هوامش: يوم بكى سركون بولص

أمضى شاعر قصيدة النثر سركون بولص (1944/ 2007) في مدينة آزمور شهرا أو يكاد. كان في يوليو/تموز 1999، حيث انتهى قادما من المحمدية مرفوقا بالشاعر والمترجم جلال الحكماوي. أذكر أنني انتظرتهما في مقهى «فرنسا» ذاته الذي ترقبت فيه ذات صيف وصول الشاعرين خالد المعالي وهاشم شفيق.
لم تكن لسركون معرفة بمدينة أزمور، مثلما لم تتح الظروف زيارتها في سياق تردده على المغرب، إلا أن اختياره أزمور وليد دعوة اقترحها عليه خالد المعالي، حيث أقام في فندق صغير، فيما ظل باب بيتي مفتوحا له، كما بعض
الأصدقاء. على أن مساءات الصيف في جلال وداعتها، كانت تسوقنا إلى مقهى قريب من البيت، هنالك تعرفت على سركون حقيقة، إذ لم يكن الشاعر وحسب، وإنما المثقف الجامع الملم بالآداب العالمية في أفقها الأوسع، إلى آرائه الدقيقة في مسألة الترجمة وتصويباته لترجمات عربية تحققت لشعراء ومسرحيين عالميين: ييتس، أليوت وشكسبير. وأستحضر أنه حدثني عن ترجمة قصيدة «عواء» للأمريكي ألن غنسبيرغ . قال: أقدمت عليها بطلب من
الشاعر الفلسطيني محمود درويش، حيث نشرها في أحد أعداد مجلة «الكرمل» لتظهر لاحقا ضمن منشورات دار الجمل المتميزة . وكما تحدث عن ترجمة هذه القصيدة ، أشار لإعادة ترجمة كتاب «النبي» لجبران خليل جبران، علما بأن المتداولة وقعها المصري ثروت عكاشة. أما ونحن نخوض الحديث عن الروائي الأمريكي بول أوستر، واستغرب حينها من كوني سبق وقرأت له «ثلاثية نيويورك»، فأخبرني بترجمته رواية له، ولا أعرف ما إن كانت بين مخطوطاته التي خلفها عقب وفاته. على أن في هذه السنة، تشاء الأقدار أن يموت الملك الحسن الثاني، فألغيت دورة مهرجان «أصيلة»، وكان الشاعر سركون بولص من المدعوين، فقر عزمه المغادرة باتجاه ألمانيا. وهنا تمثل لحظة بكائه، وفي الواقع هما لحظتان وليست واحدة، الأولى في الدار البيضاء في الليلة الأخيرة، إذ وأثناء تجوالنا في وسط المدينة مرّ شابان ظل أحدهما يحدق في سركون بقوة، ليتوجه بالسؤال: أأنت الشاعر سركون بولص؟ ولما ردّ بالإيجاب، قال الشاب: أنا من قرائك المعجبين، ثم صافحه بحرارة ومضى. عندها دخل سركون في قداسة الصمت، فأحسست بمدى تأثره البليغ الذي عبرت عنه دمعتان مسحهما بيده اليمنى قائلا: لم أكن أتوقع.
أما الثانية فجرت وقائعها في السويد، وبالتحديد في مدينة «لوند» حيث أدون الهوامش. ذلك أنه كان يقصد وزميل المدينة الثانية في السويد هلسنبوري بغاية قراءة أشعاره ، لولا أنهما أضاعا الطريق. ومن المفارقات أن سركون لما فتح باب السيارة ليسأل عابرا، كان الأخير أخي الأصغر الذي سبق أن تعرف عليه في المغرب. عندها اشتعل فرحا وبكى تأثرا، ليخاطب مرافقه: هذا (ويقصد أخي) ولدي. إنني إذ أصوغ هذا الهامش، أشير إلى أن جملة اعترافات سقطت طي النسيان وفاتني استدعاء دقائقها والشاعر الكبير سركون بولص.

٭ كاتب مغربي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية