعت مبنى القنصلية «لمشتر مجهول» وذلك بهدوء وبدون ضجة، وتقوم بالتحضير لنقل مقر القنصلية إلى مبنى جديد، ولفتت الصحيفة إلى أن السعودية تحاول أيضاً بيع منزل القنصل، لكنها لم تجد مشترياً حتى الآن.
ويبدو أن قرار السعودية بيع مقر القنصلية قد يعود عليها بنتائج عكسية، حيث صرح رئيس بيت الإعلاميين العرب في تركيا، توران كيشلاكتشي، بأن جمعيته تسعى لشراء المبنى لتحويله إلى متحف يبقى شاهداً على الجريمة، وقال كيشلاكتشي: «لدينا العديد من المشاريع لإحياء ذكرى خاشقجي، أحدها إنشاء متحف يخلد اسمه. ولذلك، فإن محاولاتنا شراء مبنى القنصلية العامة السعودية مستمرة.. نعمل على شراء المبنى لتحويله إلى متحف يحمل اسم جمال».
وعقب الجريمة، عبر عدد من سكان المباني الملاصقة لمبنى القنصلية عن انزعاجهم الشديد مما حدث بجوارهم، وتحدثوا عن مشاعر خوف وقلق ما زالت تنتابهم، ونقلت صحف تركية أخباراً متنوعة عن بيع عدد من هذه المباني بأسعار أقل من قيمتها الحقيقة بعد أن تحول محيطها إلى مكان غير مرغوب بالسكن فيه.
وينطبق الأمر نفسه على منزل القنصل الذي تشير أغلب التسريبات والتحقيقات إلى أنه المكان الذي شهد عملية التخلص من الجثمان.
فبعد أيام قليلة على تنفيذ الجريمة، غادر القنصل السعودي محمد العتيبي المنزل، هو وعائلته، إلى السعودية ولم يعد إليه حتى اليوم. وباستثناء بعض عمليات التفتيش التي قامت بها فرق البحث الجنائي التركية، ظل المبنى فارغاً ومغلقاً منذ ذلك التاريخ، حيث ينتظر مشترياً، حسب التسريبات.