لم يتردد اللوبي الصهيوني في دعم المرشح نبيل القروي حيث غرد الإعلامي الصهيوني إيدي كوهين، على صفحته في تويتر “أنصح الشعب التونسي بانتخاب نبيل القروي حفظه الله ورعاه”. والقروي تعامل مع شركة ديكنز آند مادسون الكندية للعلاقات العامة التي يديرها ضابط مخابرات من الموساد اسمه أري بن ميناشي، كما كشف ذلك الصحافي التونسي المقيم في كندا زهير طابة، والذي يشير إلى زيارة لضابط الموساد السابق لبيت القروي في تونس وتناوله طعام العشاء. وقد تلقى بن ميناشي مبلغا بقيمة 150 ألف دولار كدفعة أولى على قيمة العقد الموقع بمليون دولار من حساب بنكي لسلوى السماوي زوجة القروي، تحديدا من بنك في دبي في الإمارات العربية.
ويعتبر فوز قيس سعيّد صفعة لموقف تحالف العرب المتحفزين بأموالهم وأسلحتهم لإجهاض أي حركة أصيلة للشعوب تعيد مقاليد الحكم للشعب لا للطاغية وبساطير العساكر. وفوز سعيّد يعتبر كذلك انتصارا للجماهير العربية الشريفة والصادقة والواعية من المحيط للخليج وهزيمة للطغاة بمختلف مسمياتهم وألقابهم ورتبهم العسكرية والدينية والسلطانية من جهة، وهزيمة لرموز الفساد وغسيل الأموال والتهرب الضريبي ومتلقي الرشاوى والمتعاونين مع أعداء الأمة من جهة أخرى. إنه فوز للبسطاء الطيبين المخلصين لوطنهم وقضايا أمتهم وفي القلب منها فلسطين. إنه فوز لشهداء ثورة الياسمين المجيدة.
لقد تابع العالم العربي بشغف شديد التجربة التونسية الوليدة التي نستطيع أن نضع عنوانا كبيرا لها “التداول السلمي للسلطة”. وقد تبدت هذه الروحية الجديدة في أربعة تطورات متتابعة من دون أن تكون هناك محاولة ولو هامشية للتصيد في ماء عكر من قبل بعض الجماعات لأن الحاضنة الشعبية كانت حصينة وغير مستعدة لتقبل أي مغامرة.
أولا: وفاة الرئيس الباجي قايد السبسي يوم 25 تموز/يوليو حيث توحدت تونس بكاملها خلف الجنازة وأعطت للرجل ما يستحق من احترام. تسلم رئيس البرلمان، محمد الناصر، مؤقتا مهام الرئيس حسب المادة 84 من الدستور والتي تمنحه فترة انتقالية من 45 إلى 90 يوما لإجراء الانتخابات الرئاسية. مرت الفترة الانتقالية في منتهى السلاسة ولم يعكر صفوها شيء.
ثانيا: عقدت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية يوم 25 أيلول/سبتمبر الماضي بين 24 متنافسا. وقد حل قيس سعيد في المرتبة الأولى ونبيل القروي الذي كان موقوفا في السجن بتهم الفساد في المرتبة الثانية وعبد الفتاح مورو في المرتبة الثالثة. وبما أن أحدا منهم لم يحصد 50 في المئة وحسب الدستور أقرت لجنة الانتخابات المستقلة جولة انتخابات رئاسية ثانية يتنافس فيها الاثنان الأعلى حصدا للأصوات وهما قيس سعيّد ونبيل القروي.
ثالثا: عقدت الانتخابات البرلمانية يوم 6 تشرين الأول/أكتوبر بكل هدوء وتنافست 1500 قائمة من الأحزاب والتجمعات تضم 15 ألف مرشح على 217 مقعدا. وسارت الانتخابات بشكل حضاري وجاءت النتائج مرآة صقيلة تعكس توجهات الناس الحزبية حيث حلت النهضة أولا (52 -الغنوشي) فقلب تونس ثانيا (38 -القروي) ثم التيار الديمقراطي (22 -محمد عبو) فإئتلاف الكرامة (21 -سيف الدين مخلوف) فقائمة الحزب الدستوري الحر (21 -عبير موسى). أي أن النهضة كي تشكل الحكومة لا بد أن تتحالف مع الأحزاب العلمانية وهو ما يضمن عدم أدلجة البرلمان والتشريعات الصادرة عنه. قد تنجح النهضة وقد تفشل في تشكيل الحكومة لكن لا أحد يستطيع حرمانها من هذا الحق الذي جاء نتيجة تفويض شعبي. وقد فقدت النهضة 17 مقعدا قياسا إلى انتخابات 2014 ولذلك أسباب عديدة لكنها ظلت على صدارتها للمشهد الحزبي في تونس رغم كل الأموال التي أنفقت لتشويهها وتوريطها واتهامها برعاية الإرهاب والتورط في قتل شكري بلعيد ومحمد براهمي.
ورابعا: عقدت الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية وأعطي القروي الحق في المنافسة المتوازنة كما طالب بذلك منافسه قيس سعيّد، حيث أخرج من السجن وتمت المناظرة التي انتظرها الشعب التونسي وفيها مالت الكفة لقيس سعيد وجاءت النتائج كاسحة لصالح المرشح العروبي نظيف اليد وقويم اللسان والقادم من خارج عباءات الأحزاب والتجمعات السياسية.
نظرية المؤامرة
الشعوب العربية كغيرها من شعوب الأرض تبحث عن الحرية والكرامة والعمل الشريف ونظام لا يقوم على الفساد والمحسوبية وأجهزة الأمن وتحويل مهمة الجيش من حماية الوطن إلى حماية النظام وضمان بقاء الحاكم الفاسد في الحكم مدى الحياة ثم توريثه لأولاده من بعده سواء كان الحاكم ملكا أو رئيسا أو أميرا أو سلطانا. والحراك الجماهيري الذي انطلق من تونس وأسقط لغاية الآن 6 رؤساء كانوا متكلسين في مقاعدهم، حتى لو كانت طبية، يثبت مرة أخرى أن المؤامرة ليست في الحراك نفسه، كما حاول بعض الكتاب أن يقنعونا بأن الحراك مصنوع في مطابخ كونداليزا رايس وبرنارد ليفي، بل المؤامرة كانت على الثورات لحرفها عن مسارها وتفريغها من محتواها وحماية أنظمة الطغيان التي تتشابه إلى حد التماهي. وقد شهدت تونس كافة أنواع المؤامرات من حركات متطرفة وعمليات إرهابية واغتيال لرموز وطنية وانتشار مجموعات سلفية مدفوعة الأجر للتنكيد على المزاج العام ثم دخلت بعض أطراف محور الشر التي فتحت حسابات لموكليها وأغدقت الملايين لإجهاض الثورة التونسية تحت مقولة “إن الديمقراطية لا تناسب العرب وإن أفضل أنواع الحكم لهم هو الطاغية المتجبر”. والمعركة في ليبيا الآن أوضح مثال على هذا التحرك من محور الشر. لقد وجهت الانتخابات السلمية في تونس صفعة حامية للذين راهنوا على البترودولار واعتقدوا أن في إمكانهم شراء ذمم شعب بكامله وحرف مسيرته السلمية عبر التهديد بالفوضى والإرهاب والتطرف الديني لكنهم حصدوا الفشل الذريع.
ملاحظات أفرزتها الانتخابات التونسية:
أولا: لقد قدم الشعب التونسي مثالا حضاريا للمرة الثانية يمكن أن يكون قدوة للدول العربية التي ما زالت ترزح تحت حكم الطغاة. فلا شرعية إلا للشعب ولا قوة لحاكم إلا بمقدار ما يمثل مشاعر وطموحات وخيارات شعبه.
ثانيا: أرسلت الانتخابات التونسية رسالة للمطبعين العرب مفادها أن القضية الفلسطينية تتربع في قلوب الشعوب العربية. وأي حاكم يمثل شعبه حقيقة لا تزويرا لا يمكن إلا أن يقف مع نضال الشعب الفلسطيني وحقه في الحرية والاستقلال والسيادة الناجزة على أرضه ودولته وعاصمتها القدس التاريخية مدينة السلام والمحبة.
ثالثا: سيحاول المتربصون بالثورات العربية وحركات الجماهير الصادقة تشويه الرجل وتعقيد مسيرته وإقامة الحواجز في طريقه واتهامه بكل أنواع التهم. لكن من يحتمي بشعبه لا يخاف أحدا. إنه الحصن المنيع الذي لا تخترقه المؤامرات.
رابعا: يقوم برنامج سعيّد على ثلاث ركائز أساسية: محاربة الفساد وتثبيت دولة القانون واستقلالية القضاء، وإذا ما نجح في تنفيذ هذا البرنامج فإن الشعب التونسي سيلتف حوله أكثر ويحميه من كافة السهام التي تنتظر أولى عثراته لإطلاقها ويعيده طوعا إلى قصر قرطاج.
خامسا: نحن عشاق اللغة العربية نشعر بفرحة زائدة لانتخاب رئيس يتقن النحو والصرف والاستعارات والتشابيه ومخارج الحروف وطلاقة اللسان وخاصة أمام مجموعة رؤساء وأمراء أقرب إلى الأمية في اللغة العربية، يلحنون ويكسرون ويبهدلون اللغة قراءة ونطقا حتى إن بعضهم لا يعرف أن يتلو آية من القرآن من دون الوقوع في أخطاء. فأهلا برئيس سيلقن الحكام العرب درسا في القدرة على الحديث بطلاقة باللغة العربية التي تتراجع كثيرا في موائلها الأصلية.
وأخيرا: لا يتوقعن أحد أن إسرائيل ستبقى متفرجة على السياج، فكما عملت مع شركائها المحليين لإجهاض بعض الثورات العربية واشعال فتيل الحروب البينية ونشر داء الطائفية، فلا نتوقع منها هي وعملاؤها، أن يتركوا التوانسة في حالهم يقطفون ثمار ديمقراطيتهم خاصة بعد تصريحات الرئيس المنتخب بأن التطبيع مع إسرائيل خيانة. فليكن الرئيس الجديد على حذر متواصل من مؤامرات مقبلة.
اننا نعتبر انتصار إرادة الشعب التونسي الذي استجاب لها القدر، كما بشرنا أبو القاسم الشابي قبل 90 سنة، انتصارا لنا جميعا وانتصارا للحرية والكرامة الإنسانية في كل مكان وهزيمة للطغيان والطغاة أينما كانوا ومهما أسبغوا على أنفسهم من ألقاب وصفات ورتب.
نعم استاذنا الكبير عبد الحميد
فلسطين كانت حاضرة في الانتخابات التونسية
وستبقى فلسطين متجذرة الى الأبد في عروق الشعوب العربية
وتلك سنة التاريخ
وكنتم خير أمة اخرجت للناس
صدق الله العظيم
هذا انتصار للدولة المدنية العلمانية و الديمقراطية العصرية الحديثة و و انتصار للمواطنة و الحاكمية للشعب ….هزيمة للديكتوريات التعيسة بكل انواعها و هزيمة نكراء للحركات التى تخطط لانظمة شمولية على اساس قومى او دينى ….الاسلام السياسي و مشروعه الشمولى العقائدي انتهى فى تونس وبدون رجعة و انتصرت الديمقراطية التى كانوا و مازالوا ينعتونها بالكفر …..اما بخصوص الشعارات التى رفعت فى الحملة كونوا متأكدين انها ستكون شعارات عندما ينزل الرجل على الارض و يعرف ان انتظارات التونسيين اليومية ليست مشاكل ما يسمى الامة العربية….بل هى التنمية و البطالة و الإجرام و الارهاب و الديون…وعليه ان يجد لها حلول….و ليس بيع الاوهام لمن يصدق الشعارات…التى انتهت نع صوت العرب من القاهرة ….
اراك استاذ صيام و كانك تعيش معنا في تونس.اتفهم خوفك على ثورتنا الثانية لكي تكون حافزا لاخوتنا و ملهمة للشعب المصري لان ما صار في توتس ليس له معنى بدون حرية لمصر امّنا جميعا.