تعتيم مركز على أسباب ونتائج مظاهرات 20 أيلول

الحديث عن الحراك الشبابي في مصر يواجه بتعتيم رسمي وإعلامي على أسبابه ودوافعه وإمكانية علاجه، وجانب من هذا التعتيم يتعلق باتساع دوائر الرفض المعلن والمكبوت للأوضاع المتردية في السياسة والمعيشة والاقتصاد والأمن والتعليم والصحة والخدمات. وتأكد لدينا أن ما قيل وذكر عن الارتباك الذي أصاب وزارة الداخلية وقيادات الأمن، الذين لم يتوقعوا نزول تلك الأعداد الكبيرة؛ في مناطق متفرقة في القاهرة والجيزة والاسكندرية، والمحلة الكبرى والمنصورة والزقازيق بالدلتا، وسوهاج بالصعيد، ومرسى مطروح بالصحراء الغربية، وشهد ميدانا طلعت حرب وعبد المنعم رياض، قرب «ميدان التحرير»، ميدان الثورة؛ شَهِدا احتكاكات وكر وفر بين المتظاهرين والشرطة؛ كان كل ذلك صحيحا..
وتأكدنا من موقف الشرطة والأمن من مظاهرات 20 سبتمبر، وقد وُصِف بأنه كان معقولا ومتوازنا، بما لا يقارن بمواقف سابقة؛ خشنة ودموية، وذلك الموقف العام رافض للصدام بالمتظاهرين، ومتغاضٍ عما بدر من تصرفات في أقسام الشرطة؛ ومنها مركز شرطة المحلة الكبرى، الذي أطلق سراح فتيات اعتقلن فيه.
وفَسَّر مصدر مطلع غياب القوات المسلحة عن المشهد بأنه نوع من الاعتراض على تصرفات «الذات الحاكمة» في الملفات الداخلية والخارجية؛ العربية والافريقية؛ وأهمها ملفات المياه، وسد النهضة، والقروض والديون، وتردي مستوى المعيشة، واتساع رقعة الفقر.
وأشهر رئيس الحكومة، الذي ليس له في العير أو النفير، سيفه الخشبي. مهددا ومتوعدا في خطابه أمام البرلمان (جلسة 9/ 10/ 2019) بإنه لن يسمح للمتظاهرين بنشر الفوضى؛ واعتبر المظاهرات جزء من مؤامرة كبرى، و«جزء من حرب خارجية شرسة، وخلق حالة من البلبلة والفوضى والتشكيك لهز الثقة التاريخية بين الشعب ومؤسساته»، التي تحمي الوطن، «وعلى رأسها القوات المسلحة»، وهو يعلم أن التسليم والتنازلات التي تمت لم تقم بها القوات المسلحة، فليست هذه سلطاتها، فهي لم تدخل حربا، أو شاركت في معركة تبرر بيع وتسليم جزر «تيران وصنافير»، ولا فرطت في مياه النيل، صحيح أن من قام بكل هذا وغيره خرج من بين صفوفها.. كما خرج السادات ومبارك من قبل، الأول ذهب للعدو مستسلما بعد نصر عسكري عظيم، كان كفيلا بفتح أبواب النصر السياسي واسعة على مصراعيها، فـ«الذات الحاكمة» من نفس الطينة، وهمها إهانة الشعب والجيش معا، وإشاعة الفتن بينهم، ومساعدة الثورة المضادة؛ الكارهة للجيش على إشغاله بعيدا عن المهام الوطنية والاستراتيجية والدفاعية، خاصة أننا نشْتَم من كلامها عن القوات الأقوى بأنه موجه للداخل وليس للخارج؛ وإلا كان لها موقف من عدو تاريخي استيطاني؛ تصادقه وتتمنى رضاه، وتغمض العين عنه، وتتغزل في قوته ووتقدمه ليل نهار؛ بعد أن امتد وجوده إلى حدود مصر من جهاتها الأربع، ووصل لمنابع النيل، والبحر الأحمر، والحدود البحرية في شرق المتوسط؛ (مصر واليونان وقبرص وتركيا والدولة الصهيونية)، وما يجري فيها جرائم مكتملة الأركان؛ بتأكيدات الخبراء والمعنيين.
وللحراك الشبابي عدة أوجه، منها وجه يساري؛ نشط بين الطلاب والعمال والشباب، وأرجع باحثون وأكاديميون نشأته إلى الطلاب، الذين درسوا في أوروبا، وعادوا في بداية القرن العشرين ليعملوا على نشر الأفكار الاشتراكية، وتأسس أول حزب يساري عام 1921 باسم «الحزب الشيوعي المصري»، وتم حله على يد حكومة الوفد سنة 1925.

فُسَّر غياب القوات المسلحة عن المشهد بأنه نوع من الاعتراض على تصرفات «الذات الحاكمة» في الملفات الداخلية والخارجية؛ العربية والافريقية؛ وأهمها ملفات المياه، وسد النهضة، والقروض والديون، وتردي مستوى المعيشة، واتساع رقعة الفقر

وربط ظهور اليسار ببداية القرن العشرين فيه تبسيط، قد يكون مخلا.. فتلك الأفكار عبرت عنها الثورة الفرنسية، وحملتها الحملة الفرنسية إلى مصر والشام معها، ومنها مؤلفات وكتابات جان جاك روسّو (1712 – 1778)، ونقلها إلى العربية رفاعة رافع الطهطاوي، وهو نفسه مترجم الدستور الفرنسي الحامل لروح الثورة، لذا فهناك من يُعدّ الطهطاوي ناقل لأفكار اليسار والاشتراكية من منبعها الفرنسي الأصلي لمصر.
ولا يجب تجاهل أثر جماعة السان سيمونيين وتأثيرهم على النخبة المصرية الحاكمة؛ إبان حكم سلالة محمد علي في القرن التاسع عشر، وكان تأثيرهم كبيرا؛ زاد عليه التأثير الناجم عن ارتباط الاشتراكيين الطوباويين بسان سيمون (1760 ـ 1825)، الذي وضع الصناعيين في مكانة عليا، وشملوا في نظره؛ المنتجين والصناعيين والمزارعين وملاك الأراضي وأصحاب المصارف، ودعا في مقالاته لفكرة الصناعة وأهميتها لرقي المجتمع، ونادى بقيام «حزب المنتجين» للتصدي للاقطاعيين والنبلاء، وجاء ذلك في كتابه الصادر عام 1819م بعنوان «الحكمة»، ودافع عن «الصناعة» في كتاب آخر ألفه بمشاركة سكرتيره وتلميذه أوغست كونت.
وفي تقرير نشره موقع «الإشتراكي» بعنوان: «الحزب الشيوعي المصري والطبقة العاملة 1922 -1924.. ومضة ثورية سرعان ما انطفأت»؛ في كانون الأول/ديسمبر 1998 وأعده حسين عمران عن «مجلة الشرارة»؛ أشار فيه لمحاولة تأسيس منظمة يسارية مصرية في بداية تسعينيات القرن العشرين، وكانت المشكلة في فقر التراث الذي تُبنى عليه تلك المنظمة؛ بعد مرور ستين عامًا من هيمنة التيارات الإصلاحية والوطنية (أعتقد أنه يقصد الشوفينية) والستالينية؛ على المسار التاريخي لليسار المصري، وأشار التقرير إلى الطابع النادر والمتقطع لتلك الومضات، الواجب إبرازها وإحياؤها؛ من أجل التواصل النقدي، والتعلم من دروسها، والاستفادة منها في بناء يسار جماهيري له حضوره.
وهناك أيضا بدايات مبكرة لليسار؛ بتأسيس الحزب الاشتراكي المصري (1921). وسرعان ما انتقلت قيادته من فرع القاهرة الخامل إلى فرع الإسكندرية النشط، وخلال سنتين امتدت جذوره لأوساط العمال. ولعب دورا نشطا داخل الحركة العمالية طوال عام 1923 وبدايات عام 1924؛ مما أدى بحكومة سعد زغلول الوفدية إلي القضاء عليه في مارس 1924. ومن المعروف تاريخيا أن نشأة الطبقة العاملة في تلك الفترة ارتبطت باندماج مصر المتسارع بالاقتصاد الرأسمالي العالمي من بدايات القرن 19؛ مصر تزرع القطن وتصدره لأوروبا لتُصَنِّعُه. وظهر الإنتاج الرأسمالي المصري مشوها وشديد التعقيد.
ويرى التقرير أن التصنيع في عصر محمد علي مثل فجرًا زائفًا للطبقة العاملة (هذا قريب من وصف ماركسيين عرب ومنهم مصريون لاشتراكية عبد الناصر برأسمالية الدولة».
وعرض التقرير لثلاثة روافد مغذية لتكوين الطبقة العاملة؛ 1) الفلاحون المعدمون الذين لفظهم الغزو الرأسمالي للريف، ففقدوا أراضيهم وانضموا للأجراء. 2) تراجع وانهيار طوائف الحرفيين في الحضر مثل رافدا ثانيًا غذى نشأة طبقة العمال الأجراء. 3) الرافد الأخير كان وصول آلاف العمال الأجانب إلى مصر في أوائل القرن العشرين؛ تحت وطأة الأزمة الاقتصادية في جنوب أوروبا، وكان لهم الأثر البالغ؛ لخبراتهم النقابية والسياسية، التي سمحت بالمساهمة في تطور الحركة العمالية المصرية.
وحين اندلعت الحرب العظمى (1914)، كان قطاع الصناعة والنقل الحديث في بداياته، واقتصر على معالجة المنتجات الزراعية، وإنتاج سلع محدودة لسكان المدن من الأجانب والمتمصرين، وتوفير خدمات الكهرباء والغاز والمواصلات العامة. ومع ذلك استطاع عمال السجائر والترام والسكك الحديدية تشكيل طلائع نقابية واعية، فتوالت الإضرابات، وتنامت قوتها التنظيمية والنقابية، وتراوحت مطالبها بين رفع الأجور، وتخفيض ساعات العمل، وتحسين شروطه التعسفية، والاعتراف بحق النقابات في التفاوض باسم العمال.
وبسبب وجود الاحتلال البريطاني، وهيمنة رأس المال الأجنبي تداخل الوطني (السياسي) مع النقابي. وقد أتاح ذلك التزاوج للحزب الوطني (حزب مصطفي كامل) أن يلعب دورًا مهما ويحظي بنفوذ بين الحركة العمالية؛ زاد في ظل زعامة محمد فريد بعد وفاة مصطفى كامل!!.

كاتب من مصر

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول علي:

    غريب أن ننتظر ممن سرق إرادة الشعب، وسطا على الحكم، وقتل الرئيس المنتخب أن يواجه الحراك الشبابي في مصر بغير التعتيم الرسمي والإعلامي والتغطية على أسبابه ودوافعه وإمكانية علاجه، فهو يشعر بإحساس اللص المحاصر لا يفكر إلا في الهروب ممن اكتشفوا سرقته، ويسعون لحسابه، وتقديمه للعدالة هو وعصابته المجرمة، لقد ظن أن الأمور ستمضي رخاء، وسهلة، ولينة، ولكنه واجه فشلا ذريعا في الميادين كافة . لم ينجح في ميدان واحد لأنه جاهل وغبي ولا يعترف بالعلم والتخطيط. طلب مهلة ستة شهور، ثم سنة، ثم سنتين ثم إلى سنة 2030، والفشل يلاحقه في كل المجالات : السياسة والمعيشة والاقتصاد والأمن والتعليم والصحة والخدمات، وكان الحل الذهبي الذي رسمه له من استخدموه ووقفوا إلى جانبه خارجيا وإقليميا ومحليا، هو استخدام الذخيرة الحية وقتل الشرفاء والعلماء والنبلاء، والزج بعشرات الألوف منهم في السجون على مرأى ومسمع من مستخدميه، حتى النساء والبنات لم يسلمن من شره وإجرامه تعذيبا وسجنا وملاحقة. وكل ما يملكه الآن هو تكميم الأبواق، ومداهمة البيوت الآمنة في جوف الليل، وإقامة شريعة الغاب. لعنة الله على الظالمين وأتباعهم وأعوانهم وأنصارهم ولو بشطر كلمة.

  2. يقول العربي الحر:

    هكذا أرادوا … أزاحوا الإخوان المسلمين فظهر إخوان الشياطين فذوقوا العذاب سنين وراء سنين

إشترك في قائمتنا البريدية