بيروت – «القدس العربي» : ألقت نادين لبكي، المخرجة اللبنانية والداعمة رفيعة المستوى للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، الكلمة الرئيسية خلال حفل تسليم جائزة نانسن لعام 2019 في جنيف.
جائزة نانسن تمنحها المفوضية للأشخاص والمجموعات والمنظمات، التي تتفانى من أجل حماية اللاجئين والنازحين وعديمي الجنسية، تأسست عام 1954 إحياء لإرث فريدجوف نانسن العالم النرويجي والمستكشف القطبي والدبلوماسي والمفوض السامي الأول لشؤون اللاجئين في حقبة عصبة الأمم.
فاز بالجائزة للعام 2019 محامي حقوق الإنسان من قيرغيزستان عزيزبك أشوروف. فجهوده ساعدت جمهورية قيرغيزستان لتصبح أول بلد في العالم
يقضي على حالات انعدام الجنسية. فمن خلال منظمته «محامون بلا حدود في وادي فرغانة» ساعد أكثر من 10 آلاف شخص على اكتساب الجنسية القيرغيزية بعد أن أصبحوا من عديمي الجنسية بعد تفكك الاتحاد السوفييتي.
يذكر أن انعدام الجنسية يطال الملايين من الأشخاص حول العالم، حيث يحرمون من الحقوق القانونية أو الخدمات الأساسية ويجدون أنفسهم مهمشين سياسياً واقتصادياً، ويعانون من التمييز، ويكونون عرضة للاستغلال وسوء المعاملة.
وجاء في كلمة نادين لبكي في المفوضية: «أنا لا شيء، أنا حشرة، أشعر أنني غير مرئي. تتم معاملة الحيوانات أحسن مني. أتمنى لو أنني لم أولد أبدا.» هذه هي كلمات فراس، فتى عديم الجنسية التقيت به خلال سنوات بحثي من أجل فيلمي «كفرناحوم». مثل العديد من الأطفال عديمي الجنسية الذين قابلتهم، عندما سألته: «كم عمرك؟» كانت إجابته: «لست متأكدًا، تقول والدتي إنه يجب أن أكون في سن 12 أو 13.» «إذا أنت لا تعرف تاريخ ميلادك؟» «لا، أخبرتني أمي أنني ولدت خلال فصل الشتاء. كان الثلج يتساقط في ذلك اليوم». وأضافت لبكي: للأسف في بعض البلدان تسجيل أطفالك يكلف مالًا.عندما نفكر بذلك نعرف أن فراس لم يحتفل أبداً بعيد ميلاده، واليوم الذي جاء فيه إلى العالم.
يقضي أكثر من 12 ساعة في الشوارع يبيع المناديل أو يوصل مواد البقالة وقوارير الغاز، مما يترك له ساعات قليلة من النوم ليلًا. لا يستطيع حتى كتابة اسمه.عندما كان الأطفال في سنه يستعدون للذهاب إلى المدرسة، رفضت المدرسة تسجيله لأنه لا يملك هوية. لم ينقذ أحد أخته البالغة من العمر 11 عاماً من بيعها للزواج المبكر. فبسبب وضعها، كانت فريسة سهلة. أما فراس فلا يمر يوم واحد دون تعرضه لسوء المعاملة اللفظية أو الجسدية، والتعرض لأشد الناس وحشية وخطورة.
وتتابع لبكي في كلمتها: سينتهي الأمر بفراس وكأنه شخص غريب في المكان نفسه الذي ولد فيه ونشأ فيه، ليصبح غير مرئي، حتى في عينيه. ربما سيتعرض للاستغلال، وربما حتى الاتجار بالبشر. وقد يضطر للجوء إلى الجريمة والسرقة، لمجرد البقاء على قيد الحياة.
وسألت لبكي: ما الذي يعنيه في الواقع عدم وجود شهادة ميلاد، أو بطاقة هوية، وأن لا تكون مواطنا في أي بلد أو أن لا تنتمي، أو أن تكون غير مرئي؟ بالنسبة للملايين حول العالم من الذين لا يحملون بطاقة هوية فمجرد العيش حياة طبيعية يبدو وكأنه حلم مستحيل. من المحتمل أن المدارس لن تسجل أطفالًا عديمي الجنسية، وأن ترفض المستشفيات علاج المرضى منهم، ولن ترغب الشركات في توظيفهم. وحتى فتح حساب مصرفي أمر يشبه تسلق الجبال. والزواج قانونياً من الشخص الذي تحبه قد يكون مستحيلاً. إنها حقوق أساسية يعتبرها معظمنا مسلمات ممنوعة على عديمي الجنسية. وخلصت نادين لبكي للقول: وفقًا للمادة 7 من اتفاقية حقوق الطفل، «يسجل الطفل بعد ولادته فوراً ويكون له الحق منذ ولادته باسم […] والحق باكتساب جنسية». هو حق لكل طفل، بغض النظر من هم والداه، أو مكان ولادتهم، أو في أية ظروف أخرى.
196 دولة وقعت على هذه الإتفاقية، فكيف يبقى انعدام الجنسية حقيقة بالنسبة لملايين الأطفال حول العالم اليوم؟ هل هذا الالتزام مجرد كلمات، وحبر على ورق لبعض الأشخاص لكي يناموا بشكل أفضل في الليل؟ وتوجهت للحضور بالقول: جميعكم هنا في هذه الغرفة تستطيعون تغيير هذا الواقع. إذا عملنا معاً نصبح صنّاع القرار ونطالب بهذا التغيير مرة واحدة وإلى الأبد. نحن مدينون لهؤلاء الأطفال بجعلهم مهمين. أعلم أن لانعدام الجنسية عدة أوجه وأشكال. ولكن شيئا بسيطا مثل إلغاء تكلفة تسجيل الأطفال أو معالجة عدم المساواة بين الجنسين في قوانين الجنسية يمكن أن يحل هذه القضية الوجودية لمن حياتهم مكسورة حول العالم. فليس لدينا الحق بالتكيف مع مثل هذا الظلم.
متى نستيقظ ونعترف بأن هذا الاغتراب والإحباط يمثلان وقوداً للعنف والغضب والتوتر؟ السيد أشوروف الحائز على جائزة نانسن هذا العام، يجسد هذا الحلم نفسه بالهوية للجميع. أحيي جهوده وأستغل هذه الفرصة لأحيي جهود بلادي، لبنان، هذا البلد الصغير، الذي رغم صراعاته، يعيش فيه اليوم أكثر من مليون ونصف مليون شخص لاجئ ونازح وعديم الجنسية.