واشنطن بوست: مقتل خاشقجي والهجمات ضد بيزوس جمدت مشاريع أمازون في السعودية

إبراهيم درويش
حجم الخط
0

لندن – “القدس العربي”:
تحت عنوان “الأمير الملياردير، ومشروع أمازون الذي جمد في الصحراء”، نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا لمارك فيشر وجوناثان أوكونيل تحدثا فيه عن مشروع للتعاون بين شركة أمازون والسعودية، حيث بديا وكأنهما حليفان تامان، فكلاهما كانت لديه طموحات بأن يكون لاعبا مهما في مجال الاقتصاد العالمي. فهو تعاون بين أكبر متجر في العالم وبين أكبر منتج للنفط في العالم، وتحركا في السنوات الماضية نحو تعاون بقيمة مليار دولار لبناء مراكز بيانات لشركة أمازون في مملكة الصحراء. إلا أن عملاء سعوديين قتلوا الصحافي جمال خاشقجي، في القنصلية السعودية في إسطنبول.

ولأن مالك صحيفة “واشنطن بوست” هو جيف بيزوس، صاحب أمازون، فقد توقف مشروع مراكز أمازون في السعودية. ويقول مسؤولو الشركة إنه لا يوجد أي تحرك بشأن الصفقة هذا العام. وعندما يتدفق رجال الأعمال والمسؤولون الماليون الكبار على الرياض للمشاركة في مؤتمر استثمار المستقبل بالرياض بحيث يفتحون الباب أمام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للعودة إلى المسرح الدولي فلن يكون مؤسس أمازون أو أي من مسؤولي الشركة ضمن الحضور، حسب مصادر عليمة بخطط الشركة.

ورغم عدم رغبة أي من الطرفين إعلان نهاية الشراكة إلا أن التجميد جاء نتاج سلسلة من الأحداث: مقتل خاشقجي في إسطنبول، فيما أصبح أغنى رجل في العالم هدفا لهجمة من الذباب الإلكتروني السعودي. وبعدما نشرت مجلة “ناشونال إنكويرر” تقريرا عن علاقة بيزوس العاطفية خارج الزواج وتهديدها له بنشر صور فاضحة إلا حالة تعهد بالقول إن القصة لا دوافع سياسية لنشرها. ولكنه رفض حيث توصل مستشاره الأمني غافين دي بيكر إلى أن الحكومة السعودية لها منفذ إلى هاتفه النقال وحصلت على معلومات.

وقال دي بيكر: “كانت الحكومة السعودية تقصد إيذاء جيف بيزوس ثم بدأت صحيفة “واشنطن بوس” بحملتها الشرسة لتغطية جريمة مقتل جمال خاشقجي”. ولم تظهر أية أدلة عن استخدام السعوديين المعلومات التي أخذوها من بيزوس في الحملة ضده بما في ذلك الصور التي هددت “ناشونال إنكويير” بنشرها. ونفت المجلة أن تكون السعودية أثرت عليها فيما لم يصدر عن المحققين الفيدراليين في نيويورك اتهامات.

وبعد عام على مقتل خاشقجي لا تزال العلاقة بين الملياردير والأمير السعودي محلا للجدل. ويقول بعض رجال الأعمال إن العداء السعودي تجاه بيزوس نابع من قرار الملياردير الانضمام إلى رجال الأعمال الآخرين رفض التعامل مع ولي العهد ومؤتمره الدولي المعروف بدافوس الصحراء في العام الماضي وهذا العام. وهناك من يقول إن السعوديين بدأوا الهجوم ضد بيزوس لاعتقادهم خطأ أنه من وجه التغطية لجريمة مقتل خاشقجي. وقبل قصة مجلة ناشونال إنكويرر تعرض بيزوس لهجمة إلكترونية طالما تحدث عنها خاشقجي وكشف عنها في بلده الفاسد. فقبل مقتله كان يعمل على مشروع للمساعدة على إنشاء مؤسسة للدفاع عن الديمقراطية في العالم العربي.

واعترف بيزوس بداية هذا العام أن واشنطن بوست هي بالنسبة له “نار يصعب إخمادها” و”هناك شخصيات قوية جربت تغطية واشنطن بوست قد تستنتج أنني عدوهم”. وتشير الصحيفة إلى أن شركة بيزوس الرقمية “أمازون ويب سيرفس” صارت من أنجح الفروع التابعة لشركته حيث حصدت في العام الماضي 25.7 مليار دولار من نشاطات وحدة الإنتاج التلفازي وكيندل وأليكسا للمساعدة الافتراضية في شمال أمريكا، وأكثر مما حصده ماكدونالز. وأعلنت في عام 2017 نموا بنسبة 47%. وقال مدير أمازون ويب سيرفس، أندي جاسي: “لا نزال على السطح فقط”.

وفي الوقت الذي تحاول الشركتان المنافستان له، مايكروسوفت وغوغل، اللحاق بشركته قامت أمازون ويب سيرفس بتوجيه أعمالها نحو الشرق الأوسط، خاصة السعودية وذلك كمرحلة جديدة من التوسع. وتبحث الشركات الكبرى الثلاث في العالم عن فرص لبناء مراكز بيانات تستطيع تقديم خدمات رقمية للشركات العملاقة والشركات الصغيرة الجديدة والمؤسسات الحكومية أيا كان حجمها. وتحتاج الشركات العملاقة إلى منافذ إلى السلطة وبنى تحتية جيدة للكهرباء وأرض يمكن شراؤها بأسعار معقولة وزبائن من الشركات. والسعودية لديها كل هذه المعايير. فهي ليست فقط من أكثر دول الشرق الأوسط ثراء وتقوم بتنويع اقتصادها بل ونسبة 60% من سكانها هم تحت سن الثلاثين مما يعطي فرصة للنمو.
وبعد ثمانية أشهر من وصول ترامب إلى السلطة أعلنت أمازون ويب سيرفس عن افتتاح أول مراكز للبيانات في البحرين وعقدت أول مؤتمر إقليمي لها. وبعد أشهر ظهرت تقارير تحدثت عن فتح مراكز في السعودية وأنها قد تتفوق على جارتها. وجاء في التقارير أن السعودية وأمازون تقتربان من توقيع اتفاقية بقيمة مليار دولار لبناء مراكز البيانات في السعودية. وكان من المتوقع الإعلان عن الصفقة أثناء زيارة ولي العهد السعودي إلى الولايات المتحدة عام 2018. وبدا وكأن العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة تنمو بشكل كبير. فقد اختار الرئيس ترامب الرياض كمحطة أولى لزيارته الخارجية، فيما وصف الأمير السعودي الأمير الجديد بأنه “الرئيس الذي سيعيد أمريكا إلى مسارها الصحيح”.

وفي نهاية عام 2017 عندما ظهرت تقارير عن سجن محمد بن سلمان مئات من الأمراء ورجال الأعمال كتب ترامب تغريدة عبر فيها عن ثقته بالملك سلمان وولي عهده. وأقام محمد بن سلمان علاقة جيدة مع زوج ابنة ترامب جارد كوشنر، وبدأ سلسلة من الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية. وعندما أعلنت السعودية في آذار (مارس) 2017 عن السماح للمرأة بقيادة السيارة عبرت مسؤولة التسويق تيريزا كارلسون عن دعمها للقرار في تغريدة لها. وكارلسون نشأت في ولاية كينتاكي وتحب الرياضة في الجامعات وسباق الخيل وحاولت شخصيا جذب القادة الأجانب لدعم خطط توسيع أمازون ويب سيرفس.

وقال شخصان عارفان إن كارلسون هي من دفعت بقوة من أجل التوسع وبناء مراكز بيانات في السعودية وذلك بعد فترة قصيرة من انضمامها لأمازون عام 2010. ومن أجل تأكيد اهتمامها بالشرق الأوسط اشترت أمازون سوقا في دبي والذي أعادت تسميته باسم أمازون الإمارات من أجل الوصول للأسواق في الإمارات والسعودية. واشترته بمبلغ 850 مليون دولار مما يكشف عن اهتمام الشركة بالمنطقة. وتعتبر السعودية من أكثر دول المنطقة إنفاقا على الحوسبة السحابية.

