الشباب التونسي بين اللامبالاة السياسية والنقمة على الوضع القائم

روعة قاسم
حجم الخط
0

تونس-“القدس العربي”:  أظهرت نتائج الانتخابات الأخيرة التي شهدتها تونس سواء في التشريعية أو في الدورة الأولى من الرئاسية، بروز ظاهرة العزوف الانتخابي أو اللامبالاة السياسية لدى فئة كبيرة من الشباب. فحسب التقارير الصادرة عن مؤسسات سبر الآراء ومراقبة توجهات الناخبين يتبين أن هناك حالة من العزوف الكبير لدى الشباب فيما يخص الإقبال على صناديق الاقتراع، وهناك نسبة مشاركة متدنية لدى هذه الفئة الهامة التي لم تتجاوز نسبتها 15 في المئة تقريبا في الانتخابات التشريعية الماضية رغم كل ما يمثله هذا الاستحقاق من أهمية باعتباره سيحدد الخريطة السياسية الجديدة للبلاد خلال السنوات الخمس المقبلة، ما أثار مخاوف لدى عديد المراقبين والمتابعين على مستقبل العمل السياسي في البلاد.

“القدس العربي” استطلعت آراء الشارع التونسي ولمست حالة من اليأس والنقمة على الوضع القائم لدى الشباب.

يقول وجدي رياحي وهو شاب من سكان منطقة باردو في العاصمة “أنا لم انتخب لأنني لم أجد من بين الأحزاب من يمثلني”. أما فاطمة الشامخي وهي من سكان حي الوردية جنوب العاصمة، فقالت إن “المرشحين دون المستوى المطلوب ولا يعقل أن تقوم جامعية مثلي تعاني من مشكلة البطالة بانتخاب من هم دون المستوى العلمي والجامعي. فلن أذهب وأقف في الطابور لساعات طويلة وأنتظر دوري لكي أنتخب المرشح هذا أو ذاك”. وأعربت هالة برهومي وهي طالبة جامعية من ولاية منوبة عن عدم ثقتها في السياسيين وفي البرلمانيين وقالت “لقد عدنا إلى نقطة الصفر ولن نستطيع ان نغير أي شيء”.

عقاب السياسيين

وعن أسباب عدم المشاركة السياسية يقول محمد جويلي استاذ علم الاجتماع في الجامعة التونسية لـ “القدس العربي”: “لا يمكن وضع عدم مشاركة الشباب في الانتخابات في خانة واحدة” مشيرا إلى أن الشباب ينقسم إلى ثلاث فئات أو أصناف موضحا: “الصنف الأول هو اللامبالي وهو الذي يمتلك وعيا حول الوضع السياسي والانتخابات، ولكن لا يعتبر ذهابه إلى صندوق الاقتراع أساسيا، ولكن لديه دراية بالشأن العام. والصنف الثاني من الشباب فهو الرافض الذي لا يذهب إلى صندوق الاقتراع ويقدم خطابا ناقما وغاضبا ازاء الوضع السياسي، وتجد لديه قلة ثقة في المسار السياسي بشكل عام. والصنف الثالث فهو الفئة من الشباب التي لديها نقص في الوعي ولا تدرك حقيقة أن هناك عملية انتخابية ولا تدرك ما معنى الانتخابات وإلى غير ذلك وهي بعيدة كل البعد عن ما يجري في المشهد السياسي وهذا مرتبط بقلة وعي جادة. هذه الفئة تفتقر إلى الحد الأدنى المطلوب من الوعي بالشأن العام السياسي والانتخابي”.

ويلاحظ استاذ علم الاجتماع أن أسباب عدم المشاركة السياسية أو الانتخابية تختلف بين كل فئة أو صنف من هؤلاء الشباب. “فالصنف الأول الذي يمتلك الوعي السياسي والثقافة ولكن لا يعنيه الأمر لا تعتبر الانتخابات في سلم أولولياته، واهتمامه بها عرضي، والمسألة لا تعنيه بالمرة وهو موقف يخصه. أما أسباب عدم المشاركة السياسية لدى الصنف الثاني، فتعود لكونه ناقما على الشأن والأداء السياسي والوعود الزائفة لدى الطبقة السياسية والوضع في تونس بعد الثورة وكذا الأحزاب السياسية بكل ما تحمله من إرهاصات سياسوية طبعت المشهد السياسي طيلة الأعوام الماضية. فهذا الصنف لا ينتخب ويعتبر ذلك نوعا من العقاب للسياسيين، فهو لا يريد أن يكون “شاهد زور” على العملية الانتخابية. أما أسباب عدم المشاركة لدى الفئة الثالثة فتعود أساسا إلى نقص الوعي وعدم المعرفة بما يجري ويدور في الشأن العام وهذه الفئة موجودة في المدن ولكن بشكل خاص في الأرياف”. ويضيف الجويلي: “ويمكن أن نلخص الأسباب في النقص الكبير في مسألة الثقافة الديمقراطية والتوعية الانتخابية حتى قبل الثورة. لأن هناك جيلا كاملا لم يترب على الثقافة الانتخابية الشفافة والمسؤولة وثقافة المواطنة التي تقوم على المشاركة الإيجابية في الحياة العامة، فكل ذلك يساهم في تشكيل وعينا. ولا يجب أن ننسى أنه طوال العقود الماضية كانت هناك ثقافة واحدة متفشية وهي ثقافة الحزب الواحد. وكذلك نجد أن الجامعة تلعب دورا كبيرا في ترسيخ هذه الثقافة. ففي التسعينيات غاب عنها الوعي السياسي الذي كان موجودا بقوة في السبعينيات. فاليوم اللامبالاة السياسية هي الغالبة على الطلاب، فجيل السبعينيات هو جيل الزعامات الطلابية ولكن إلى حدود التسعينيات نلاحظ ان هناك نوعا من الكسل السياسي في الجامعة التونسية التي أفل نجمها ولم تعد تخرج سياسيين بالقيمة والزخم نفسه. لم تعد الجامعة تفرز الوعي الطلابي الاحتجاجي وهذا كله يؤثر على تكوين الشباب وفهمه للشأن العام بكل مساراته وتحدياته ومعضلاته”.

تطور الوضع الاقتصادي

وأضاف: “نعتقد أن هذه التصنيفات تفسر العزوف أو عدم المشاركة، إذ لا نستطيع ان نضع الشباب كله في سلة واحدة، فهم يختلفون في تكوينهم وفي وعيهم وثقافتهم وحجم إدراكهم السياسي والمجتمعي. وهم (أي الشباب) فئات ومسارات مختلفة ووعي مختلف. نحن نختزل هذه الفئات في ثلاثة أصناف من الشباب في تونس، والشريحة العمرية لهؤلاء تتركز بين 18 و25 عاما فهي أقل شريحة عمرية انتخبت إذ لم تتجاوز نسبة إقبالها على الصناديق الـ 5 في المئة من الناخبين فقط. والمعلوم في علم الاجتماع ان هناك علاقة ما بين الزمن البيولوجي أو العمري وبين العملية الانتخابية، فكلما زاد العمر كلما زادت نسبة المشاركة في الانتخابات”.

أي حلول؟

وعن الحلول من أجل بناء مشاركة ديمقراطية أفضل يجيب محدثنا: “الحل هو في تجويد وتحسين أداء السياسيين والبرلمان حتى يكسب ثقة أكثر ويدفع بالناس إلى المشاركة الأوسع. لأن الصنف الثاني الناقم هو الذي يعود للانتخاب منطقيا عندما يشعر أن هناك أداء جيدا وان هناك برلمانيين محترمين وتطورا في الوضع الاقتصادي وهناك حركة إيجابية إلى الأمام. أما بالنسبة للصنف الثالث هنا تقع المسؤولية على المجتمع المدني ليشتغل على التوعية السياسية والانتخابية لدى هؤلاء الشباب أي التوعية المواطنية بشكل عام، فهناك عدد كبير من الشباب الأمي الذي يفتقر إلى أدنى درجات الحس السياسي ويجب نشر الثقافة السياسية اللازمة لإدماجهم ليس فقط اقتصاديا وفي العمل بل أيضا في الشأن السياسي والمدني والمواطني بشكل عام. أما بالنسبة للصنف الأول الواعي والمدرك لحقائق ما يجري فاعتبر عدم مشاركته أمرا عاديا. فالديمقراطية تحتم علينا احترام مواقف الأشخاص، وعدم الانتخاب هو موقف أخذ لدى هؤلاء عن وعي تام وإدراك وليس عن جهل أو أمية، وربما يكون من هذه الفئة شاب سينمائي أو فنان ولكنه لا ينتخب ولكن يؤدي دوره كمواطن بأساليب أخرى.

مسؤولية السياسيين

 

ويقول زياد بن عمر الدكتور الباحث والأستاذ الجامعي في كلية الآداب في سوسة لـ”القدس العربي” أن شابات وشبان تونس هم جزء من مواطني بلدهم وهم يتقاسمون محاسن ومزايا تونس كما يتقاسمون نقائص وعوائق الوطن. والشباب التونسي في رأي محدثنا محب للحياة ومنفتح ومبدع عندما تتوفر له الظروف الجيدة وهو متألق داخل وخارج الوطن كلما توفرت له الإمكانيات، لكن المسألة الأساسية التي يتقاسمها الشباب مع جزء واسع من المجتمع، في رأيه، هي ضعف حس المواطنة التي هي مجموعة من التصرفات والقيم التي يتربى عليها المجتمع داخل العائلة ثم في المدرسة وتحدد للأفراد طريقة التصرف في الفضاء العام وتنمي لديه الحس بضرورة القيام بالواجبات والدفاع عن الحقوق.

ويضيف بن عمر قائلا: “تونس اليوم هي دولة بصدد بناء ديمقراطية بعد قرون من الاستعمار والديكتاتورية وهي تواجه عوامل خارجية صعبة وفي الآن نفسه هي تعاني من مصاعب اقتصادية جمة، ومما زاد الطين بلة هو فشل السياسيين وغياب الكفاءة عندهم. فتونس تعيش سنوات عجاف لم يحمل فيه من يحكم البلد بعد 2011 مشروعاً وطنياً ورؤًى إصلاحية وفكراً يسعى إلى تكريس المناعة واستقلال الوطن، وسوف يتحمل السياسيون والأحزاب المسؤولية التاريخية في تنكرهم لوطنهم وجشعهم الكبير وحبهم لمصالحهم الضيقة وغياب تفانيهم في التقدم بالبلد.

هناك عنصران في غاية الأهمية يمكن أن يضعا شباب تونس على المسار الصحيح وهما إصلاح جذري وهيكلي وعلمي للتعليم، وضخ الإمكانيات اللازمة لذلك حتى يقع تكوين مواطنين متوازنين أحرار وسعداء ممارسين للمواطنة، هذا إلى جانب خلق الأمل لدى الشباب خاصة والتونسيين عامة عن طريق تحريك الاقتصاد وتحسين الأوضاع الاجتماعية وتكريس حوكمة جيدة.

شباب تونس اليوم يحمل محاسن الوطن بطيبة قلبه وحبه للحياة ونشاطه وديناميكيته ولكنه يفتقد ما تفتقده تونس من شعور بالمواطنة هذا إلى جانب يأسه من طبقة سياسية ومن برلمانيين ومشهد إعلامي على غاية من السوء. على الرغم من ذلك فالأمل يبقى قائماً وفرص النجاح المستقبلي متوفرة لأن تونس وعلى الرغم من كل النقائص تحمل ركائز جيدة يمكن العمل على تطويرها وتحسينها”.

حصاد سيئ

 

ويرى الناشط السياسي والحقوقي التونسي وكان مرشحا للانتخابات التشريعية باديس الكوباكجي أن الشباب التونسي مصاب بالإحباط وبخيبة الأمل من الطبقة السياسية التي وعدت بالفردوس وبالمدينة الفاضلة بعد الثورة. فإذا بهذه الطبقة السياسية تتلهى بتقاسم كعكعة الحكم وتنسى مطالب الشباب المتمثلة في الأساس في التشغيل مع اهتمامات أخرى ثقافية ورياضية وفنية وسياسية أيضا.

فحتى داخل الأحزاب السياسية، وبحسب محدثنا، لا ينال الشاب التونسي المكانة اللازمة وتبقى المناصب القيادية حكرا على الشيوخ وكبار السن ومن مل الشارع التونسي وجوههم وفقد الرغبة في مواصلة متابعتهم وسماع أخبارهم في مختلف المنابر. ففي أفضل الحالات يلحق شاب أو شابان بالمكاتب السياسية للأحزاب كديكور ولا تكون لهذا الشاب عادة القدرة على أخذ القرار أو المساهمة في صياغة الأفكار بسبب احتكار كبار السن لذلك.

ويضيف محدثنا قائلا: “إن حصاد ثمان سنوات من الثورة سيئ جدا وهزيل على المستويين الاقتصادي والاجتماعي وحياة التونسيين اقتصاديا واجتماعيا تسير من سيئ إلى أسوأ خصوصا في السنوات الأخيرة. حيث ارتفعت الأسعار وتدهورت القدرة الشرائية للمواطن واستهدفت الطبقة الوسطى وبات أمل التونسيين هو العودة للأرقام التي كانت تسجل في 2010 أي في السنة التي سبقت الثورة.

ففي ظل هذا المناخ المتدهور اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا كيف يمكن أن نطالب الشاب التونسي بأن يتحول إلى صناديق الاقتراع ويدلي بصوته لمن سيحكم تونس في السنوات المقبلة، فهل ما زال هناك شيء اسمه تونس أصلا؟ لقد استنزفوها إلى الحد الذي لم يعد فيها ما ينهب حتى أنه لم يعد ممكنا لمن سيحكمها أن ينفذ وعوده الانتخابية وهذا ما يدركه الشباب تمام الإدراك وهذا ما جعله يلازم بيته يوم الاقتراع فاسحا المجال للأحزاب الكبرى التي لديها أنصار يصوتون لها سواء أفسدت الحرث والنسل أو لم تفسد ويتعاملون معها بمنطق جماهير الكرة التي تساند نواديها في كل الحالات وهذا لا يجوز سياسيا لأنه يغلب الحزب على الدولة”.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية