خاضوا انتفاضتين كبرهان علي عدم اكتفائهم بالتسول وسيخوضون الثالثة اذا أُجبروا علي ذلك
المساعدات الانسانية المعطاة للفلسطينيين تهدف الي معاقبتهم عن خيارهمخاضوا انتفاضتين كبرهان علي عدم اكتفائهم بالتسول وسيخوضون الثالثة اذا أُجبروا علي ذلك الفك يهبط باستغراب نحو منحدرات الرقبة عندما يسمع الواحد منا السياسيين والمحللين وهم يتحدثون عن البرامج السياسية أو عن خريطة الطريق الي أين . للحظة يبدو أن قادة الأمة ينقسمون الي شطرين فعليا: هؤلاء المشغولون جدا في اعداد الفقرات الأخيرة من برنامجهم السياسي واولئك الذين ينغمسون جدا في بلورة الخطة السياسية المناهضة التي تحبط برامج الفئة الاولي. الطرفان يرتكزان بقوة علي الظرف الناجح الذي سنح لهم: حكم حماس يتيح المجال أمام أنصار الخطة السياسية لتكريس فرضية عدم وجود شريك في الطرف الآخر، الأمر الذي يسمح بالانتقال نحو النهج أحادي الجانب. أما دُعاة اللابرنامج فيُسوقون الجدار الفولاذي كوسيلة لمنع حماس من تعزيز قواها، أي أنه لا مجال للحديث بتاتا عن برنامج سياسي. الأمر المثير هو أن الطرفين يتحدثان عن إضعاف حماس و كبحها و حبسها وكأن الانتخابات في المناطق لم تحدث وكأن الجمهور الفلسطيني لم يعطِ هذا التنظيم كامل دعمه. الافتراض، سواء عند عمير بيرتس أو عند نتنياهو أو اهود اولمرت أو تسيبي لفني، هو أن هناك معادلة سحرية: الضغط الاقتصادي علي السلطة برئاسة حماس سيتمخض عن ردود فعل مدنية فلسطينية، الأمر الذي يدفع الديمقراطية الفلسطينية التي ولدت حماس الي إبعادها عن الحكم بعد عامين ووضع شريك ملائم علي رأس السلطة.مثل هذه الأحلام كانت ملازمة لكل العقوبات التي تُفرض علي أي نظام كان: العقوبات الامريكية علي ايران لم تتمخض عن نظام مؤيد للغرب كما أملوا، والعقوبات علي العراق لم توصل الي الحكم زعيما ليبراليا أخضر، والعقوبات علي السودان لاستبدال حكم الشريعة بنظام جمهوري لم تنجح. والحلم الأخير كان في لبنان حيث اعتقدت اسرائيل بينما كانت محتلة لهذا البلد أن الضغط العنيف علي المدنيين سيؤدي الي تغيير الموقف من حزب الله. اذا كان هذا الحلم الاسرائيلي مثيرا للسخرية (والخوف في ظل الغباء العميق الذي يتميز به)، فقد أضيف اليه الآن تجسيد جديد رائع: المساعدات الانسانية . من الواضح لمن ابتدعوا خطة الحصار أن من الواجب دفع الفلسطينيين الي التفكير بصورة جيدة عن اسرائيل الي أن يتحقق حلم العصيان المدني ضد قيادتهم، وإلا فانهم قد ينتخبون الجهاد الاسلامي بعد سنتين ـ ثلاث . هذه هي وظيفة المساعدة الانسانية : شاحنات الغذاء تستطيع الدخول الي غزة والضفة، أما المال الناتج عن العمل والخدمات فلا يستطيع الدخول الي غزة، والي الضفة ايضا قدر المستطاع. من سيحتاج الغذاء أو الدواء يستطيع الحصول عليه من مراكز التوزيع. إلا أن من يقرأ تقرير وكالة الاغاثة الامريكية الذي نشر في الاسبوع الماضي، قد يشعر بالقلق من امكانية تحقيق هذه الخطة. التقرير يتحدث عن أن معبر كارني كان مغلقا بين 15 كانون الثاني (يناير) والخامس من شباط (فبراير)، ومن ثم أُعيد اغلاقه بعد 21 شباط (فبراير). كما أن من يقرأ عن وصف المصاعب التي تقف في طريق من ينتقل من مدينة الي اخري في الضفة، كما تورد عميرة هاس في صحيفة هآرتس ، يدرك أنه لا يوجد تفسير آخر للمساعدة الانسانية . وما الضير في ذلك؟ أولم يُطبق في العراق ايضا في ظل صدام حسين نظام الغذاء والدواء.هذا هو الشرك الذي يهبط اليه أصحاب نبوءات المستقبل الخالي من حماس. لأن مشكلة اسرائيل ليست مع حماس قوية أو ضعيفة، وانما هي مع الجمهور الفلسطيني الذي انتخبها. هذا الجمهور هو الذي يجب أن يُباد أو يُستبدل اذا كانوا يريدون الهدوء. لأن المشكلة مع هذا الجمهور علي النحو التالي: اسرائيل جربت معه انتفاضتين متلاحقتين، واحدة بيضاء والثانية حمراء . الاولي كانت متميزة بالحجر، والثانية بالعمليات الانتحارية. كلتا الانتفاضتين اندلعتا من قلب جمهور لم يوافق علي الاكتفاء بـ المساعدات الانسانية أو بـ الصدقات السياسية . الانتفاضة الاولي انتهت باتفاق اوسلو، أما الثانية فقد انتهت بأقل من ذلك بكثير ـ الهدنة. اذا كان علينا أن نختبر القدرة علي توقع طابع الانتفاضة الثالثة، فان أحدا لن يخطيء في الاجابة علي ذلك. ولكن، وكما هي العادة عندنا: لا يعرفون طالما لم يُجربوا.تسفي برئيلمراسل الصحيفة للشؤون العربية(هآرتس) 12/3/2006