ويقول تيني هاينز المحلل البارز في شركة غارنتر إن السعودية هي المكان الطبيعي لإنشاء مراكز بيانات من بين دول المنطقة، خاصة أن المملكة تخطط لتنويع الاقتصاد واستخدام ثروتها من النفط للاستثمار في مشاريع البنية التحتية وتوطيد العلاقة مع الغرب والاستثمار في شركات التكنولوجيا. وقالت تقارير إن محمد بن سلمان كان يهدف في أثناء زيارته للولايات المتحدة العام الماضي لتوقيع صفقة مراكز البيانات مع أمازون، خاصة بعد موافقة بيزوس على مقابلته.

وقال شخص إن بيزوس لم يكن ليلتقي مع أي شخص طالما لم يكن يعرف أن هناك فرصة كبيرة. و”هو معروف بعدم موافقته على مقابلة رؤساء دول، فهو ليس بحاجة لأن يكون مؤدبا ويصافح، ولكن التوقيع وإنهاء الاتفاق”. وبعد أشهر من زيارة ولي العهد السعودي ومقتل خاشقجي لم يحدث أي تحرك على مراكز البيانات ولا إلغاؤها. قال مسؤول يعرف بخطط أمازون: “لا يوجد تطورات جديدة”، ولن يحضر لا بيزوس أو أي من مسؤولي شركة أمازون ويب سيرفس. وقال مسؤول عارف بتفكير بيزوس إن مدير أمازون متمسك باتهاماته ضد ناشونال إنكويرر والسعوديين. ورفض متحدث باسم مكتب منطقة جنوب نيويورك التعليق بشأن التحقيق والعلاقة بين السعوديين وإنكويرر. وبحسب أشخاص يعرفون بتفكير بيزوس أن واحدة من النيران التي اشتعلت في علاقته مع السعوديين هو الاتفاق الذي وقعته “واشنطن بوست” مع الكاتب خاشقجي.
وكان أول مقال نشره “لم تكن السعودية بهذا القمع لكنها اليوم غير مؤتمنة”. وفي نفس الوقت بدأ بيزوس علاقة عاطفية مع لورين سانشيز، الطيارة ومقدمة البرامج التلفزيونية السابقة. وبعد أقل من أسبوعين بدأت تغريدات تظهر في السعودية ضد بيزوس وواشنطن بوست بالعربية، وبعضها اتهم صاحب أمازون بأنه “يهودي” مع أنه ليس يهوديا.

وقال أحدهم: “نحن السعوديين لن نقبل أن تهاجمنا واشنطن بوست في النهار ونشتري البضائع من أمازون في الليل”. وقال آخر: “من الغريب أن الشركات الثلاث يملكها يهودي يهاجمنا في النهار ويطلب منها شراء بضائعه في الليل”. وبدأت علاقة السعودية بتويتر مع الربيع العربي حيث استخدمها السعوديون لنقد النظام حتى وصول بن سلمان عام 2017 إلى السلطة حيث مارس القمع ضد المستخدمين. وتمت ملاحقة المعارضين والمنفيين وسجن الكثيرين فيما شارك آخرون بحملة القمع الحكومية عبر تويتر. وبرز مستشار ولي العهد كمسؤول عما عرف بالذباب الإلكتروني ودعا سعود القحطاني مستخدمي تويتر للمشاركة في القائمة السوداء والإبلاغ عن أي شخص ناقد للحكومة. واتهم القحطاني بتدبير جريمة قتل خاشقجي. وبدأت الهجمات الإلكترونية ضد بيزوس بعد فترة قصيرة من مقتل خاشقجي.
وزادت بعدما نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقارير ومقالات وافتتاحيات حملت الحكومة السعودية مسؤولية الجريمة. وفي مقال كتبه مستشار الأمن لبيزوس، دي بيكر، نشره موقع “ديلي بيست” قال إن الهجمات ضد بيزوس نابعة من الحملة التي قادتها صحيفة “واشنطن بوست” ولأن مالك أمازون ألغى ظهوره في مؤتمر الرياض.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية