1 ـ كتب إلياس خوري (1948) القصة، وأستحضر بالتحديد «الجبل الصغير» (1977) و»المبتدأ والخبر» (1984) . والرواية وفق ما جاءت صورة البدايات: «علاقات الدائرة» (1975) ثم «أبواب المدينة» (1981). ومثلما كتب القصة والرواية، خاض الإبداع في أدب المقالة، فأصدر «زمن الاحتلال» (1985). ويواصل نشر عموده الأسبوعي كل ثلاثاء في الصفحة الاخيرة من جريدة «القدس العربي» (لندن)، كما يرأس تحرير مجلة «الدراسات الفلسطينية». على أن قلة من القراء، المثقفين والمبدعين، يدرك بأن لإلياس خوري صورة أخرى تتمثل في شخص الناقد، حيث أصدر ثلاثة كتب تعد مراجع في مجال نقد الرواية والشعر. وأذكر «تجربة البحث عن أفق» (1973)، «دراسات في نقد الشعر» (1979) و»الذاكرة المفقودة» ( 1982). ومنذ التاريخ الأخير، لم يصدر كتابا نقديا على حد متابعتي، بل إن العديد من تصوراته النقدية يعمد إلى تصريفها ضمن الكتابة الروائية.
2 ـ تجربة إلياس خوري في الممارسة النقدية، تبين عن تمكن من آليات التحليل الأدبي، وبالتالي الاقتدار على التأويل، وفق المقارنة بين النصوص، سواء الروائية أو الشعرية، علما بأن النظر النقدي لا يكتفي بتمثل النص في ذاته، وإنما بربطه والمحيط الذي ظهر فيه. ففي كتاب «تجربة البحث عن أفق»، تتحق قراءة واقع الرواية العربية بعد الهزيمة من خلال تجارب الرواد: سهيل إدريس، عبد الرحمن منيف، الطيب صالح، يحيى حقي، جبرا إبراهيم جبرا وفاضل العزاوي. ولعل من أقوى الفصول في هذا المؤلف، الموسوم بـ»تدمير العالم»، ويقتضي استحضار التجارب في زمنها وقراءة أثر الهزيمة وامتداداتها على مستوى الراهن، حيث هزائم العرب لا تعد ولا تحصى، وفي ما بينهم بالأخص في غياب العدو.
3 ـ إن الرواية في هذا الفصل، محاولة قراءة الواقع في قوة تحولاته، حيث تبرز الذات كرمز يطرح مشكل الوجود والكينونة، من ثم، وكما يذهب إلياس، تمثل صورة الذات كحقيقة خاصة، في ما العالم يحضر كوهم. وحتى يتحقق التعبير عن هذه التحولات، يدمر البناء الروائي التقليدي بالانفتاح على أكثر من جنس تعبيري: (المسرح، السينما والشعر). يقول إلياس خوري مقارنا: «بين تجربة العزاوي وتجربة منيف أكثر من علاقة، يتقاطعان ليفترقا، يدمران العالم بالعودة إلى نقطة وعي الذات من خلال الغرب. لكن الوعي هنا، يأخذ معاني حادة ومأساوية، إنه وعي واقعي مجرّح. يحمل أدوات الغرب ليدمر ذاته، تعبيرا عن العجز عن الوصول إلى لحظة صدام مشرفة»، إن الغاية من تدمير العالم:
– محاولة فهم الذات.
– وذلك باعتماد أدوات الغرب لخلق شكل إبداعي مفتوح.
– وبالتالي، تجاوز آثار الهزيمة، هزيمة المثقف لبناء نهضة مغايرة.
ولعل السؤال الذي يطرح اليوم: أترى تجاوزت الرواية العربية راهنا هذا المشكل، مشكل فهم تحولات العالم؟ أم أنها بمثابة وعي متقدم عن واقع جد متخلف؟
٭ كاتب مغربي