جان ماري رياشي: كسرنا إيقاع النشيد الوطني تحية للمشاركات في الثورة

زهرة مرعي
حجم الخط
0

بيروت-“القدس العربي”: يبدي الملحن والموزع الموسيقي جان ماري رياشي إعجاباً كبيراً بثورة الشعب اللبناني. شارك فيها كمواطن وفنان، ولفتته المشاركة النسائية الواسعة. الفنان الذي تعاون مع أكثر النجوم في لبنان والوطن العربي يشهد له إنتاجه لعدد وفير من الأغنيات الجميلة. وفي الأيام الأولى للثورة كان لرياشي تعاون مع الفنان رامي عيّاش في أغنية “أنا لبناني”. ومن ثم طُلب منه إعادة توزيع النشيد الوطني وإضافة “للنساء” إلى المقطع الذي أغفل وجودهم “منبت للنساء والرجال”. كُسر الإيقاع بوضوح، لكن هذا ما اقتضته ثورة للنساء فيها الحضور الأكبر.

يتفاءل رياشي بالثورة معتبراً أننا بصدد التأسيس لمستقبل نظيف لا محاصصة فيه. والجيل الجديد أفهم الكبار بأنه بات واعياً والضحك عليه لن يمر، وسكة التغيير بدأت.

مع جان ماري رياشي هذا الحوار:

*هل كانت مهمة إضافة “للنساء” إلى النشيد الوطني اللبناني سهلة؟

**لنعد إلى البداية، فالثورة بالنسبة لي أثمرت أولاً أغنية “أنا لبناني” التي كانت نتيجة تعاوني مع رامي عياش. أما إضافة تعبير “للنساء” إلى النشيد الوطني اللبناني فجاء بطلب من جريدة “النهار” التي رغبت في تكريم النساء لجهودهن في الثورة. أحب البعض التعديل والبعض الآخر انتقده. فيما يخصني سيحفظ أبنائي النسخة الأصلية من النشيد وليس المُعدلة. كل ما في الأمر هو قول شكراً للنساء. فما يميز هذه الثورة المشاركة الكثيقة والمستدامة للنساء. نعم ترك هذا التعديل أثراً إعلامياً ملحوظاً رغم انتقاد البعض.

*ترغب في أن يحفظ أطفالك النشيد الأصلي فهل أنت غير مؤمن بما قمت به؟

**أؤمن بدور المرأة بكل تأكيد، وبالحملة التي نظمتها جريدة “النهار” لتسليط الضوء على حضور المرأة في الثورة مئة في المئة. موسيقياً تعمدنا كسر الإيقاع ليظهر الإختلاف. في حين كان متاحاً رفع كلمة منبت والقول للنساء والرجال حفاظاً على إيقاع النشيد. كسر الإيقاع يلفت الأذن للبحث عن تغيير حصل، بهدف التنويه والشكر وتسليط الضوء على جهود النساء في هذه الثورة، وهذا بالتأكيد أؤمن به.

*أليس حضور النساء الكثيف ناتجا عن كون الرجال في لبنان هاجروا إلى بلدان بعيدة أو انتشروا في بلدان الخليج العربي للعمل؟

**بالنسبة لي كمواطن، شقيقتاي تعملان في دبي ووالدتي تعيش اللوعة من الوحدة. لو كان طفلاي كبيران أظن أن زوجتي لم تكن لتفارق ساحات التظاهر. نعم ليس طبيعياً أن اللبنانيين ينجبون، يربون ويعلمون أبناءهم وفي نهاية المطاف يتمّ تصديرهم للعمل في الخارج. لم يعد محتملاً أن جميعنا في الخارج. ولهذا يشارك في هذه الثورة الطلاب والنساء خوفاً من المستقبل ودفاعاً عن حقوقهم بوطن. كموسيقي هذه حرفتي، وأدرك تماماً أن الموسيقى مرآة المجتمع. وعندما قدمنا مع راغب علامة أغنية “طار البلد” قامت الدنيا ولم تقعد رغم المشاكل التي نعيشها. قيل لنا “تقلتو العيار” فيما المتقاعسون عن مهامهم يدعون البراءة. وقبلها كانت أغنية “أنا رايح ع دبي” والتي أوحت بها حالة والدتي وأختيَ وكل من أعرفهم يبحثون عن عمل في الخارج. ومع هذه الأغنية قالوا “ليش”؟ الموسيقى الاجتماعية والوطنية هي صورة عن الأيام التي نمر بها، ومن جهتي لا أدخل في نقاشات حول من له هدف أو توجه سياسي ومن ليس له.

