“طعنة” ترامب و”شرعية” أردوغان

حجم الخط
10

تستنتج أسبوعية الـ”إيكونوميست” البريطانية، وليس بالأمر العابر استنتاج يصدر عن هذه المطبوعة تحديداً، أنّ تركيا انتصرت حتى قبل أن ينقضي أسبوع واحد على شروعها في عملية “نبع السلام”؛ ليس على أرض المعركة بعد، تتابع الأسبوعية الأرفع تمثيلاً لأقطاب المال والأعمال في العالم، بل على طاولة المفاوضات في أنقرة، وبواسطة مايك بنس، نائب الرئيس الأمريكي الذي أتى متلهفاً على انتزاع اتفاق بأيّ ثمن، يُصدّر دون إبطاء إلى الكونغرس والإعلام الأمريكي أساساً.

مؤشر الوضوح الأبرز على المحتوى الفعلي، والميداني، للاتفاقية التركية ــ الأمريكية لم ينطق به لسان بنس (الذي وضعه رئيسه في فوهة مدفعية دبلوماسية ثقيلة لا قبل له بها ولا خبرة!)؛ ولا وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو (الذي عاقبه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فاستبعده من طاولة المفاوضات بسبب تصريح له حمّل فيه أردوغان مسؤولية انعدام الاستقرار في المنطقة). على لسان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو جاء الخبر اليقين: “وافق الجانب الأمريكي على شرعية عمليتنا وأهدافنا (…) وحصلنا على ما نريده”. وما تصبو إليه أنقرة خلاصته هذه، حسب الوزير التركي: “تطهير المنطقة الحدودية بعمق 20 ميلاً (32 كيلومتراً) من الإرهابيين، وسحب الأسلحة الثقيلة من القوات الكردية”.

من جانبه كان مظلوم عفدي، القائد العام لقيادة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، قد وجد العزاء في القول بأنّ وقف إطلاق النار (إذْ فضّل “الجنرال” هذا التوصيف للاتفاقية التركية ــ الأمريكية) جاء نتيجة لمقاومة مقاتليه؛ الذين قاوموا بالفعل، وقاتلوا، واستبسلوا ربما، لكنّ الواقع الميداني يقول إنهم للأسف لم يكونوا محرّك ساعات التفاوض الخمس بين أردوغان وبنس في أنقرة. كذلك اعتبر عفدي أنّ الاتفاق يشمل المنطقة الممتدة بين سري كاني (رأس العين) وتل أبيض فقط، متناسياً أنّ المساحة الفعلية هي بطول 480 كم وعرض 32 كم = 15,360 كم مربع؛ وأنها، نظرياً، قد تشمل أيضاً ديريك (المالكية)، ورميلان، وتربي سبي (قبور البيض)، والقامشلي، وعامودا، والدرباسية…

والحال أنّ الانسحاب الأمريكي من الملفّ السوري على هذه الشاكلة تحديداً، أي الاعتراف بـ”شرعية” الاجتياح التركي في عمق الأراضي السورية وفي الآن ذاته تسليم موسكو مفاتيح منبج، يضيف الإهانة إلى الطعنة التي تلقتها “قسد” من إدارة ترامب؛ إذْ يُبطل عملياً مفعول الاتفاق الذي عقدته الفصائل الكردية مع النظام السوري، ولكنه في المقابل لا يلغي مضمون المهانة المتمثلة في قبول رفع علم النظام السوري مجدداً، والتسليم برئاسة بشار الأسد، بعد أيام معدودات على لجوء النظام إلى توصيف “قسد” بـ”فصائل مسلحة قامت بخيانة وطنها وارتكاب جرائم ضدّه”.

وإذا صحّ أن طعنة ترامب نالت من “الحلفاء” الكرد أوّلاً، ممّن وقعوا مجدداً في خديعة قوّة عظمى سبق أن خانتهم مراراً وتكراراً، فليس أقلّ صحة القول بأنّ الجرح يخصّ جميع السوريين أياً كانت مناطقهم أو إثنياتهم، ليس لأنّ كرد سوريا أبناء للبلد ومواطنون أصلاء فيه، فحسب؛ بل كذلك لأنّ الستراتيجيات التركية إزاء الأرض السورية تضرب بجذورها عميقاً في التاريخ التركي، أبعد من أردوغان وأية إدارة تركية بصرف النظر عن توجهاتها السياسية والإيديولوجية. الفارق أنّ مفهوم “الطعنة” هنا لا يصحّ أن يشتمل على مفهوم “الغدر” من الجانب الأمريكي، فمَن كان من السوريين يراهن على حسن نوايا واشنطن، وعلى نزاهة سلوكها مع “الحلفاء”، لن يحصد سوى هذا الطراز من الهشيم.

وحتى تنقضي مهلة الـ120 ساعة، وينجلي الغبار عن حقائق انسحابات “قسد” وتجريدها من الأسلحة الثقيلة، ومساحات التوغل التركي الفعلية في الأراضي السورية، وترتيبات “المنطقة الآمنة” بالمعنى البشري والديمغرافي، والأثمان الباهظة التي سوف يدفعها السوريون على الصعيد الإنساني والإغاثي؛ سوف يظلّ الشعب السوري، بمكوناته كافة، ضحية الصفقات والتقاسمات وألعاب الأمم و… الاحتلالات.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سامي صوفي:

    «مواطنة الاكراد» هو جوهر المشكلة. لأن نظام البعث رفض تجنيس الاكراد بحجة الشك في نواياهم، و هذا شك مجحف جداً بحقهم. في عام ٢٠٠٤ تجادلت مع ديپلوماسي سوري في واشنطن يؤيد موقف النظام بعدم تجنيس الاكراد. قلت له؛ «كيف تتوقع أن يكونوا الاكراد مع الدولة إذا كنتم تشككون في ولائهم»؟
    و لكن، لن أدين دخول الاكراد الشمال السوري لأن تركيا حريصة على حماية العرب و التركمان فيه أكثر من حرص وحدات حماية الشعب. و تركيا حريصة على منع «تكريد» الشمال السوري كما كانت تفعل وحدات حماية الشعب.

  2. يقول محمد السوري:

    كما قلنا نحن السوريين لم نعد نثق في احد ولكننا نعتبر (الحرب) التركية ضد خونة بي كاكا جبال قنديل مكسب بعد تعاون هوؤلاء الخونة مع أعداء الاسلام والمسلمين المتمثل بالحلف الصهيوصليبي والنظام العلوي المجرم بهدف اقتطاع جزء من ارض سورية وتكوين كيان عنصري على شاكلة الكيان الصهيوني

  3. يقول Passerby:

    الكرد عمليا مواطنون طارئون على سوريا وليسوا أصلاء فمعظمهم هرب من تركيا مطلع القرن الماضي. لو كان الكرد مواطنون أصلاء لما تآمروا مع الخارج وباعوا واشتروا في داخل سوريا

  4. يقول S.S.Abdullah:

    عنوان (“طعنة” ترامب و”شرعية” أردوغان) أكثر من رائع، والأهم هو لماذا؟!

    في البداية لأن هو صادر من ثقافة (التاجر/المسوّق) السوري/الفرنسي صبحي حديدي،

    لأن يجمع خبث التناقضات الإنسانية، لمن يُمثّل السلطة في دولة الحداثة،

    لأن على أرض الواقع حال الكُرد/الأكراد في العراق كان دوماً يختلف عن حال الكُرد في إيران أو تركيا وأخيراً في سوريا، ولذلك يجب التفكير في إجابة سؤال، لماذا هذا الاختلاف؟!

    خصوصاً وأن (صبحي حديدي) في مقاله أعتمد المجلة الإقتصادية الأشهر كأساس التحليل، والإقتصاد في دولة الحداثة (أساسه الاحتكار)، يختلف عن الإقتصاد في أجواء العولمة والإقتصاد الرقمي/الإليكتروني (أساسه تجارة السوق في العرض والطلب)،

    الإشكالية كل الإشكالية في الحرب/الحوار للوصول إلى أي اتفاقية مفهوم التشكيك لأجل التشكيك،

    بحجة أن هناك نيّة ظاهرة وهناك نيّة باطنة، والذكي هو من يستطيع أن يتغدى بفلان قبل أن يتعشى علان به (عقلية الغدر والغدر المضاد)، ليترك مجال لنجاح تسويق المقال القادم قبل إنتاجه له، على حساب الجميع (أردوغان وترامب قبل غيرهم في أرجاء سوق العولمة).??
    ??????

  5. يقول محمد السوري:

    لأتفاق اللذي تم بين حكومة العسكر الأتاتركية والمقبور المجرم حافظ كانت تنص على ملاحقة بي كاكا الإرهابية خمسة كيلومتر داخل الأراضي السورية وتسليم المجرم اوجلان والنتيجة كانت تسليم المجرم اوجلان اما عناصر البي كاكا الإرهابية فقد نقلهم المجرم حافظ ومخابراته الى بقاع لبنان وكان يستخدمهم في احداث عمليات ارهابية في تركية ونحن نذكر بأن أغلبية إرهابيي البي كاكا هم من أكراد تركية العلويين وهم من تحالف مع النظام العلوي منذ بداية الثورة وقام بإغتيال أكراد سورية واليوم هم من يتحكم بإرهابيي وحدات الحماية الشعبية

  6. يقول Eng.Ismail el Jundi:

    تحليل جيد هل هذا الحال الذي الت اليه سوريا هو ثمن الكرسي ام ان الشعب يستحق ذلك ?

  7. يقول إبراهيم بومسهولي - المغرب:

    قبول الأكراد براية دمشق والجيش العربي السوري بدل إردوغان يعني أن بشار ليس سيئا جدا وأنه أقل شرا من حاكم أنقرة ! إذ لا يعقل أن يقبل مجموعة من الناس بشخص يقتل بالكيماوي والبراميل المتفجرة وغيرها هربا من إردوغان نبي الديموقراطية !
    شيء آخر، مدهش الطريقة التي إنتشر بها الجيش السوري في الشمال وقطع بفضلها الطريق عن الغزاة الأتراك. ورفرفة العلم السوري ليس فيه أية إهانة للأكراد بل شرف لهم !

  8. يقول الليث الأبيض:

    الا كراد لم يشفع لهم رفع راية ال صهيون الشبه دولة وامها أمريكا التي استماتوا عليها وفرعنوا بها . كما تدين تدان وتهان

  9. يقول خليل ابورزق:

    حبذا لو اقلعنا عن استعمال كلمات الكرد و العرب و الفرس و السنة و الشيعة بمعنى التعميم في الحديث عن المواقف و الاتجهات السياسية. لا ننا نعلم ان اغلب المواقف السياسية في منطقتنا لا تمثل الشعوب و اننا على بعد سنوات ضوئية من التمثيل الشعبي الحقيقي. و على سبيل المثال فان اغلب الكرد مسالمين و يعيشون كغيرهم في بغداد و دمشق و حلب و استانبول و عمان.. و انهم حتى لو حصلوا على استقلال ذاتي او كلي فان انظمتهم الجديدة لن تكون افضل من الانظمة الحالية و لنا في كرددستان العراق مثلا و في جنوب السودان و اريتيريا من قبل امثلة اوضح

  10. يقول محمد بن سلمان0 الرياض:

    الطعنة الصحيحة لنتنياهو وللوبي الصهيوني الذي يريد توريط بلاده بحروب الصهاينة ضد ايران ضد تركيا بعد العراق وسوريا ضد العالم الاسلامي منافسهم الوحيد قالها ترامب اريد 0 امريكا فيرست امريكا جريت منذ تسلمه منصبه قال ان بلاده مديونة لبنك روتشيلد الصهيوني ب 20 ترليون يريدون اسقاط بلاده بنقلهم التقنية ورأس المال للصين حيث الايدى العاملة والمواد الخام رخيصة ليباع المنتج بالغرب بعشر تكلفته بالمصنع وسقوط اليونان حتى امريكا مضافا تكلفة الحروب فاسقطوا تركيا – بريطانيا العظمى الاتحاد السوفيتي ومنذ 30 عام الغرب كله وتبقى امبراطوريتهم

إشترك في قائمتنا البريدية