غنائية مركّبة
عنى المستشرقون كثيرًا من المعاني والسمات عندما نعتوا الشعر العربي بـأنّه «شعر غنائي»، ومن جملتهم ريجيس بلاشير الذي وجد أن الشاعر العربي القديم «يمنحنا ذاته في إنسانيّته وبكلِّ نقائصه، وهو في ذلك يحرص على ألّا يسحقه المجتمع الذي يعيش فيه». وقدّم بعض باحثينا بدورهم دراساتٍ حول ملامح السيرة الذاتية عند شعرائنا القدامى ممّن عثروا في شعرهم، وتبعًا للتقليد الأدبي الذي كان سائدًا في عصرهم، على تجارب ذاتية في الحياة صاغوها شعرًا بما يعكسه من تواريخ فردية خاصة تجلو تَفرُّدهم بمقومات شخصية، وتجارب، وأذواق، ومواقف، واقتناعات، وانشغالات. فقد كان أنا الشاعر في مركز القصيدة العربية التي انطبعت بطابع ذاتيّته، وإلى هذا يشير حسن أحمد الكبير في «تطور القصيدة الغنائية في الشعر العربي الحديث (1881- 1938م) »، بقوله إنّ «القصيدة العربية قد تناولت منذ نشأتها شتى الأغراض والموضوعات الخاصة بالشاعر نفسه، وبقبيلته وبحياة الصحراء أو المدن من كل ما يتصل بوجدانه ويرتبط به نفسيا وعاطفيا»، غير أننا نخالفه في ادعائه بأن الشعر الغنائي «قد التزم صورة واحدة حتى العصر الحديث، وهي نظام القصيدة أو المقطوعة ذات الوزن الموسيقي الواحد والقافية الموحدة والروي الواحد»؛ لأنّه نشأت في هذا الشعر أشكال بتنويعات موسيقية متنوعة، وفي طليعتها الموشح الأندلسي. لكن مثل هذه الدراسات في مجملها (يوسف اليوسف في «تحليل لامية العرب، ضمن: مقالات في الشعر الجاهلي» وحسين الواد في «جماليات الأنا في شعر الأعشى الكبير» وإبراهيم أحمد ملحم في «جماليات الأنا في الخطاب الشعري: دراسة في شعر بشار بن برد، دار الكندي» و»فاطمة بنت محمد العتيبي، ملامح السيرة الذاتية في الشعر العربي القديم، دراسة تطبيقية في شعر المتنبي»)، كانت تستحوذ عليها إشكاليات مختلفة وشروط ثقافية أخرى، ومن ثمة قلَّ أن اهتمت في صلبها بالبعد أو المنزع السيرذاتي على نحو خاص.
كانت الغنائيّة هي الوجه الآخر للسيرة الذاتية في الشعر العربي، ومصدرها الرئيس؛ إذ عبرت عن نفسها- كما يرى جمال الدين بن الشيخ- في ثلاثة سجلّات رئيسة، هي: الحب، الطبيعة والفضائل الإنسانية، وبالتالي انغلقت على قائمة العواطف العظيمة التي تمثل قانون الإنسانية المشترك الذي لا قانون أعلى للشعر يحرص على التعبير عنه والارتقاء إليه بلغته ومجازاته. وداخل هذه الغنائية المركّبة بطبيعتها تجري موضوعات وثيماتٌ متنوعة تستوعب الأنا السيرذاتي؛ مثل الوصف، والشكوى، والإخوانيات، والرثاء وذم الزمان وغير ذلك.
في العصر الحديث، نتيجةً لصعود خطاب الأنا وتنوع تفرُّداته، بدأ تاريخ جديد من عمل السيرة الذاتية وشَخْصنتها في الشِّعر؛ فقد جرى الحديث عن السير الذاتية الشعرية منذ أن شرع الشعراء العرب، الرومانسيون والمحدثون، طوال القرن العشرين، في عرض قصصهم وتجاربهم مع الشعر في شكل رسائل، وبيانات، وتصديرات، وسير ذاتية شعرية، ومحكيّاتٍ سيرذاتية، وحوارات يُضمِّنونها بداياتهم الأولى، ودوافع كتابتهم للقصيدة، وتصوُّراتهم الشعرية ومصادرهم الكتابية والمعرفية. وبموازاة مع ذلك، كانت القصيدة بوصفها خطابًا نوعيًّا مخصوصًا، تشرع مُتخيّلها على كتابة الأنا وتعيد بناء سيرته وفق منطق خطابها المفرد، بل إنّ هذه القصيدة أخذت – عبر الميتاشعري- تكتب سيرتها بنفسها.
ونكتشف عند أبي القاسم الشابي ملامح من سيرته الذاتية ليس في شعره فحسب، بل حتى في مُذكِّـراته ورسائله مع مجايليه. فمذكّراته تُغطّي مرحلة كثيفة من عمره المادي والرمزي.
نركز، هنا، على علمين من أعلام الرومانسية العربية ممن فتح كتابته على سيرة الذات وانهماكاتها في مختبر الوجود؛ هما: جبران خليل جبران من خلال رسائله مع مي زيادة، وأبو القاسم الشابي في مذكّراته.
في الرسائل التي كان يبعث بها جبران خليل جبران إلى مي زيادة، يكشف عن طفولته، وارتباطه بأمّه، وأحلامه، وميوله وذكرياته، وصحّته، وأسرار نفسيته، ومشاريعه وآرائه في الأدب والروح والفنّ. وقد كان يخاطب ميّ التي شُغف به حُبًّا، كمن يخاطب نفسه بصدق وبساطة وعفوية. والأغرب أن العلاقة «الرسائلية» بينهما توطّدت بشكل غريب ودامت زهاء عشرين عامًا من دون أن يلتقيا إلا في الضباب، وبينهما «سبعة آلاف ميل» كما قال جبران، أو «البحار المنبسطة» بتعبير ميّ. في إحداها، مؤرّخةً بتاريخ 28 كانون الثاني/يناير 1920، يكتب جبران بخصوص نسبة تمثيل عمليه «المجنون» و«المواكب» لأناه الغنائي الذي ينظر إليها متوتّرًا بين الشخصي واللاشخصي، قائلًا: «وإذا صح ظنّي أكون أول ضحايا ذلك الكتاب لأن المجنون ليس أنا بكلّيتي». فأنا الكتابة يختلف من جهة التلفُّظ عن المؤلف المرجعي ويعرض عن صيغ حضوره كما هو، وذلك بسبب ما تنطوي عليه الكتابة نفسها من أصداء وتواريخ ومشاهدات هي نتاج بحث مأمول فيه، وليس توثيق حالات وأسماء فحسب. بيد أن جبران، والحالة هاته، يجد نفسه في «فتى الغاب» داخل المواكب، الذي يبعث بنفثات نايه الساحرة شكل حياة بديلة لإنسان نافر من قيم المدينة الجاهلة، أكثر مما يجد في «المجنون» وصراخه. وفي هذا الصدد يقول جبران: «ولكن إذا كان لا بدّ من الوصول إلى حقيقتي بواسطة ما كتبتُه فما عسى يمنعك عن اتّخاذ فتى الغاب في كتاب «المواكب» لهذه الغاية بدلًا من «المجنون»؟ إن روحي يا ميّ أقرب بما لا يقاس إلى «فتى الغاب» ونغمة نايه منها إلى «المجنون» وصراخه». وفي مكان آخر، يكشف عن سرّ حكاية «الأجنحة المتكسرة».
يعترف جبران على نحو يرتقي بذاته تخييليًّا، بأنّ حياته مضاعفة موزّعةٌ بين حياة بشرية عادية وحياة خيالية يصرفها «في مكان قصيّ هادئ مهيب مسحور لا يحدّه مكان ولا زمان»، يعود منه شخصًا آخر، غريبًا، «شاعرًا بيدٍ شبيهةٍ بالضباب». يميّز جبران بين الخيال والكذب، أو بالأحرى لا يشتطُّ في التخيُّل إلى حدّ الكذب على النفس، بل هو نتاج لخبرة الحياة التي تغذّي التجربة الذاتية حسّيًا وكيانيًّا على نحو قد تتراسل عبره الحواس بما يُشبه «نشيدًا غنائيًّا».
لكن رؤية جبران تتأثّر، بشكل لا يتعافى منه، من هذه الحدّية المفارقة التي تأخذ شكل تشظٍّ للذات يتحوّل إلى ضبابٍ يرى فيه حقيقته، وغيريّته الملتبسة؛ فيظلّ الوجود لُغْزًا هُلاميًّا غير لفظي: «أنا ضبابٌ يا مي. أنا ضباب يغمر الأشياء ولكنه لا يتحد وإياها (…) ومصيبتي أن هذا الضباب، وهو حقيقتي، يشوق إلى لقاء ضباب آخر في الفضاء. يشوق إلى استماع قائلٍ يقول: لست وحدك. نحن اثنان. أنا أعرف من أنت». بدت هذه «الضبابية» كأنّها تلبّست حياة جبران، وداخلت رسائله التي كتبها إلى ميّ، فلم يصرح بحبّه لها أو يتخذ نحوها قراراً جادّاً، وهو ما أثمر «سوء التفاهم» بينهما، وأشعر ميًّا نفسها مع الوقت بالإحباط والانتظار القاتل. وقد كتب أنور المعداوي في أحد أعداد مجلة الآداب (العدد الرابع، السنة الأولى، نيسان/ أبريل 1953) شاكًّا في أن تكون ميّ «الشاذّة» قد أحبّت جبرانًا، إذ قال: «والحقيقة التي قتلها الدارسون «المسرعون» هي أن عاطفة «الأنوثة» في ميّ لم تتجه يومًا إلى جبران».
كلما أمعنّا في مضمون الرسائل وصيغه التلفُّظية من وقت لآخر، ازددنا اقتناعًا بأن جبران كان واقعًا تحت نزعة صوفية؛ إذ كيف يمكن للمرء أن يظلَّ خلال هذه الفترة كُلّها يتحرق نحو امرأةٍ لم يرها ويشغف بها حُبًّا، ويتخطى من أجلها حدود الزمان والمكان والحواس إلى عالم آخر تتحد فيه قوة الوجود، بل إنّه كان يجد في هذا الشغف الذي تحمّله فوق ما تطيقه جارحته، عزاءً له عن لقيا «الهناك» المستحيلة وترياقًا لروحه المعذّبة.
عدا هذه النزعة التي تبحث عن حقيقة الذات في عالمٍ ضبابيٍّ، قد يكون التكوين النفساني لجبران، والمتأثر باعتلال صحته منذ مطلع شبابه وابتلائه بموت أمّه ورفض ماري هاسكل الزواج منه وبعاده عن الشرق، سببًا آخر في أن يصبغ الرسائل بصبغة صوفية يكتنفها الكثير من الضباب. غير أن جبران لم يكن صوفيًّا بالمعنى التقليدي، بل بالنظر إلى رؤيته اللامتناهية التي كانت بدورها «ملتقى لتوجُّهات روحية غير محدودة الروافد».
في هذه المنظور الرومانسي، ولكن «أقلّ صوفية»، سنصادف أقوالًا لشعراء رومانسيّين آخرين، يكشفون فيها طبيعة العلاقة التي بين شعرهم وحياتهم، يحدوهم وهم الاستعادة والتأسي على حاضر الذات وعزاء الكتابة؛ فيكتب مطران خليل مطران في مقدمة ديوانه: «وليس أكثر شعري هذا (…) إلا مدامع ذرفتها، وزفرات صعدتها، وقِطَع من الحياة بددتها، ثُمّ نظمتها فتوهّمْتُ أنني استعدْتُها»، وقد ضمّن بعض شعر القصصي طورًا من حياته ونوازعها الوجدانية، مثل «حكاية عاشقين». ويصدّر إبراهيم ناجي شعره بمثل هذه الكلمة الدالة: «الشِّعر عندي هو النافذة التي أُطلُّ منها على الحياة وهو البلسم داويْتُ به جراح نفسي عندما عزَّ الأُساة. هذا هو شعري». ويمكن أن نعثر في شعره على نماذج تشفُّ عن تجاربه الذاتية؛ حيث يرسم فيها جوانب من شخصيته «الغنائية» بما تنغلق عليه من لوعة العاطفة وعطش إلى الحبّ.كما نجد عند غيره من شعراء أبولو، بمن فيهم علي محمود طه ومحمد عبد المعطي الهمشري، هذا النوع من الشعري الغنائي الذي يتفجر بالذاتية والوجدان الفردي، فلا يمكن بأيِّ حالٍ فصلهما عن البعد السيرذاتي.
ونكتشف عند أبي القاسم الشابي ملامح من سيرته الذاتية ليس في شعره فحسب، بل حتى في مُذكِّـراته ورسائله مع مجايليه. فمذكّراته تُغطّي مرحلة كثيفة من عمره المادي والرمزي؛ إذ تمتدّ على مدى خمسة أسابيع من فاتح يناير/كانون الثاني 1930 إلى 6 فبراير/شباط من السنة نفسها، وعبرها نتلقّى ثراء كيانه الداخلي الذي يتوتّر بين كثافة الحساسية ونفاذ الرؤية الثورية عنده، مُزاوِجًا في كتابتها بين الأسلوبين المجازي والسردي.
كان الشابي لا يكتب قصائده، أو يُمنّي نفسه بكتابتها إلا تحت حافزٍ خارجيٍّ وطبيعيٍّ يتهيّأ له: «فبريْتُ القلم وأعددت القرطاس وتأبّطت كتابًا لما عسى أن تُحدّثني به النفس من أفكار، أو يفيض به القلب من عواطف، لأنّني لا أعلم متى تطغى عليّ الخواطر..».
فقد كتب الشابي هذه المذكِّرات تحت وطأة المرض، فبدا منزويًا في غرفته الصامتة، أو متنزِّهًا في حديقة (البلفيدير)، أو مستجمًّا بين أحضان الطبيعة ومُتوحِّدًا بها. لذلك نجده يفكر بـ«أيامه الماضية التي كفّنتها الدموع والأحزان»، ويُمنّي النفس لو عادت إليه كما كانت في الماضي «مِضْحاكة فرحة كقُبّرة الحقول، وتنسى أنّها قد أصبحت غريبة بين أشباح لا يفهمونها»، مرتفعًا بغربته في العالم – بوصفه شاعرًا- إلى مستوى الأسطورة الشخصية وهو يقول: «أشعر الآن أنّي غريبٌ في هذا الوجود، وأنّني ما أزداد يومًا في هذا العالم إلا وأزداد غربة بين أبناء الحياة». وعلاوةً على ذلك، يُضمِّن الشابي مُذكراته بعض نشاطه الثقافي في الأندية الأدبية، وسجاله مع مُجايلي عصره، وعمله الإداري، ونفوره من تولّي منصب أبيه في القضاء.
كما يتحدّث، عبر رسائله إلى صديقه محمد الحليوي، عن أطوار نفسه المتقلبة، واعتلال صحّته، وتنقٌّله بين البلدات بحثًا عن هواء الاستشفاء والمعافاة، وتلقّي أشعاره المنشورة في بعض المجلات، وعلاقته بـ«أبولو»، وغير ذلك. ونرى أن أكثر ما في لغة الشابي في رسائله، كما في قصائده، هو الإحساس الفادح، القياميّ، بالألم وغصص الحياة التي ضاق بها ذرعًا، فيقول: «وأنا في ساحة تعصف بها الهموم (…) إن استمعتُ إلى نفسي لم أُلْفِ إلا الأسى يبكي أو أصخْتُ إلى قلبي لم أسمع إلا النحيب أو قلبت طرفي فيما حولي لم أبصر إلا ظلمات تتدجّى من فوقها ظلمات».
كان الشابي لا يكتب قصائده، أو يُمنّي نفسه بكتابتها إلا تحت حافزٍ خارجيٍّ وطبيعيٍّ يتهيّأ له: «فبريْتُ القلم وأعددت القرطاس وتأبّطت كتابًا لما عسى أن تُحدّثني به النفس من أفكار، أو يفيض به القلب من عواطف، لأنّني لا أعلم متى تطغى عليّ الخواطر..». فمناخ الحزن الذي يُخيّم عليه يحتاج إلى مثل هذا الحافز الذي يثير عواطفه ويُشْعر بأنه أصبح «شعلة حيّة نامية تضطرم في موقد هذا الوجود»، أو«شعلة نارية تتقد بين البشر».
وقد غنم الشـابي من هذه الأزمة النفسية التي كان يمرّ منها في العام الأخير من حياته، وينوء تحت قصاصها وإيقاعها الضاغط، قصائد عظيمة فجّرت كوامن موهبته وذروة إبداعه، مثل قصيدته ذائعة الصيت «نشيد الجبار». ففي رسالة مؤرخة ببلدته توزر في 19 ديسمبر/كانون الأول 1933م، يصف أجواء الليلة التي ولدت فيها القصيدة، قائلًا: «نمتُ مُعذّب النفس مهموم القلب، ثُمّ استيقظت نحو الساعة الواحدة بعد منتصف الليل فلجّت بي الآلام وضربت بي في كل سبيل حتى لقد كاد رأسي ينفجر، وأحسست أنّي لا بد مشرفٌ على الجنون لو دام بي ذلك الحال إلى الصباح».
ثُمّ يتابع، بعد أن يصف تقلُّب أحوال النفس بين معذّبة وثائرة وساخرة، بقوله: «تحت تأثير هاته الحالة النفسية نظمتُ «نشيد الجبار» فذابت آلام نفسي وشعرت بالحرية والانطلاق كأنّما ألقيت عن منكبي عبئًا ثقيلًا يهدُّ القوى. وقد نظمتها في تلك الليلة ولكن نفسي لم تنهض للكتابة ولو كلمة منها. وفي نحو الفجر نمت مرتاح النفس مطمئنًّا، وأفقت من الغد فلم أجدني قد نسيت منها كلمةً واحدة، فكتبتها ولم أزد عليها إلا نحو بيت أو بيتين وبعض تنقيحات رأيتها لا بدّ منها».
يتيح لنا هذا الحكي السيرذاتي الفريد أن نتعرّف على حياة قصيدة «نشيد الجبار» وعلى أسرار كتابتها وهي في طور التكوُّن. فمن جهة، يكشف عن أنّ القصيدة خيمياء تشكلّتْ من تلقاء نفسها في ظروف خاصة، نفسية ولاشعورية ضاغطة. ومن جهة أخرى، لا يتعلق الأمر بفكرة الإلهام، بل بعمل شاقّ ذهنيًّا وفكرية أعقبته «تنقيحات» ضرورية للعمل. كما يكشف الحكي نفسه عن أن القصيدة كانت تدشينًا لطور جديد في تجربة الشاعر، تؤرّخه قصائد مثّلت زمنًا نفسيًّا انتقاليًّا بالنسبة إلى حياة الشاعر التي وافقها جمال الطبيعة، وبالتالي لأناه الذي بدا ساخرًا لامباليًا بما يحدث له أو حوله، وحالمًا منتشيًا بروعة الوجود و«الصباح الجديد» (إذا استعرنا عنوان إحدى قصائده في هذه الفترة)، وإن كان ما أقصرها. يقول مخاطبًا صديقه: «أما الآن فإنّي أشعر بانقلاب عميق قوي في نفسي كل القوة، وستدرك هذا التطور في نفسي حيث تطلع على قصائدي الجديدة».
لقد راهن شعراء الرومانسية العربية، في سياق اهتمامهم بالخطاب الذاتي، على «طبيعة التجربة» التي امتحنوها وانعكست، بجلاء، على كتابة الأنا في توتُّر صوتها الغنائي الذي يلتبس مع السيرذاتي وينزلق إليه، من ذات إلى ذات.
٭ شاعر مغربي