*وهل أنت من أوحى باختيار صوت كارول سماحة للمشاركة بهذه الحملة؟

**نعم. طلب المعنيون في جريدة “النهار” كورال صبايا وهذا ما تمّ. لكني أشرت لضرورة وجود صوت له مصداقية كي يلمع النشيد بصيغته الجديدة. وكان الإختيار لصوت كارول الذي يتمتع بحضور مسرحي. كما لها مصداقية في الموضوعات الوطنية، وكانت لها مواقف خاصة بالثورة والنساء أحترمها. وعندما طُرح عليها الموضوع تحمست جداً للفكرة.

*هل جاءت من مصر خصيصاً أم كانت في لبنان تشارك في الثورة؟

**بل جاءت من أجل النشيد الوطني وليوم واحد، فهي بصدد جولة فنية كما أنها تصور فيلماً.

*في حال تحقيق رغبات غالبية الحراك بوطن علماني هل نحتاج في رأيك لنشيد وطني جديد؟

**أرجو التوضيح بأننا أضفنا إلى الكوبليه الأول فقط كلمة للنساء بهدف توجيه الشكر لهنّ لوجهودهن البارز في الثورة. في الواقع نشيدنا كلامه جميل وخاصة “كلنا للوطن”. وفي جملة “منبت للرجال” ليس المعنى حرفيا، بل هو موقف. كمواطن وموسيقي أفتخر بنشيد وطني. وإن كنا بصدد وطن علماني فنشيدنا لا يمت للطائفية بصلة ولا يتناول الأديان كي نسعى لتغيره.

*كيف ولدت أغنية “أنا لبناني” مع رامي عياش؟

**في الأسبوع الأول من الثورة كانت الخشية كبيرة من عودة الاضطرابات الطائفية خاصة وأن بعضهم رغب في ركوب الموجة. فكانت فكرة رامي “أنا لبناني” بما تعنيه بأن هذا هو لبناني. وكانت حملة عبر وسائل التواصل بأن يكون لكل منا اسمه الأول وتكون عائلته لبناني. أسقطنا العائلة وصار الوطن هو العائلة التي تمنح الإنسان هويته. فمن المعروف أن فئة كبيرة من اللبنانيين عندما يلتقون بشخص جديد يسألونه “إنت من وين”؟ والهدف كشف هويته الدينية. ولهذا كان هاشتاغ كلنا عيلة واحدة، وهكذا تسارع عدد المنضمين له ومن بينهم كثير من الفنانين. إذاً مطلع الأغنية لرامي عياش وأكمل كتابة بقية الأفكار الشاعر نزار فرنسيس. جو الأغنية يدعو للتفاؤل والإيجابية، وفيه نوستالجيا تدغدغ مشاعر اللبنانيين المهاجرين.

*نعرف أنك دقيق في تنظيم يومياتك المهنية فماذا عن نبضك خلال الثورة التي تجاوزت الشهر من عمرها؟

**يمكن القول إن أصحاب الأعمال يتحملون الكثير من الأعباء في ظروف مماثلة. لم يعد لدينا أي عمل، مع وجود عدد كبير من الموظفين وهذا ما يُعتبر حملاً كبيراً ومقلقاً بالنسبة للمستقبل. كنا في مناخ توسيع العمل في الأستوديو وكذلك أن يكبر الفريق وفجأة توقف كل شيء وهذا مقلق. كصاحب عمل نحن في مرحلة تضحية ونأمل عدم الإقفال. فريق العمل لا يتكون في لحظة بل ينشأ كما الطفل، نتعب عليه وندربه، ونمده بخبرتنا مما يتيح لنا إنجاز ثلاث أغنيات بدل الواحدة في الأسبوع. سنوات نتعب خلالها لإنشاء فريق عمل تجمعه الروح العائلية ليس بسيطاً الاستغناء عنه رغم صعوبة متابعة الطريق. لهذا اقول إن صاحب العمل من أكثر المتضررين، لكننا صابرون على أمل الوصول إلى نتيجة من هذا الحراك. إنما المؤلم أن المسؤولين ليست لهم قدرة المسؤولية، وهم منفصلون بشكل تام عن المجتمع. الثورة لا تلغيهم بل تقول للفاشل أن يتنحى، وتقول للحرامي بالمحاسبة.

*هل من مشاريع فنية مستقبلية أوحت بها الثورة؟

**في رأيي أن إنجاز أهداف الثورة سيتبعه تبدل حتمي على الصعيد الموسيقي. وهذا التغيير لن يكون على صلة بما سبقه من موسيقى، يفترض بالثورة متابعة الطريقة لتنقية الموسيقى من الفساد المعشعش فيها، ومن صناعة الموسيقى الرخيصة والإعلام الفني الرخيص. فقد وصلنا على صعيد الموسيقى إلى مستويات مخيفة من الفشل والهبوط. هذا موجود على مر التاريخ، إنما الإعلام لم يكن يُسلط عليه. هناك أغنيات في مستوى هابط جداً كلاماً وموسيقى وتحصد ملايين المشاهدات. نأمل بعد إنجاز الأهداف الأساسية للثورة أن تكون الموسيقى المقبلة شبيهة بالشباب الذين ملؤوا الساحات.

*هل لفتك كم الموسيقى الموجودة في ساحات الاعتصام والعازفين الذين يتنقلون بين الناس؟

**صحيح. واليوم تحديداً شاركت في خبر يظهر فتاتين تعزفان التشللو في وسط بيروت وأمام التياترو الكبير وقلت “هذا لبناني”. للأسف لم أكن موجوداً. كل منا يشارك بما يعرفه في هذه الثورة.

*وهل سمعت “نشيد الثورة” الذي كتبه مهدي منصور ووزع موسيقاه زياد الأحمدية؟

**نعم سمعته وأحببت كلامه وفي رأيي أنه كان متاحاً أن يولد بتنفيذ أفضل، لكن السرعة حكمت بذلك.

*في رأيك نحن حيال ثورة أم انتفاضة؟

**بدأت حراكاً. لكنني شخصياً أفضل مفردة الثورة على الانتفاضة. نحن في ثورة على الفساد والظلم وطلباً لاستعادة حقوقنا. من رئيس الجمهورية وصولاً لأصغر مشارك في الثورة يقر بأنها حقوق وليست مطالب للرفاهية. من البديهي أن نتمتع بالكهرباء لـ24 ساعة، والمواصلات الشعبية، والضمان الصحي والبيئة النظيفة. أين الرفاهية في هذه المطالب؟ إنها ثورة على الفساد، وعلى الفاشلين في إدارة شؤون الوطن وعلى من فقدوا ثقة الشعب. وعلى من ناموا على حرير أن الشعب في حالة تخدير، ففاجأتهم استفاقة الشعب.

*أنت شخصياً هل فاجأك الحراك؟

**نعم وكثيراً. لم أكن أتوقع. هذه الثورة أمدت الجيل الجديد بوعي غير عادي. هو وعي يُبعد الوطن عن الحرب الداخلية.

*كم أرجأت الثورة من مشاريعك الفنية؟

**بل عطّلت كل ما له صلة بالفن. كنت حيال تحضير عمل مع راغب علامة، وآخر مع ماجدة الرومي وضعا في الانتظار. وشخصياً كنت حيال تقديم “بالعكس 3” ورفعته للانتظار. وبرنامج “ذا فويس كيدز” الذي أشارك فيه يعيش حالة ارتباك فهناك صعوبات في دعوة الضيوف، وكذلك المشاركين فالجميع يتردد في القدوم إلى للتصوير. يفضل الأهل عدم ارسال أطفالهم إلى لبنان في هذا الوضع. التحدي كبير لكننا حتى الآن نتابع التصوير بنجاح فالبرنامج صار على الهواء.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية