العراق: المتظاهرون يسيطرون على مدخل «جسر السنك» خشية التفاف قوات الأمن على «جبل أُحد»

مشرق ريسان
حجم الخط
0

بغداد ـ «القدس العربي»: عزّز المتظاهرون العراقيون، أمس الخميس، من جبهتهم الثانية عند الحاجز الكونكريتي الأول المشيّد من قبل القوات الأمنية، عند مدخل جسر السنك الموازي لجسر الجمهورية، والذي يعدّ في حال عبوره إلى الضفة الثانية من النهر، مدخلاً لعدد من المؤسسات الحكومية، منها فندق المنصور المُطل على نهر دجلة، ومبنى محافظة بغداد، ناهيك عن الهدف الاستراتيجي بالنسبة للمتظاهرين، وهو السفارة الإيرانية.
وشهدت ليلة أول أمس، محاولة المتظاهرين اختراق الحاجز الأول لجسر السنك، في محاولة لعبوره باتجاه الضفة الأخرى من النهر، مستغلين بذلك ضعف التحصينات الأمنية، وقلّة الانتشار الأمني، على خلاف جسر الجمهورية الذي يعجّ بقوى الأمن والحواجز الكونكريتية.
وعلمت «القدس العربي» من شاهد عيان، إن «معلومة قرار المتظاهرين عبور جسر السنك، يبدو إنها وصلت إلى القوات الأمنية قبل ساعات قليلة من الاقتحام، الأمر الذي دفع تلك القوات إلى تعزيز تواجدها البشري، وأيضاً تدعيم الحواجز الكونكريتية (4 حواجز) المقامة على الجسر».
وطبقاً للمصدر، الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، فإن «المتظاهرين استغلوا الارتباك في صفوف قوات الأمن، وأقدموا على إسقاط الكتل الكونكريتية المشيّدة على الجسر، استعداداً للتقدم صوب الحواجز الأخرى تباعاً، غير إن القوات الأمنية أمطرتهم بالقنابل الغازية والصوتية، بالإضافة إلى الرصاص الحي، ومنعتهم من التقدم».
وأضاف: «القوات الأمنية أطلقت الرصاص الحي، لكن في الأعلى وليس صوب المتظاهرين، غير إنها أطلقت القنابل الغازية والصوتية بكثافة مباشرة نحو المتظاهرين، الأمر الذي تسبب بسقوط ضحايا».

التفاف على جبل احد

في الأثناء، قال أحد المتظاهرين الذي يشارك في الحراك الاحتجاجي منذ الجمعة الماضية، لـ»القدس العربي»، إن «تصريح مرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي الأخير الذي اعتبر التظاهرات أعمال شغب، أثار غضب المتظاهرين، وقرروا التوجه صوب السفارة الإيرانية من خلال عبور جسر السنك»، مبيناً أن «السبب الآخر يتمثل بورود معلومات للمتظاهرين تفيد بعزم قوات الأمن اختراق التظاهرات من خلال اقتحامها ساحة التحرير من جهة الجسر الآخر السنك، والالتفاف من خلف جبل أحد (اسم شاع لمبنى المطعم التركي)».
وأول أمس، قال خامنئي: «أوصي الحريصين على العراق ولبنان أن يضعوا على رأس أولوياتهم معالجة أعمال الشغب. للناس مطالب أيضا وهي محقة لكن عليهم أن يعلموا أن مطالبهم إنما تتحقق حصرا ضمن الأطر والهيكليات القانونية لبلدهم»، مؤكدا: «متى ما انهارت الهيكلية القانونية يستحيل القيام بأي عمل».
المتظاهر، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، بين أن «ليلة البارحة (الأربعاء) كانت شديدة على المتظاهرين، إذ سقط شهيدان على جسر السنك، أحدهما تعرض لإصابة مباشرة في الرأس بقنبلة دخانية، فيما لقي الآخر مصرعه جراء الاختناق بالغاز. كان يعاني من مرض الربو، فيما سقط العشرات من الضحايا جراء حالات الاختناق».
وأضاف: «المصابون يتم نقلهم على الفور من الجسر إلى نقاط الاسعاف ليتلقوا العلاج، ومن ثم يعودون إلى الجسر»، مشيراً إلى إنه «ساهم في نقل عشرات المصابين بالاختناق».

