شكراً تونس

حجم الخط
10

الفوز الساحق للرئيس التونسي قيس سعيّد بالانتخابات والتصريحات التي أدلى بها بمجرد فوزه، ليس لها سوى معنى واحد، ولا تحمل سوى رسالة واحدة مفادها أن الثورة المضادة في تونس فشلت واندحرت وانتهت، وأن الرائعين أصحاب مقولة «إذا الشعبُ يوماً أراد الحياة» قد استجاب لهم القدر فعلاً، واستطاعوا أن يتحرروا من قيود الاستبداد والقمع والتسلط.
تصريحات الأكاديمي والأستاذ الجامعي في أعقاب فوزه عن فلسطين والتطبيع، دليل على أن الرجل لا ينوي ركوب موجة الارتماء في الحضن الصهيوني، التي نشهدها في العالم العربي، من محيطه إلى خليجه، كما أن الرجل يعيد تونس إلى المربع العربي الأصيل، الذي كانت عليه يوم كانت الحضنَ العربي الوحيد للمقاومة الفلسطينية، ويوم كانت مقراً لمنظمة التحرير الفلسطينية.
الأستاذ الجامعي المعروف بتقديسه للغة العربية، في بلد يتحدث أغلبُ سكانه باللغة الفرنسية، فاز بالانتخابات وأصبح رئيساً، ليؤكد من جديد أن تونس تغيرت وتتغير، وأن الثورات المضادة التي تريد إجهاض ثورات الحرية لم تنجح، أو على الأقل فشلت في تونس. سيبدأ العرب بتحسس آثار التغيير الذي بدأ في تونس، ففي أول قمة عربية سيجلس الأستاذ الجامعي، الذي يحفظ قواعد النحو والصرف والعروض والبلاغة عن ظهر قلب، مع عدد من الحكام العرب الأميين، الذين يرسبون إن جلسوا في امتحان للصف السادس الابتدائي، سيجلس الأستاذ الجامعي أمام عدد من الحكام الذين لا يجيدون سوى قمع شعوبهم ودفع المال لأعدائهم، حينها سوف يشاهد المواطن العربي على الهواء مباشرة المفارقة.

الرسالة الأهم التي وصلتنا نحن العرب من تونس خلال الأيام الماضية هي أن «في العالم العربي ما يستحق الحياة»

وبطبيعة الحال، من نافلة القول، الاشارة إلى أن الأميين والجهلة من بعض الحكام العرب سوف يبدؤون على الفور التآمر ضد الأستاذ الجامعي، ليس لشيء إلا لأن وجوده بينهم يشكل فضيحة لهم، وقد يُغري بعض الشعوب الأخرى بأن تطمع في أن يحكمها أستاذ جامعي يجيد القراءة والكتابة والتفكير، ويحب أبناء شعبه بدلاً من قمعهم. رسائل بالغة الأهمية هذه التي تصل من تونس إلى العالم العربي، فقبل أيام فوجئنا بأن أكثر من ربع البرلمان انتهى إلى قبضة حركة النهضة، التي هي الذراع التونسي لجماعة الإخوان المسلمين، وهي الجماعة التي مات زعيمها في سجنه قبل شهور، وهي الحركة ذاتها التي انشغلت عشرات وسائل الإعلام المحلية في شيطنتها طوال السنوات الماضية، ونسب كل المصائب لها ولأفرادها، بما فيها جرائم الاغتيال التي تلت «ثورة الياسمين» والتي بات من المؤكد أنها كانت تهدف إلى إشعال الفتنة في البلاد. وفي حالة الانتخابات التشريعية فليس مهماً إن فازت النهضة أو خسرت، بقدر ما أن المهم هو أن حملات الدعاية السياسية الممنهجة لم تنجح، وهو ما يعني أن التونسيين على درجة عالية من الوعي والفهم والذكاء.
الرسالة الأهم التي وصلتنا نحن العرب من تونس خلال الأيام الماضية هي أن «في العالم العربي ما يستحق الحياة»، وأن حركة التغيير وإن انكفأت وتعثرت لبعض الوقت، إلا أنها ماضية نحو التحقق، وما حالة التوحش والقمع غير المنطقي التي تمارسها بعض الأنظمة، إلا لأنها تشعر بأنها تلفظ أنفاسها الأخيرة، وأن التغيير مقبل إليها لا محالة، لأن الشعوب قد تنكفئ بعض الشيء لكنها لا تموت.
نتائج الانتخابات الرئاسية والتشريعية في تونس، بعثت رسالة تفاؤل بالغة الأهمية إلى العالم العربي من محيطه إلى خليجه، وهي الرسالة التي ربما تكون أهم من نتائج الانتخابات ذاتها، إذ قالت تونس للعرب بأعلى صوت بأن التغيير ممكن، وأن الديمقراطية تصلح للعرب كما هي لغيرهم، لا بل العرب ليسوا أقل حظاً ولا أقل تأهيلاً لهذه الديمقراطية، وهذا التداول للسلطة، وهذه الدرجة الرفيعة من التحضر.
لا يمكن لأي عربي بعد اليوم أن ينكر فضل تونس على الأمة، ففضل التونسيين على العرب، كفضل العالم على الجاهل، بل أكبر من ذلك.. شكراً لتونس ولديمقراطيتها ولرئيسها الدكتور ذي اللسان العربي الفصيح.
كاتب فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الباشا:

    أصدق التهاني للإخوة في تونس الخضراء على هذا العرس الديمقراطي ، ونتمنى للرئيس التونسي الجديد كل التوفيق ونتمنى أيضا من حكماء تونس من أهل الإدارة ورجالات الحكم مساعدته على أداء مهامه ، ولا يحاولون شيطنته لأنه صار حاكما عليهم.
    نذكر الجميع بأن عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين أعجب بالنهضة التعليمية والإصلاحية في تونس وقال سنة 1956م في بداية محاضرة ألقاها في العاصمة التونسية ( إن تونس قد سبقت البلاد العربية كلها لا استثني منها بلدا واحدا إلى هذا الذي طالما صبا إليه المصلحون.

  2. يقول .Dinars.:

    اعلم أن فلسطين لها مكانة في كل عقل وفي كل قلب تونسي ومن ليس متعلقا بفلسطين ففيه نظر من الناحية الوجودية.
    فلسطين هي وجدان كل حر.

  3. يقول حبيب براهمي:

    من قال أن أغلب التونسيين يتكلمون الفرنسية؟

  4. يقول علي جبريل:

    شكرا تونس..الأمة العريقة التي هزمت الدولة العميقة..شكرا تونس علمتنا كيف نثور على اعتى الطغاة بعد ان بلغ الوهن مبلغه..شكرا تونس علمتنا كيف نتصدى لتأمر مترفي العرب وغلمانهم عسكرتاريا الهزيمة والجريمة..شكرا تونس التي علمتنا كيف تبنى الديمقراطيات الأصيلة اللائقة بشعب اصيل…شكرا تونس التي علمتنا انه اذا الشعب يوما اراد الحياة فلابد ان يستجيب القدر

    1. يقول مح:

      مبالغة كبيرة ان تونس علًمتكم اي شيء،،، اوًلا ما ينجح في تونس ليس بالضرورة ممكن التحقيق و ليس مرغوب انه يتحقًق في دول عربيًة اخرى،،،كل دولة عربيًة لها خاصيًاتها و تاريخها و وضعها الاقتصادي،،، و بالتالي لا يمكن شيء ينجح في دولة، أي دولة، ينجح في دولة اخرى،،، خلًينا واقعيًين!

  5. يقول سامح//الاردن:

    *وشكرا للأخ الكاتب على مقاله القيم.
    مبروك لتونس الخضراء عرسها الديمقراطي.
    ربنا يحفظ تونس من غدر أعداء
    الديموقراطية (بعض حكام العرب الساقطين المستبدين الجهلة الفاسدين).

  6. يقول Abderrahman:

    يا سيدي الشعب التونسي لا يتكلم باللغة الفرنسية بل بدارجته العربية ككل شعوب شمال إفريقيا زيادة على لغتهم الأصلية الأمازيغية.

  7. يقول تونس الفتاة:

    اظن نسب حركة النهضة الى الاخوان المسلمين ….لا يخدم هذه الحركة (مع انى متفق معك ) التى استعملت كل وسائل الاتصال و كل انواع التلون الحربائي لكى تتخلص من هذا الانتماء الذى يجلب لها الصداع و يشكك فى تونستها الفعلية …
    شكرا تونس لماذا …..؟ هل تنتظرون شيئا ما من تونس ….؟ اذا كنا سعداء بشئ هو ان تونس انهت احلام الديكتاتوريات و احلام تجار الدين و احلام الانتهازيين من العلمانيين و احلام الاسلام السياسي و احلام حركات الخراب و الارهاب ….وقالت لهم ان الباب الوحيد هو الديمقراطية العصرية و مدنية وعلمانية الدولة ….و الحاكمية هى للشعب فقط لا غير ….
    نعم النهضة لها ربع البرلمان و لكن ليس لها ثلاث ارباع البرلمان و اذا كانت بهذا الربع قادرة على انشاء ربع حكومة و قادرة ان تمرر ربع قانون فالباب مفتوح لها ….و الله المستعان

  8. يقول مح:

    استاذ، راهو موش اغلب الشعب يتكلًم الفرنسيًة!! منين جبت هذي المعلومة؟ و الرئيس في تونس لا يمتلك صلاحيًات كبيرة!

إشترك في قائمتنا البريدية