بيروت-“القدس العربي”: خلال حفله مفتتحاً موسم حفلات الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق عربية، أطلق الفنان غسان صليبا صرخة مواطن موجوع، ودعا للنزول إلى الشارع لمواجهة الفساد، فتلقى تصفيقاً حاراً.
على جبهة الفن يعتبر غسان صليبا من بين قلة نادرة من الفنانين الذين حافظوا على أصالتهم الإنسانية والمهنية. فنان ليس غزير الإنتاج لكنه لم يسجل في مسيرته خطوة ناقصة أو أغنية هابطة. ولم يساير موجة، أو شركة إنتاج ليكون في الصدارة. بل هو من فئة قليلة يمكن وصف مسيرته الفنية بالعصامية.
تمكن غسان من تسجيل نجاحات متكررة في المسرح الرحباني. فهو كحضور وصوت بات ركناً أساسياً من هذا المسرح الراسخ في الحياة الفنية اللبنانية والعربية.
للفنان غسان صليبا خامة صوت لا تزال تتألق وتتجوهر عبر التجربة. إنه صوت كبير وقوي بانسياب أخّاذ. ولهذا كان حفله في مسرح بيار أبي خاطر بقيادة المايسترو اندريه الحاج علامة مميزة لهذا الموسم الغنائي.
معه هذا الحوار:
*شكلت استضافتك من قبل الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق عربية تتويجاً راقياً لمهرجانات الصيف الناجحة. ماذا قالت لك تلك الأمسية؟
**هي أمسية مميزة مع الأوركسترا الوطنية والمايسترو أندريه الحاج. قدمنا خلالها أغنيات تشتاق لها الناس سواء من أغنياتي في المسرحيات الغنائية، أو من أرشيف الأغنية اللبنانية. التفاعل كان جميلاً للغاية والجمهور كان في انتظار هذا النوع من الحفلات، وبشوق لهذا النوع من الإطلالات الفنية، وهو يحب سماع الأصالة الفنية، والغناء المتقن والمشغول بشكل صحيح.
*هل هي أغنيات لا تدخل في ريبرتوار حفلات الصيف؟
**في حفلاتي خلال مهرجانات الصيف أختار تقديم أغنيات غير مألوفة، إلى جانب الأغنيات الراقصة. يتضمن برنامجي أغنيات هادفة ووطنية، وأخرى عاطفية وشعبية. ففي مهرجان “فقرا” على سبيل المثال أديت قصيدة “على قدر أهل العزم” للمتنبي واستقبلها الجمهور بالترحاب. للمهرجانات الكبرى حيث يجلس الجمهور على الكراسي، ويكون جلّ اهتمامه منصبا على المسرح من دون سواه، نكهتها المميزة.
*بماذا يشعرك هذا النوع من المهرجانات؟
**أرتاح له لسبب أساسي، وهو الإطار الذي ينفذ من خلاله وتحديداً المسرح والإضاءة، وكافة التقنيات التي تساعد الفنان على تقديم فنه ضمن إطار جميل إلى جانب المضمون بالطبع. وفي الحفلات المماثلة يكون الإهتمام منصباً على الفنان وحده وما يقدمه من غناء معبر، وميلوديات جميلة ومتقنة موسيقياً. والجمهور يحمّس الفنان لتقديم كل جميل. في حين تختلف المهرجانات الشعبية حيث الجمهور يطلب الرقص والهيصة فقط. ويبقى دور الفنان بأن يتكيف مع كافة الأجواء.
*وهل تحرص على حضور الكورال في حفلاتك هذه؟
**أكيد، فمعظم الأغنيات تطلب حضوراً للكورال. في أغنية لمعت أبواق الثورة للكورال حضور ذو دلالة واضحة.
*هل فاجأك الحضور الذي توافد قبل ساعة من موعد حفل الأوركسترا الوطنية؟
**صراحة لم أكن أعرف أن هذا ما يحدث في حفلات الأوركسترا الوطنية. وهو يؤكد ما سبق قوله عن عطش الناس لهذا النوع من الحفلات وللإطلالات الفنية ذات الإتقان الموسيقي والفني. كل فن لا يمنح المتلقي المتعة والفرح لا يرقى إلى مستوى النجاح.
*هل من فرق بين جمهور الأوركسترا الوطنية وآخر يختار حفلات ببدل مالي؟
**مطلقاً. هذه مشاركتي الكبيرة والأولى مع الأوركسترا الوطنية. وسبقتها مشاركة في مهرجان للأغنية العربية في طرابلس حيث أديت أغنيتين فقط.
*سمعت بعض الأغنيات وشاهدتها سابقاً في سياق مشهدي ومسرحي هل تطلب غناؤها ضمن ريستال جهداً أكبر؟
**لا شك. فهي أغنيات تتصف بميلوديات صعبة، إلى جانب تضمنها للقرار والجواب وتنوع الأنغام. إنه الحرص على تقديم الصعب والجميل معاً. من يتعب لتقديم عمله تهون عليه المصاعب. فالسهل لا يعمّر.
*في أوضاعنا اللبنانية الراهنة ماذا تعني لك صرخة “وطني بيعرفني وأنا بعرف وطني”؟
**نحن نحتاج لمعرفة وطننا. ومعرفة أهميته لنحافظ عليه. بصراحة آسف لأن بعضهم لا يزال يمارس رمي النفايات من نوافذ السيارات. فهل يحتاج كل مواطن منا لآخر يجمع النفايات من خلفه؟
*أي جريمة أكبر في رأيك إنشاء مكبات على الشاطئ أم رمي النفايات من نوافذ السيارات؟
**جميعها جرائم كبرى. المسؤولون والمواطنون لا يخافون على الوطن. وهنا أسأل عن دور وزيرة الداخلية؟
*استعدت كباراً في الكلمة واللحن والصوت وأنت خير من يكرم هؤلاء. هل كنت في تحدٍ لذاتك؟
**ليس تحدياً بل اختيار لأغنيات أعشقها. وأعتبر أن تقديمها للجمهور بصياغة متقنة تكريماً لنا وللأغنية اللبنانية. فالكبار الذين صنعوا هذه الأغنيات هم من يكرموننا. ما تركه لنا هؤلاء الفنانون الراحلون لا يصدقه عقل لما فيه من جمال واتقان، وكم بذلوا لأجله من تعب وجهد. من أبسط الواجبات تقديم هذا النوع من الغناء مع هذه الإطلالة المميزة برفقة الأوركسترا السمفونية الشرق عربية والمايسترو أندريه الحاج. هي أغنيات فائقة الجمال علينا تقديمها للجيل الجديد كي يعرف تراثه الثمين الغائب عن محطات التلفزيون وأثير الإذاعات. وكي لا نقع في التعميم ربما يثابر بعض الأهل على إسماع أبنائهم هذا الغناء، لكن الغالبية لا تعرف التراث الغنائي.
*”لمعت أبواق الثورة” كانت شديدة الوقع على الحضور. هل يمكن وصفها بالإختيار المطابق للمرحلة التي نعيشها خاصة مع التظاهرات التي شهدناها بعد ثلاثة أيام؟
**الناس في وطننا ينتظرون شرارة لينطلقوا إلى الشارع. الرغبة جامحة بكسر حاجز الخوف واللامبالاة التي يتسم بها قسم كبير من الشعب اللبناني، فيما يلتحق قسم آخر بالطائفة والزعيم الذي يمننه بإدخاله إلى المستشفى إن هو مرِض، أو توظيف ابنه. فيما هذا من حقه الطبيعي والبديهي وليس منّة.
*حرضت الجمهور على الثورة داعياً للخروج من المسرح إلى الشارع. ألا تخاف؟
**من من؟ لا أهين إنساناً بعينه. هي دعوة للثورة على الظلم والفساد الذي ينخر بلدنا ويكاد يدمره. وعندما يحصل تحرك جدي سأكون في الطليعة.
*تمنيت لو تحكم النساء بلدنا. هل هي ثقة مدروسة أم تعبير عاطفي؟
**شهوة السلطة لدى الرجال في بلدنا مخيفة للغاية. طمعهم وشجعهم المالي مخيف بدرجة أكبر. هل يقبل عقل أن بلداً صغيراً له اقتصاد متواضع ولديه عدد من الأشخاص يملكون المليارات والدولة مديونة؟ وهذا الحال غير موجود لدى النساء.
*بالنظر إلى مسيرتك الفنية هل أنت راض أم ثمة لو؟
**بالتأكيد أحمل في نفسي الرضا عن كل ما قدمته في الفن من غناء وريستال ومسرح، وهي كانت مسيرة مختلفة. حضوري ليس واسعاً جداً لكنه مدروس ومتكامل. ولا تحسر على ظهور لم يكن بالمستوى المطلوب. لجهة الوضع الفني فهو غير صحي في لبنان خاصة فيما يتعلق بدعم الأغنيات والفيديو كليب ليتم بثها. من أجل أن يقدم الفنان أغنية عليه رصد موازنة كبيرة لدعمها. هذه الأجواء دخلتها بحذر شديد وليس كما غيري من الزملاء.
*هل ترتاح لخصوصيتك هذه أم تزعجك في مكان ما؟
**لا شك بأن هذا الواقع يتسبب بالإزعاج، فالساحة غير مفتوحة بشكل طبيعي وتلقائي، بحيث يُترك للناس أن تختار ما تحبه. كما أن الهواء غير متاح للجميع بشكل متساوي وعادل. بل هو متاح لكل فنان يمتلك الثروة.
*منذ بدأت الغناء في السبعينيات تبدلت الظروف والأحوال والأشكال والمعطيات على صعيد الفن. أي المراحل تشعرها الأقرب لك؟
**لا شك هي مرحلة الثمانينيات. حينها كانت شركات الإنتاج متعددة. بعد تلك الحقبة آلت السلطة لشركة واحدة أخفت الشركات التي كانت قبلها، ومن ثم اختفت بدورها. في تلك المرحلة كنت في غاية الراحة. كنت أنتج أغنياتي بنفسي غالباً، وكان لي تعامل محدود مع بعض الشركات.
*هل تستفيد من السوشيل ميديا؟
**من دون شك. لا اهتمام شخصي من قبلي، لكنه من أفعال الجمهور والمحبين. يفاجئنني باهتمامهم بنشر أدق التفاصيل. وبالتأكيد أشكرهم من خلالكم.
*هل اشتقت للمسرح؟
**الشوق دائم للمسرح، وقبل حوالي ثلاثة أشهر عرضنا في مهرجان قرطاج إعادة لملوك الطوائف. لكن الشوق كبير لعمل جديد.
*ما هي أغنيتك الأثيرة من ريبرتوارك الغني؟
**وطني بيعرفني وغريبين وليل.
*هل شجعت ابنك وسام لسلوك درب الفن؟
**مطلقاً. لم أشجع زياد ولا وسام. هما قررا طريقهما بنفسيهما. كبرا وهما يتابعان المسرح والفن. هذه الأجواء رافقتهما منذ طفولتهما. وهما معاً يمثلان ويغنيان ويعزفان الموسيقى.
*هل أنت راض عنهما؟
**راض لأنهما يسعيان لتقديم أفضل ما لديهما. حقق وسام سريعاً نجومية وصار ممثلاً أول، وهو محبوب من الجمهور. وعلى صعيد الغناء أنصحهما بتقديم ما يشبههما، وما يحاكي عمرهما وجيلهما.
*ماذا اخذا من صوتك على صعيد الوراثة الجينية؟
**”تامبر باريتون”.