وصف خامنئي الحراك الاحتجاجي بـ«الشغب» يثير غضب الشارع

وعن الأوضاع في ساحة التحرير، معقل المتظاهرين، أفاد بأن «المتظاهرين المتمركزين في مبنى المطعم التركي (المطل على ساحة التحرير من جهة، والمنطقة الخضراء من الجهة الثانية) لن يسلموا موقعهم مهما حدث»، كاشفاً في الوقت ذاته عن «تجهيزهم بقنابل المولوتوف، أو ما تعرف محليّاً بـ(الفتيل) للدفاع عن المبنى وأنفسهم، في حال أقدمت القوات على الاقتحام».
وأكد المصدر أن «لا قيادة لتظاهرات التحرير»، مشيراً إلى أن «التظاهرات تُقاد من خلال السوشال ميديا. هناك أشخاص مؤثرون بإمكانهم تحريك الشارع من خلال منشور واحد، سرعان ما يلقى صداه وتأثيره على الأرض».
ونفى أن يكون هناك توجيه للمتظاهرين من قبل أي جهة سياسية كانت، لافتاً إلى إنه «ليلة أمس (الأول)، وصلت عجلات مدنية من مدينة الصدر (شرقي العاصمة) صوب ساحة التحرير، تعود لسرايا السلام (الجناح المسلح للتيار الصدري) لكن المتظاهرين منعوهم من سلّك الطريق باتجاه ساحة الطيران، المؤدي إلى ساحة التحرير، وأخبروهم بأنهم لو أرادوا المشاركة في التظاهرات عليهم دخول الساحة كمتظاهرين مدنيين، ورفع العلم العراقي حصراً».
واعتبر مقرّب من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، بأن هناك «نيّة» لدى جهات لم يسمّها، لـ»الإيقاع» بين الصدر والمتظاهرين.
وقال صالح محمد العراقي، المقرّب من زعيم التيار، في صفحته بـ»فيسبوك»، «يريد البعض الإيقاع بطرفين، الاول السيد الصدر خصوصا بعد أن قام بخطوات وقرارت تصعيدية ضد الحكومة وأذنابها، والثاني المتظاهرون، وخصوصا بعد توسعهم وتعاطف كل طبقات الشعب معهم».

تغلغل بين المتظاهرين

وأضاف: «نعم يحاولون الإيقاع بكلا الطرفين من خلال دس بعض أفرادهم، ولا سيما بعد صدور الأوامر لهم بالتغلغل بين المتظاهرين والقيام بالهتاف ضد أحد جهتين الأولى المرجعية والثانية الصدر، وذلك لإيقاع الفتنة بين المتظاهرين ووقوع الصِدام بينهم، لعلمهم بوجود عشاق للصدر لن يسكتوا عن تلك الهتافات ضده وضد المرجعيات».
وتابع: «بالتالي، يوجدون ذريعة لتفريق التظاهرات وتشويه سمعتها، بل لعل الأمر أخطر من ذلك: وهو وقوع فتنة وحرب أهلية يستفيد منها الفاسدون لإنهاء كلا الطرفين الإصلاحيين، إن جاز التعبير، وفي الحقيقة هم طرف واحد في خندق واحد لذا وجب التنبيه».
ووفق الشهود، فإن ساحة التحرير وسط العاصمة، تشهد هتافات ضد أغلب الرموز الدينية والسياسية، من دون أي تحرّجٍ أو خشية من أتباعهم، في سابقة تعدّ الأولى من نوعها، على مر جميع الحركات الاحتجاجية السابقة التي شهدها العراق منذ عام 2003 وحتى الآن.
يأتي ذلك وسط انتشار مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، لشخص يرتدي زيا عسكريا، ويقف على جسر الجمهورية في بغداد وهو يتوعد بإبادة المتظاهرين «ثأرا» لقتلى «العصائب» الذي سقطوا خلال التظاهرات، لكن «العصائب» نفت ذلك. وقال النائب نعيم العبودي، المتحدث باسم حركة «عصائب أهل الحق»، بزعامة قيس الخزعلي، في بيان له أمس، إن «أساليب رخيصة لزرع الفتنة من أشخاص لا يمتون إلينا بصلة لا من قريب ولا من بعيد»، مضيفا : «لن ننجر إلى ما يريده العدو».
وتابع : «السلمية والالتزام بالقانون والدستور هو المنهج الذي يمثلنا، أما الانتقام فهو سلاح الضعيف والجبان الذي لا يمثلنا بالتأكيد».
وعلى خلفية التظاهرات الشعبية العارمة، تتعرض القوى السياسية جميعاً، والشيعية منها المعروفة بالولاء لإيران، إلى موجة انتقادات لاذعة، من قوى وجهات محلية ومجتمعية، حتى وصل الأمر إلى رجال الدين.

خبراء أمميون يطالبون الحكومة العراقية بحماية المتظاهرين من الأطراف العنيفة

حث خبراء حقوق الإنسان التابعون للأمم المتحدة، السلطات العراقية على منع ووقف العنف على الفور ضد المتظاهرين، وضمان التحقيق مع المسؤولين عن الاستخدام غير المشروع للقوة ومحاكمتهم.
ونقل تقرير للأمم المتحدة، عن الخبراء، قولهم «من الأهمية بمكان أن تتخذ السلطات العراقية خطوات إضافية لمنع العنف وتوفير بيئة آمنة للاحتجاجات السلمية».
وأوضحوا أنه «في موجتين من الاحتجاجات في الفترة من 1 إلى 9 أكتوبر/ تشرين الأول و 25 إلى 27 أكتوبر/ تشرين الأول ، قُتل أكثر من 220 مدنياً وجُرح الآلاف بعدما استخدمت قوات الأمن العراقية القوة المفرطة لتفريق المحتجين، بما في ذلك استخدام الذخيرة الحية والرصاص المطاطي والعربات المدرعة». وقال الخبراء إنه «كان هناك أيضًا استخدام عشوائي لأسلحة أقل فتكًا مثل الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه وقنابل الصوت».
وحسب البيان، فإنه «منذ 25 أكتوبر/ تشرين الأول، يبدو أن قوات الأمن العراقية، خاصة في بغداد، قد أظهرت المزيد من ضبط النفس مقارنةً بالمظاهرات السابقة، ومع ذلك، استمرت التقارير في الإبلاغ عن الاستخدام المفرط لوسائل أقل فتكاً بالمتظاهرين، مما تسبب في وقوع عدد من إلاصابات، بالاضافة إلى عدد من الوفيات. وحدثت معظم الإصابات في نهاية الأسبوع نتيجة لاستنشاق الغاز المسيل للدموع وانفجار القنابل الصوتية».
واعتبر الخبراء أن» الوضع في بعض المحافظات الجنوبية، والتي استخدم فيها أفراد مسلحون الرصاص الحي ضد المتظاهرين أثناء حمايتهم للمكاتب السياسية، (يتطلب) عناية عاجلة».
وزادوا: «نعرب عن استيائنا الشديد لاستخدام القوة المفرطة والعنف من قبل قوات الأمن العراقية والعناصر المسلحة الأخرى ضد المتظاهرين». وأضافوا: «من غير المعقول ومن المثير للحزن أن مثل هذا الرد الغاشم يوجه ضد العراقيين الذين يريدون ببساطة التعبير عن حقوقهم في حرية التعبير والتجمع السلمي».
وشدد الخبراء، حسب البيان، أن «على الدولة العراقية واجب حماية الذين يمارسون حقهم في التجمع السلمي، بما في ذلك حمايتهم من الجهات العنيفة المتنفذة غير الحكومية، كما تقع على عاتق الدولة العراقية مسؤولية البحث عن المسؤولين عن قتل المتظاهرين والتحقيق معهم وملاحقتهم قضائياً».
وتابعوا: «لقد تظاهر الناس في المدن والمحافظات في جميع أنحاء وسط وجنوب العراق، بما في ذلك وسط بغداد، ضد ارتفاع مستويات البطالة والفساد وضعف الخدمات العامة. وكان العديد من المشاركين من الشباب والعاطلين عن العمل». وبينوا حسب التقرير، أن «في 22 أكتوبر/ تشرين الأول 2019 ، وجدت لجنة تحقيق حكومية في أعمال العنف التي اندلعت في أوائل أكتوبر / تشرين الأول، أن 149 مدنياً وثمانية من رجال الأمن قد لقوا مصرعهم، 70 في المئة منهم إصابتهم كانت في الرأس أو الجذع العلوي»، لافتاً إلى أن «تقرير الحكومة (أقر)، في جملة أمور، من بينها بأن قوات الأمن قد استخدمت القوة المفرطة وفقدت السيطرة على المظاهرات وأوصت بإجراء تحقيقات تأديبية وقضائية ضد الجناة الذين تم تحديدهم، لكن التقرير خلص إلى عدم وجود أوامر رسمية بفتح النار على المتظاهرين». وقال الخبراء: «بينما نحيط علما بنتائج لجنة التحقيق، فإننا نأسف بشدة لوقوع المزيد من العنف والخسائر في الأرواح والإصابات خلال عطلة نهاية الأسبوع».
وشددوا: «يجب على الحكومة أن تثبت فعالية هذه التحقيقات واستقلالها وحيادها. وهذا يعني أنه يجب عليها تحديد هوية جميع مرتكبيها بغرض مقاضاتهم. وهذا ينطبق أيضًا على المسؤولين الذين يفشلون في منع حدوث مثل هذه الانتهاكات في المقام الأول».
كما أعرب الخبراء عن صدمتهم للتقارير التي صدرت في أوائل أكتوبر/ تشرين الأول عن قيام القناصة بإطلاق الرصاص على كل من المتظاهرين وأولئك الذين حاولوا إخلاء الجرحى، بزعم أنهم اخترقوا الحواجز التي وضعتها قوات الأمن. كما بقيت هوية هؤلاء القناصين مجهولة.
وتابعوا: «تشير التقارير المستمرة الوصول إلى أن المدافعين عن حقوق الإنسان قد تلقوا تحذيرات صريحة وتهديدات بالقتل في حال مشاركتهم في التظاهرات، وسط مزاعم تفيد بأن قوات الأمن قد اعتقلت واحتجزت المئات من المتظاهرين والصحافيين ونشطاء المجتمع المدني بشكل تعسفي».
واشاروا أيضاً إلى «الإبلاغ عن القيود المفروضة على الحريات الإعلامية على نطاق واسع، بما في ذلك ترهيب ومضايقة الصحافيين، والاعتداءات على وسائل الإعلام، وخدمة الإنترنت المتقطعة، بالاضافة إلى مواقع ومنصات وسائل التواصل الاجتماعي»، مبينين إنهم (الخبراء) «يجرون حوارًا مع السلطات العراقية حول هذه القضية وسيواصلون مراقبة الوضع عن كثب».
ويشكل المقررون الخاصون والخبراء المستقلون والفرق العاملة جزءاً مما يسمى بالإجراءات الخاصة ل‍مجلس حقوق الإنسان. والإجراءات الخاصة هي أكبر هيئة للخبراء المستقلّين في نظام حقوق الأمم المتّحدة، وهي التسمية العامة لآليّات المجلس المستقلّة المعنيّة بالاستقصاء والمراقبة والرصد. والمكلفون بولايات في إطار الإجراءات الخاصة هم من خبراء حقوق الإنسان الذين يعيّنهم مجلس حقوق الإنسان كي يعالجوا إمّا أوضاعًا محدّدة في بلدان محدّدة، وإمّا قضايا ومواضيع على مستوى العالم كلّه. وهم ليسوا من موظّفي الأمم المتّحدة وهم مستقلّون عن أيّ حكومة ومنظّمة. ويقدّمون خدماتهم وفق قدراتهم الفرديّة ولا يتقاضَون أجرًا لقاء العمل الذي يقومون به.
وفي وقت سابق من مساء أول أمس، أعلنت مفوضية حقوق الإنسان (تابعة للبرلمان) مقتل 100 شخص وإصابة 5500 من المتظاهرين والقوات الأمنية خلال الأيام الماضية، فيما دعت المتظاهرين والقوات الأمنية إلى الابتعاد عن الاحتكاك والالتزام التام بسلمية التظاهرات.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية