الكنيسة والجدران: ما هو القاسم المشترك بين برلين الشرقية وبيروت وسانتياغو؟

هل يمكننا اعتبار سانتياغو وبيروت وبغداد اليوم ما كانت عليه بودابست وبراغ وبرلين في القرن الماضي؟ قد تكون الإجابة نعم، لكن لماذا؟
في عام 1978 انتخب مجمع الانتخاب البابوي المغلق، كارول وتيلا بابا للكنيسة الكاثوليكية، وأراد بذلك أن يتحدى جدار برلين أيضاً، فما هي وظيفة الجدار آنذاك؟ كان يفصل معسكر الليبرالية السياسية عن المعسكر السوفييتي، الذي حاول تطبيق برنامجه الشمولي على الدول الشرقية، وبما أن الجدران لا تنهار من تلقاء ذاتها، كانت شعوب أوروبا الشرقية بحاجة إلى مساعدة لهدمها، جاءتها هذه المساعدة من البابا يوحنا بولس الثاني. لكن نجاح هذه الشعوب في هدم الجدار لم يمكّنها من مواجهة المفهوم الاقتصادي السائد في المعسكر الآخر، المتمثل في الليبرالية الاقتصادية المتوحشة بدون ضوابط، وتمويل الاقتصاد الذي يدمر دول جنوب العالم خصوصاً، من الكونغو حتى الأمازون ودول الخليج.
بعد انهيار جدار برلين ساد اعتقاد بأن المسألة انتهت عند ذلك الحدث: فقد انتصر نظام الثراء لمن يملكه بالطبع، وأصبح بإمكان هذا النظام أن يفرض على الجميع نموذجاً ثقافياً موحداً، واقتصاداً قائماً على نهب الثروات، لتصبح السيطرة المالية أيديولوجية العصر، التي على الرغم من ذلك مكنت شعوب شرق آسيا من الخروج من فقرها المدقع، بفضل إنشاء أسواق خاصة بها، داخلية في البداية ومن ثم عالمية، ولا يعود الفضل في ذلك إلى العولمة، بل إلى تحطيم جدار برلين. لم تساهم العولمة قط في حصول شعوب الشرق الأقصى على الرفاهية، لكنها هي التي نجحت في الاستفادة من انهيار النظام العالمي القديم، بعد الإصلاحات الاقتصادية التي أدخلها الرئيس الصيني جيانغ زيمين. فماذا عن جنوب العالم؟ بقيت شعوبه ترزح تحت نير الفقر والعوز، إذ لم تحصل أمريكا اللاتينية وافريقيا والدول الإسلامية في الشرق على أي مكاسب من انهيار جدار برلين عام 1989. وفي عام 2013 انتخبت الكنيسة الكاثوليكية جورج ماريو بيرغوليو، أول بابا تنحدر أصوله من أحد بلدان جنوب العالم التي اجتاحتها العولمة.

الجدران لا تنهار من تلقاء ذاتها، لكن الشعوب بحاجة إلى مساعدة لهدمها

إنها السنوات التي أصبح فيها الجدار الجديد أكثر وضوحاً. تضاعفت الجدران بدءاً من الحدود الفاصلة بين المكسيك والولايات المتحدة الأمريكية إلى الجدران في الحوض المتوسطي، وقد ارتفعت كلها أمام البشر، وليس أمام حركة البضائع، بعد أن خف التوتر الأمريكي الصيني. حوَّل الجدار الجديد أمريكا اللاتينية إلى حديقة خلفية للولايات المتحدة، وافريقيا إلى مورِّد للمواد الأولية بأرخص الأسعار، وأصبح الإسلام اليوم نظيراً للحزب الشيوعي السوفييتي في الماضي، فهل يشكل هذا العدو الأيديولوجي مبرراً لبناء الجدران؟ على كل حال تعود بداية هذه الحقبة إلى عام 1989 عندما تم استخدام الحركات الجهادية، وكانت تدعى حركات المجاهدين، آنذاك من أجل تقويض الإمبراطورية السوفييتية في أفغانستان، من دون الأخذ بعين الاعتبار مخاطرها الحقيقية. وهذه مسألة مهمة جداً لم يتطرق إليها صموئيل هنتنغتون في كتابه «صدام الحضارات» الذي يشير فيه منذ عام 1996 إلى هذا التقسيم الجديد المبني على الخطوط الفاصلة بين الحضارات، وهو أكثر خطورة من التقسيم السابق، لأنه في حال اعتبار الشعب غريباً عن الحزب، الذي يهيمن عليه، فمن الصعب فصله عن الدين الذي يعتنقه. غير أن هذا التقسيم لا يطال الأنظمة، التي تصبح أو تظل صديقة، على الرغم من قمعها وفسادها حتى من خلال الخطوط التي من شأنها أن تفصل بين الحضارات، وبهذه الطريقة يستمد القمع شرعيته من الخطر الإسلامي.
هذا التداخل في العلل والنتائج يجعل الإسلام يبدو لنا وكأنه يجسد العنف والتسلط والدم. وهذا ما لا يتماشى وأي ديانة من الديانات الشرقية الكبرى، التي نحترمها والتي قد نعتنقها ربما، والتي قد نمارس طقوسها بمرونة وسلاسة. إن رحلة البابا فرانسيس إلى أبو ظبي هي نظيرة سابقتها، أي رحلة البابا يوحنا بولس الثاني إلى بولندا، رحلة تحمل الرسالة إلى ما وراء الجدران.
كاتب إيطالي
ترجمهُ من اللغة الإيطالية: سامي حداد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية