هل صدّر العراقيون أخيرا ثورتهم لإيران؟ معاذ «البصير»: صورة أبلغ من 28 حرفا

من ولايات الجزائر الى محافظات العراق الى أقضية لبنان، صنع المواطنون العرب، على اختلاف مشاربهم، إعلاما فريدا من نوعه، عابرا للحكومات والسياسات والوزارات ماسحا للتواريخ المزورة.
لقد تفنن المتظاهرون في شوارع الجزائر في تحطيم معابد الإعلام التقليدية، والذي يوصف بالخشبي في المغرب العربي أو إعلام الغصب في الخليج العربي، أو إعلام السلطة في المشرق.
صنع الشبان الجزائريون منصاتهم الخاصة وأوصلوا أصواتهم النقية الى المواطنين، في بيوتهم ومحالهم ومزارعهم، فحولوا الخطاب السياسي الى اجتماعي، وسخروا وسائط التواصل لخدمة الجميع في الوطن، لا لنشر تهنئات وتبركات السلط.
هكذا فعل الأشقاء في بغداد أيضا، صور لأجمل وأنقى معاني الأخوة والوطنية زينت الفيسبوك وتويتر، لقطات وأحداث لا تمر على مقص رقيب أو على عنصر أمن، كل مؤهلاته أنه جاهل وغبي وثور هائج، لزوم القبح والإرهاب. وقائع تتحدث عنها الصور، دون مونتاج وشرح، فللصور، كما للبشر أرواح وعيون.
نحاول أن نعرف ما الذي يحصل، لماذا هجر الجمهور كليا مشاهدة التلفزيونات المحلية، وحتى الفضائيات الخاصة، التي تم تدجين معظمها أيضا، الى إعادة التموقع حول وسائط التواصل والمدونات الخاصة والتقارير الحية من شبان هواة، غير صحافيين لم يدخلوا كلية، فقط هم إعلاميون من قلب المظاهرات ينقلون نبضها بشفافية كاملة ولحظية وبعفوية وصدق، يعكسان الوجع والقهر والمحبة والآمال وصورة المستقبل.
نعم، تم تحويل الشبكات الاجتماعية إلى أدوات للفعل السياسي. الفضاء الإلكتروني أصبح فضاء عامًّا للتعبير ولممارسة الفعل السياسي الفاعل، وأداة من أدوات التحريض والتعبئة الجماهيرية لإطلاق الانتفاضات أو الثورات.
لقد أظهر الحراك الشعبي في الجزائر والسودان والعراق ولبنان، زخم وقوة النشاط السياسي الافتراضي، الذي ألهب الاحتجاجات والمظاهرات.
باتت شبكات التواصل الاجتماعي – ليست فقط وسائل بديلة للتعبير عن الرأي، أو وسيطًا يتم عبره التواصل السياسي، لإبلاغ الرسائل للفئات الاجتماعية المختلفة – بل عاملًا أساسيًّا من عوامل تشكيل الفضاء العام المؤثِّر على عموم الشعب، والمؤثِّر أيضًا على الحياة السياسية والتشريعية في الدول.
المحصلة أن هذه البلاد الطيبة تُهيل التراب على إعلامهما التقليدي وتؤسس لحقبة مختلفة. فطوبى لهكذا ثورات وطوبى لإعلامها الجديد.

«الأشرار» الذين يقودون ثورة إيران!

