لا شك ان كرة القدم هي الرياضة الشعبية الاولى في العالم، وجماهيرها هم من نواة كل مجتمع في هذا العالم، ومنهم تنعكس الآراء والأفكار والأحاسيس والمزاج العام.
لطالما كانت كرة القدم وسيلة لتفريغ الشحنات، في حالات الغضب العارم وأيضاً الفرح الهستيري، الجميع يخرج ما في جعبته في المدرجات، ففي بريطانيا تظل اللعبة لها مذاق خاص عند العموم، فكل ملعب ممتلئ، وكل ناد، مهما كبر أو صغر، ومهما كانت درجته وشعبيته، تكون له روابط تشجيع تحمل همومه وشجونه، فحتى في مدينة نيوكاسل الشمالية الفقيرة وصاحبة الرقم الأعلى في البطالة، فان استاد ناديها “سانت جيمس بارك” دائما ممتلئ بأكثر من 50 ألفاً، الى درجة أن كل ما يفعله مشجع النادي كل سنة هو تأمين اجازته السنوية الى مكان مشمس في الصيف، وضمان الحصول على بطاقات موسمية لحضور كل مباريات الفريق، رغم البطالة.
في السعودية، باتت كرة القدم الوسيلة الوحيدة للتفريغ عن الشحنات الغاضبة، ففي الملاعب لا توجد خطوط حمر، ولا مؤنب ولا محاسب، فصار الجميع محللين رياضين، والانتقادات تطال الجميع بدون استثناء. أما في مصر فهذا الجمهور “الساحر” ممنوع من حضور المباريات، لانه قد يقلب الحكم بعد الدقائق التسعين، وله انياب ومخالب تطال الجميع، على عكس الجماهير المغربية التي أخذت من المدرجات فرصة للتعبير عن همومها وهموم محيطها بأغان وأهازيج ممتعة بكلماتها ومؤذية بمعانيها.
هذه الجماهير اتهمت بالشغب والعنصرية والتفرقة واثارة الفتن، فكان هناك الكثير من الضحايا من اصحاب البشرة السمراء، الذين لم يعودوا يتحملون “صيحات القردة” وقشور الموز، رغم أن اصحاب الالوان الأخرى من البشرة يلقون نصيبهم من الشتائم والقذف والتمييز بصور مختلفة، لأن الهدف الأول ليس “العنصرية” كمبدأ وجودي، وانما للتعبير عن الغضب على لاعب يؤذي فريقه، لكن هذه الجماهير تظل مرآة لمجتمعها، تعكس حقيقة تصرفاته وتفكيره ورؤيته الى الأمور.
فهذه هي الجماهير، ان أردت ان تعرف أحوال أي بلد، فتابع جماهير الفرق في المدرجات، وستسمع ما هي الهموم الحقيقية للمجتمع، وعندما تشاهد المدرجات شبه خالية في عالمنا العربي فاعلم ان الحياة الاقتصادية جيدة والممارسات السياسية مقبولة، وليس هناك ما يدعو الى الشكوى.
وبسبب أهمية هذه الجماهير الكروية، اتجه الانكليز نحو انشاء “بورصة العلاقة” بين الجماهير وانديتها، وتحظى الأندية الـ92 المحترفة في انكلترا بنقاط تصعد وتهبط مثل الأسهم، مرتبطة بقدرة النادي على التواصل مع روابط مشجعيه، وعدد الاجتماعات بين ادارة النادي وهذه الروابط، ومدى الشفافية في هذه العلاقة. ومن بين الأندية الـ92، حل ناد واحد فقط من الدرجة الممتازة في المراكز العشرة الأولى، وهو نوريتش سيتي، الصاعد الجديد هذا الموسم الى الدرجة الممتازة، علماً ان فريق الدرجة الثالثة اكستر حل في المرتبة الأولى، فيما جاءت فرق الدرجة الممتازة مثل ليستر في المرتبة الـ15 وتلاه من الستة الكبار مانشستر سيتي (37)، ومن بعده ليفربول بطل اوروبا (39)، فأرسنال (47) ومانشستر يونايتد (49) وتوتنهام (51) وتشلسي (73).
وأعاد بعض المختصين نجاح نوريتش المقبول، رغم كونه نادياً صغير، الى هذه العلاقة مع مشجعيه، حيث انه يشرك مشجعيه في كل خطوة يخطوها، ويبقي مشجعيه على دراية بكل صغيرة وكبيرة، وعندما تفقد هذه العلاقة يعاني النادي، لان المشجعين يشعرون بعدم الأهمية وبالتالي يفقدون الحماس والارتباط. علماً أن الفرق الكبيرة تكون أعداد جماهيرها عادة أكبر بكثير من غيرها، ويصعب بالتالي التواصل مع الجميع، رغم وجود واجبات يومية على لاعبي أندية البريميرليغ يتوجب عليهم القيام بها بالتناوب، مثل زيارة المستشفيات او المدراس والقيام بدور السفراء عن النادي في الخدمات الاجتماعية، لكن المشجع دائماً يبحث عن المزيد. علماً ان 15 من الاندية الـ92 مملوكة لروابط مشجعين، والمدهش انها ليست من بين الـ10 الأوائل في “بورصة العلاقة”.
انشاء الله تبقى على كرة القدم ككرة لا تتحول قنبلة مدفع ويجرى التراشق بها بين الجيوش.. انها تجمع الفقير بالغني لافرق بين القوميات والأديان بها..شحنة الوطنية واطيتها عالية .. قبل ايام حظرت المظاهرات بنفس الوقت كانت مبارات بين العراق وإيران وفاز العراق عليها فخرجت جموع رهيبة وكما هي الروافد التي تصب بنهر من البشر تهتف.. إيران..برة ..برة…العراق تبقى حرة.
رجال..شيوخ.. نساء…أطفال.
الدوري الذي تجلب فرقه مئات الآلاف من المتفرجين المواظبين على الحضور أسبوعيا إلى المدرجات، ومعهم ملايين المشاهدين عبر التلفاز، لهو بحق وبدون نقاش دوري ناجح، والقائمون عليه نجحوا في إرساء أهم وأصعب لبنة في مسار بناء صناعة كروية حقيقية، وهذا لاعلاقة له بالوضع الاقتصادي للبلد.
اللحظة التي اعتقل فيها مشجع مصري من وسط المشجعين لا لشئ الا لانه حمل العلم الفلسطيني تعطي دلالة واضحة لما وصل له الشعب المصري من إذلال ، لا ارى انيابا ولا حتى قرونا لهذا الجمهور ، بل لا يتوفر حتى على رائحة او صوت ، لقد مات واصبح هجينا للأسف ، بينما تظهر مساحة الحرية معقولة في الملاعب المغربية حيث تبرز الالتراسات مواقف الشعوب من ازمات داخلية وحتى خارجية بكل حس حضاري ، تبقى مساحة الحرية بالمغرب الحبيب اكبر من غيرها في الدول العربية ، وعلى رأي احد المغردين المصريين ، اذا كان جمهور الرجاء البيضاوي المغربي غنى في بلادي ظلموني ، فيجب ان نغني في مصر ، في بلادي دفنوني…..