بعد أربعين عاما من محاولات إيران تصدير ثورتها للعراق ودول المنطقة العربية، يبدو أن العراقيين استطاعوا أخيرا أن يغيروا اتجاه البوصلة ويصدروا ثورتهم الى إيران خلال أربعة أيام فقط.
الإيرانيون يراقبون عبر وسائط التواصل، لا التلفزيونات الوطنية، الثورة في لبنان، الذي تحول الى محمية لحكم الملالي، وتصل أصوات جيرانهم في مدن العراق الى آذانهم ليل نهار.
فقد عرض تلفزيون «أورينت» الإيرانيين وهم يشاهدون حرق صور الخميني وخامنئي في ساحات العراق، وقبلها في سوريا ولبنان واليمن.
وكشف كيف استمدوا قوتهم من جيرانهم فثاروا – ليس من أجل أسعار البنزين – بل من أجل قوتهم المنهوب وأموالهم المسروقة، التي تصرف في بلاد العرب، بينما تنهش الشعب الإيراني العقوبات والفقر.
فهل تنشغل طهران بنفسها الآن عن تخريب ثورة العراقيين، كما فعلت في سوريا واليمن ولبنان؟
وتساءل برنامج «تفاصيل» كيف ينظر السيد خامنئي الى صوره وهي تُحرق في ساحات المدن الإيرانية، وسط صرخات الغضب؟
هجوم الجماهير على عربات الشرطة والأمن وتدميرها، يعيد للأذهان صور الثورة الإيرانية ومظاهرات الغضب والرصاص الحي. فالسلطات تعمل المستحيل لاخماد ثورة هذا الشعب.
تصريح الرئيس حسن روحاني للتلفزيون أن إيران ليست لبنان أو العراق، وأن حكومته لن تسمح لوسائل الإعلام بتقرير مصيرها، مردود عليه. وقطع وسائل الاتصال عن عموم البلاد، هو هروب مرعوب من المواجهة.
لا أحد يعلم كم ستستمر هذه المظاهرات، لكن الحكومة تستشعر أشد الخطر من العراق القريب.
حتى الآن لم يفتحوا أي حوار مع شعب، أثبت أنه ينال ما يريد حينما ينهض، ومن حقه الطبيعي مساءلة الحكومة. فهل حلال أن يحكم الولي الفقيه علي خامنئي البلاد منذ ثلاثين سنة، لم يخضع خلالها لأي مساءلة عن أي من سياساته، بينما يوصف الشعب الثائر بالمفسدين في الأرض، لمطالبتهم بحقوقهم، ما يعني أن عقوبتهم الإعدام في العرف الإيراني؟!
إيران شغلت المنطقة لفترة طويلة، فأتى دور من يشغلها الآن.

العين التي هزمت المخرز

هناك صور تَعلق في الذاكرة الجمعية للإنسانية، ولا يمكن أن تهزمها السنوات ولا التعتيم ولا البطش مهما دام.
لعلنا نذكر صورة الطفلة الفيتنامية فان تي كيم فوك ، التي تركض بعد احتراق جسدها الغض بنيران النابالم في حرب فيتنام، وصورة محمد الدرة، التي هزت الوجدان العالمي، وراشيل كوري وهي تُسحق تحت جنازير الجرافة الإسرائيلية، وأتت صورة معاذ العمارنة وعينه تنز دما، لتحتل أوراق الصحف وشاشات التلفزيونات العالمية، ولتصبح علامة فارقة في القرن الواحد والعشرين، تكشف كيف يفعل احتلال أعمى بعين بصيرة، كل همها أن تصور الواقع، وكيف يقتلع هذا الأعمى عين الحقيقة، التي جسدها معاذ العمارنة، بالنيابة عن كل أحرار العالم.
هذا الشعب الصابر قدم من الصور الفارقة عبر تاريخه ما لم يقدمه مجموع الإنسانية مجتمعا، نعم انطفأت عين العمارنة، لكنها أضاءت عيون العالم كله عما يحصل في هذه البلاد، فلا نامت أعين الجبناء.

٭ كاتب من أسرة «القدس العربي»

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    أعتقد بأن الثورة بإيران سيكون مصيرها الفشل! فهذا النظام قادر على إمتصاص غضب الجماهير بإرعابهم بشتى الوسائل الإجرامية!! ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول سعدي السعدي:

    لو كنتم تعلمون سيناريوهات اسقاط النفوذ الايراني والعملاء في المشرق العربي بدءا من العراق لذهلتم من العقل العربي الجديد الذي خطط بروية مستقلة ورسم الطريق نحو المستقبل بشوق صوفي ، لتلاقي الحق مع الحق ولو بلغت الأضاحي كنذورعيد الأضحى.افتخروا برجال امتكم الذين آثروا العمل الصامت على الصخب وهم يعملون كفريق بدأ عام 2012 لهذا اليوم الكبير.لقد جمعوا التكتيك مع الاستراتيج مع الإرادة وروح الأمة ، وهو ما لم يجتمع لغيرهم منذ احتلال العراق ، بما فاق آذان وعيون كل المخابرات الكبرى.إنه التخطيط للمستقبل بفكرعملي ، كل عربي وعربية سيشمخ مفتخرا بالتخطيط والتنفيذ.إنها خطة الخيمة العربية عمودها العراق أوتادها أقطار العروبة في لبنان وسورية واليمن.خطوة خطوة = خطوات.

  3. يقول سعيد/الأردن:

    نعم لقد صدر شعب العراق ثورته لإيران لاينتهي بذلك حكم ملالي إيران الذين لم يعلموا أن مكر الله أشد وأقوي من مكرهم….

إشترك في قائمتنا البريدية